أصدقاء لغتنا: مع آدم يرندة

أصدقاء لغتنا: مع آدم يرندة

05 مايو 2020
(آدم يرندة)
+ الخط -
 

تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. "الأدب العربي غنيّ ومتنوع، ويستحق الاهتمام وإطلاع الثقافات الأُخرى عليه"، يقول المترجم التركي في لقائه مع "العربي الجديد".


■ متى وكيف بدأت علاقتُك باللغة العربية؟
- كنتُ على علاقة وثيقة مع اللغة العربية منذ أن بدأتُ الدراسة في مدارس الأئمة والخطباء عام 1979. ثم تعزّزت هذه العلاقة على مرّ الأعوام؛ حيث سافرتُ إلى مصر والتحقتُ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف عام 1986. وبعد تخرُّجي عام 1990، سجّلتُ في الدراسات العليا ثم الدكتوراه في التخصّصات الدينية ثم اللغة العربية وبلاغتها، وأعمل حاليًا في كلية الإلهيات بجامعة إسطنبول، قسم اللغة العربية وبلاغتها.


■ ما أول كتاب ترجمتَه وكيف جرى تلقّيه؟
- كتاب "المنار المنيف" لشمس الدين ابن قيم الجوزية، ثم كتاب "المصنوع في معرفة الحديث الموضوع" لعلي القاري بتحقيق عبد الفتّاح أبي غدة. عَرض عليَّ ترجمتَها أخي الكريم عمر بوينو قالن. هذه كانت أوّل ترجمة قمت بها بعد تخرّجي من جامعة الأزهر الشريف في أوائل التسعينيات، إلّا أنه لم يُقدَّر لها النشر بسبب وفاة الأخ الكريم الذي عرض عليَّ ترجمتها وتكفَّل بنشرها. ثم توالت عليَّ عروض ترجمة كتب مختلفة من قِبل أصحاب المكتبات الدينية في تركيا، وما أزال أترجم من الأدب العربي في تخصُّصات مختلفة من العلوم الدينية والإنسانية.


■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
- مؤخّرًا تم ترجمة ونشر سلسلة "محمد رسول الله (ص) والذين معه"، وهي رواية تاريخية (عشرون مجلّداً بحجم صغير) للأديب الإسلامي المصري عبد الحميد جودة السحّار، كما ترجمتُ أيضًا "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" للمفكّر الإصلاحي عبد الرحمن الكواكبي، وكتاب "خاطرات الأفغاني" لمحمد باشا المخزومي.


■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟
- لم أواجه عقبات عظيمة في الترجمة من الأدب العربي، لكن المشكلة القصوى في الترجمة من الأدب العربي إلى اللغة التركية، من وجهة نظري، هي ترجمة التعابير المجازية القديمة والكلمات الغريبة والميتة في الأدب القديم والاصطلاحات العلمية والدينية والتعابير المستعارة والأسماء والأعلام الأجنبية وما شابه ذلك. واللغة التركية حروفها لاتينية. فبينما يتيسّر لنا تخمين وقراءة الكلمات والأسماء العربية وفقًا لقواعد النحو والصرف، يصعب علينا قراءة التعابير والأسماء الأجنبية إذا لم يتم كتابتها مُشكَّلةً أو بحروفها الأصلية، ممّا يجعل الأمر يستغرق وقتًا قياسيًّا يعادل ترجمة صفحات عديدة. كما أن ترجمة المصطلحات العلمية والشرعية بشكل صحيح تتطلّب مطالعة طويلة واكتساب معرفة كافية في التخصّصات التي تتّصل بها تلك الاصطلاحات والتعابير. لذلك لا يصح إقحام شخص للقيام بترجمة علمية إذا لم يكن خبيرًا في هذه المجالات.


■ نلاحظ أنّ الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
- نشهد اليوم العصر الرقمي في التواصل، حيث أصبح بمقدرة أي شخص أن يصل إلى المعلومات التي يحتاجها عن طريق الشبكة الدولية. وكما غيّر العصر الرقمي أدوات الاتصال في العالم، فقد غيّر أيضًا أشكال العلاقات في العديد من المجالات الدينية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. والمكتبات والناشرون في مقدّمة القطاعات الأكثر تأثّرًا بهذه التطوّرات، فلا يستطيع أصحاب المكتبات والناشرون اليوم أن يبيعوا ما قاموا بطبعه ونشره من الكتب، سواء كانت تأليفًا أو ترجمة، بأعداد معقولة بما يكفي لتغطية نفقاتها كما كانت في الماضي؛ حيث يميل الناس غالبًا إلى قراءة الكتب والمنشورات الإلكترونية. حتى المدارس والمؤسّسات التعليمية الأُخرى تسعى إلى تزويد مكتباتها ووحداتها بالمواقع والمنشورات الإلكترونية. ربما الاستثناء الوحيد من هذا هم الكتَّاب المشهورون والكتب الشعبية. ومن ثمّ يَحسب الناشرون حسابات دقيقة للغاية قبل أن يقرّروا نشر كتاب ما ويفكّروا في ما إذا كان بيعه سيغطّي تكلفته في وقت معقول. وعلى سبيل المثال، عدد كبير من الكتب التي قمتُ بترجمتها هي ترجمات مموَّلة. لذلك مهمٌّ دعم الأثرياء المولعين بالعلوم والثقافة ماليًّا، وكذلك الأوقاف والجمعيات الخيرية والمؤسّسات التعليمية للناشرين من أجل نقل أهم الأعمال الثقافية والعلمية المطبوعة في مختلف البلدان إلى لغتهم الأم والإسهام في تنمية الثقافة والعلم في بلادهم حتى يوفّروا لمواطنيهم متابعة التطوّرات في مجال العلوم والثقافة في العالم. وبهذا يمكن تطوير واستمرار التعاون العلمي والثقافي دوليًا.


