أطفال الأردن يتعرضون للعنف

أطفال الأردن يتعرضون للعنف

31 اغسطس 2015
نسبة الأطفال المعرضين للعنف بلغت 89 % (فرانس برس)
+ الخط -
صُدم المجتمع الأردني، في مارس/ آذار 2014 عندما ماتت طفلة في العاشرة من عمرها على يد والدها أثناء معاقبته لها بهدف تأديبها. ورأى كثيرون في ما فعله الأب الذي حكم عليه بالسجن لمدة 12 عاماً، خفضت لاحقاً إلى النصف، عملاً وحشياً وانتهاكاً صارخاً للطفولة. لكنّ المجتمع نفسه لم يصدم قبل تلك الواقعة بنتائج دراسة وطنية كشفت أنّ 89 في المائة من الأطفال في الأردن يتعرضون للعنف النفسي والجسدي.

يعتبر العنف إحدى ركائز التربية في الأردن، يستمد من قيم متوارثة يجري تأطيرها في الذاكرة الجمعية بجملة من الأمثال الشعبية، التي تدافع عنها، مثل "العصا لمن عصى"، و"اللحم لك والعظم لنا".

تؤكد أستاذة علم الاجتماع، أمل عواودة، المتخصصة في قضايا العنف، أنّ مشكلة العنف متعلقة بعملية البناء الثقافي داخل المجتمع الأردني. وتقول لـ"العربي الجديد": "العنف متجذر في المنظومة الثقافية للمجتمع، بشكل جعله يورّث من جيل إلى جيل عن طريق السلوك وليس الجينات".

وتحلل عواودة أسباب توارث التربية العنفية في قولها: "المشكلة تكمن بأننا نعلم السلوكيات ونلقنها من خلال مفاهيم العنف وليس التصالح. وحتى عندما لا يتم تلقين الطفل مفاهيم العنف فإنّه يتعلمها بالاكتساب، فعندما يجد داخل أسرته سلوكاً عنفياً يمارس على أحد أفراد الأسرة، يرسخ السلوك في العقل الباطني وينمو مع الطفل ليمارسه عندما يكبر ويؤسس أسرة مستقلة".

ويعزز ما تذهب إليه أنّ نتائج المسح الوطني للسكان في الأردن للعام 2012 كشفت أنّ نسبة الأطفال المعرضين للعنف بلغت 89 في المائة، وأنّ 20 في المائة منهم تعرضوا لإساءة بدنية شديدة تمثلت بالصفع على الوجه أو الرأس أو الأذنين أو باستخدام أداة للضرب.

وتحذّر عواودة من الآثار التي يتركها العنف كوسيلة للتربية، والتي تتنوع ما بين آثار قريبة المدى وأخرى بعيدة المدى. والقريبة منها تتمثل بخلل داخل التركيبة الأسرية يؤدي إلى شكل من أشكال التفكك والانهيار الأسري، ينتج عنه صراعات تنعكس على الأطفال من خلال عدم الاستقرار العاطفي، وقد تلحق بهم أضراراً نفسية واجتماعية كالانسحاب الاجتماعي والاكتئاب والتوتر واللاعقلانية، وأحيانا التطرف. أما البعيدة المدى فتتعلق بتحول العنف إلى نمط اجتماعي متوارث وعصيّ على التغيير.

وتؤكد عواودة أنّ المنظومة العقابية ضرورية لمعالجة السلوكيات العنفية الموجهة ضد الأطفال، مع تشديدها على أنّ جهود التوعية بمخاطر العنف أكثر أهمية من العقوبات القانونية.

يشار إلى أنّ العنف الممارس على الأطفال داخل المنزل يتمتع بحصانة قانونية، وليست اجتماعية فقط. فقانون العقوبات الأردني يسمح بالضرب التأديبي الواقع على الأطفال من قبل أحد الوالدين. ولا يحدد طبيعة الضرب التأديبي، الذي يتطور في بعض الأحيان إلى انتهاكات لا إنسانية تمارس بحق الأطفال تحت بند التأديب.

ويطالب ناشطون حقوقيون بضرورة تضمين القوانين الأردنية عقوبات على ممارسي العنف ضد الأطفال. وبهدف تطويق ظاهرة العنف الاجتماعي، أدخلت جملة من التعديلات على مشروع قانون العقوبات، ستصبح نافذة بعد مرورها في العملية التشريعية قريباً. وتغلّظ التعديلات العقوبات على المتورطين بالعنف الجامعي وعنف الملاعب، وغيرها من أشكال العنف، من دون التطرق إلى العنف الواقع على الأطفال.

من جهته، يؤيد الناشط الحقوقي، كمال مشارقة، التعديلات القانونية التي تغلظ العقوبة على مرتكبي العنف المجتمعي، خصوصاً في الجامعات. ويعتقد بضرورة أن تشمل التعديلات العنف المرتكب على الأطفال في المدارس والبيوت. ويؤكد أنّ الاعتراف بوجود العنف داخل الأسر والتوقف عن التعامل معه كوسيلة تربوية، يشكلان مقدمة لمواجهة الظاهرة ومحاصرتها مستقبلاً.

ويقول مشارقة لـ"العربي الجديد" إنّ تركيبة المجتمع الأردني العشائرية والمغلقة تعتبر سبباً رئيساً لتنامي ظاهرة العنف داخل الأسر، مع تغييب ثقافة الملاحقة القانونية للمعتدي عن أفراد الأسر التي تقع ضحية للعنف.

إقرأ أيضاً: أردنيّون يستأصلون أرحام المعوّقات لـ"تجنّب العار"