■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسّسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟
- كما ذكرت أعلاه، قمتُ بأول تجربة ترجمة باقتراح من صديق تركي. ثم واصلت هذه التجربة مع الناشرين الأتراك. في مرحلة ما، قمت بترجمة بعض الفتاوى الدينية على الإنترنت لشركة مصرية. وبصرف النظر عن ذلك، لم أكن أوقّع أية اتفاقية ترجمة مع أفراد أو مؤسّسات عربية.


■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
- أنا متخصّص في الأدب العربي القديم والأدب الديني. والأدبُ العربي القديم يتميّز بالأصالة والعراقة، يكاد يستوعب معظم العالم المتحضّر، نشأ في جزيرة العرب وامتد إلى الأندلس غربًا وإلى السد الصيني شرقًا. أدب ثري بمختلف الأعمال الأدبية نثرًا وشعرًا. والشعر الجاهلي هو المصدر الوحيد الذي نعتمده للتعرّف على الثقافة والحياة العربية ما قبل الإسلام. والخطباء والشعراء الجاهليون هم الحكماء الملهمون بمعنى الكلمة وغير المقلّدين، يصفون لنا الحياة الجاهلية والطبيعة وبعض المزايا الأخلاقية والتقاليد الشعبية وعلاقات القبائل بعضها مع بعض بقدرة عالية جدًّا. وجاء القرآن معجزة على عادتهم في الأدب متحديًا لهم بأسلوبه ومحتواه. ثم انتقلت هذه القدرة الأدبية إلى عهد الإسلام عن طريق إسلام بعض الشعراء والحكماء الذين أسهموا إسهامًا عظيمًا في نشر الإسلام كما في الدفاع عنه. وكذلك نشاهد هذه الأصالة والعراقة في الأدب العربي في وقت مديد في العصور المتتالية. يقول ابن خلدون عندما يتكلّم عن الأدب العربي: "أصول الأدب وأركانه أربعة: أدب الكاتب لابن قتيبة، والكامل للمبرد، والبيان والتبيين للجاحظ، والنوادر لأبي على القالي". وأنا أؤكد أن الأدب العربي ينطوي تحته على أصول وأركان أكثر من هذه، وكلُّ منها يستحق الاهتمام والمطالعة وعرضها على الأقوام والملل الأخرى بمحتواها الغنّي والمتنوع.


بطاقة
كاتبٌ ومترجِم تركي من مواليد جريسون شمال تركيا. تخرّج من كلّية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1990، وحصل على ماجستير في الحديث عام 1992 ودكتوراه في التفسير عام 2007، ثم حصل على لقب الأستاذ المشارك في اللغة العربية وبلاغتها عام 2011، ثم الأستاذية في نفس التخصص عام 2016. من كتبه: "نقد النحو القديم؛ ابن مضاء القرطبي وآراؤه النحوية"، وصورة القرآن لدى المبشّرين؛ نظرة نقدية في تأويلاته اللغوية على بعض الآيات القرآنية".

وله في الترجمة: مجموعة كتبٍ من سلسلة "محمد رسول الله والذين معه" لعبد الحميد جودة السحار، و"الارتسامات اللطاف في خاطرة الحاج إلى أقدس مطاف" (الرحلة الحجازية) لشكيب أرسلان، و"في النظام السياسي للدولة الإسلامية" لمحمد سليم العوا، و"مدخل إلى الحضارة الإسلامية" لعماد الدين خليل، و"على عتبات الحضارة: بحث في السنن وعوامل التخلق" لبتول أحمد جندية، و"طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" لعبد الرحمن الكواكبي، و"خاطرات جمال الدين الحسيني الأفغاني" لمحمد مخزومي باشا، إلى جانب أجزاء من "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" لمحمد الشامي، و"المطالب العالية" لابن حجر العسقلاني، و"مجمع الزوائد" للهيثمي.

عمل آدم يرندة أستاذا مساعدا في كلية الالهيات بجامعة أوش الحكومية، أوش/ قرغيزستان، ونائب العميد في المعهد الإسلامي العالي بصوفيا/ بلغاريا، ومنسّقا عامّا لوقف الديانة التركي ببلغاريا، ومسؤولا عن الإدارة والتنسيق للشؤون التعليمية والتربوية والمالية فى المعهد وثانويات الأئمة والخطباء الثلاثة في بلغاريا، كما شغل منصب نائب العميد لكلية الإلهيات بجامعة باكو الحكومية في أذربيجان. وحاليا يعمل أستاذا في كلية الإلهيات بجامعة إسطنبول وعميدا لكلية العلوم الإسلامية بجامعة إبراهيم تشاتشان بأغري، في أقصى شرق تركيا.

 

المساهمون