أسطورة المقاتلين الأجانب في سورية

أسطورة المقاتلين الأجانب في سورية

02 مايو 2014

من فظاعات النظام السوري بحلب (1 مايو 2014 أ.ف.ب)

+ الخط -
بينما كان كثيرون من قادة المعارضة والثورة السوريَتَيْن ينزلون في عواصم العالم، يستصرخون الضمير العالمي، نصرة لشعبهم في ثورته السلمية، كان هذا الشعب في الداخل، والذي قرر نفض غبار الخوف واليأس عن نفسه، يَعرِفُ أنه يُقاوِمُ، وحده، آلة دمار أسدية، تطلَّب بناؤها ما يقرب من خمسين سنة. كان أعزل في مقاومته الطغيان، وظل طوال هذه السنين ينتظر المدد الذي لا يَصِل.
كم من مؤتمر لنصرة الشعب السوري عُقد، وكَم مِن وُعُود مساعداتٍ ظلت مجرد وعود، ولم يذق الشعب السوري طعمها إطلاقاً. وحين اضْطُرّت الثورة السورية السلمية إلى أن تُواجِه بالنار حربَ النظام الدموية، واحتاجت إلى السِّلاح، لم يُنجِدْها أحدٌ.
يعرف الجميع أن من يمتلك سلاح الطيران يُوجِّهُ سير المعارك، وإلى الساعة، لم يفكر أي "صديق" للثورة السورية بتزويدها بصواريخ أرض جوّ، لمواجهة أطنان القنابل والصواريخ والبراميل الحارقة التي تأتي من السماء.
لا شيء من هذا، ولا حتى فرض منطقة حظر جويٍ، يمكن أن يلجأ إليها المدنيون السوريون الذين تقطَّعَتْ بهم تضاريس بلدهم.
الغريب أن العالَم كلّه، بما فيه الغرب (العالَم الحرّ)، والذي يُشاهد الدعم المتعدد الأشكال الذي تقدمه إيران، وحلفاؤها وصنائعها، للنظام السوري، لا يفعل، تقريباً، شيئاً لمواجهته، ولدعم ضحاياه من الشعب السوري. بل يتجاوز الأمر الإدراك. فعلى منوال "ألقاه في اليمّ، وقال له إيّاك أن تبتَلَّ بالماء!" لا يمتنع الأصدقاء فقط عن إمداد الثورة بالسلاح، بل يلومونها بشدة لأن مئات من المقاتلين يصلون إلى سورية من دول أوروبية، في وقت يعترف فيه حزب الله، وحده، بإرسال آلاف من مقاتليه إلى سورية.
فجأة، تكتشف الدول الغربية (والغريب أن الخطاب أصبح واحداً في مجموع دُوَلها) أن بعض مواطنيها الموجودين في سورية يشكلّون خطراً في المستقبل عليها. وكأنما كانت هذه الدول "الديموقراطية" تنتظر مبرراً لنفض أيديها من معاناة الشعب السوري. ولم يكن أحدٌ يتصور أن النفاق الأوروبي والأميركي سيَصل إلى هذا المستوى. فما أن وقَّعَت الجمهورية الإسلامية في إيران اتفاق تصفية طموحاتها النووية، في شقها العسكري، حتى بدأ الغرب يتخلى عن تهديداته للنظام السوري، ويختلق الذرائع، لمنع إرسال أسلحة نوعية إلى المعارضة السورية، بدعوى الخوف من سقوطها في أيدي "القاعدة" ومشتقاتها.
وقد جاءت الأزمة في شبه جزيرة القرم، وفي أوكرانيا، لِتُظهر النفاق الغربي. إذ، هنا، كان التعامل الغربي والأميركي مختلفاً عنه في سورية. فها نحن نرى لغة التهديدات الغربية، ولغة العقوبات الاقتصادية على روسيا، وتحريك الجيوش والأساطيل، والتهديد بحرب باردة جديدة.
ما الذين يمكن أن يفهمه الشعب السوري، الجريح والمُحاصَر، من هذه الرسائل والمواقف الغربية؟ وما الذي يمكن أن يفهمه النظام السوري، أيضاً؟
يفهم النظام السوري من هذه الرسائل أن له الحق في مواصلة سحق ما تبقى من الأصوات المعارضة، ليخلو له الجوّ وحده، في حين يفهمها الشعب السوري المُشتَّت في المنافي والمُهجَّر في ربوع بلده بأنها تخلّ كامل عنه، وتركه يتحمل مصيره، كما تحمَّلَهُ منذ عقود في سورية "البعث" وعائلة الأسد.
فهلْ يستطيع أحد، بعد اليوم، أن يُجادِل بأن العالم الغربي الحرّ لا يزال يمتلك الصدقية؟
وهل هو عاجزٌ، فعلاً، عن التصدي لبعض مِئاتٍ من أبنائه لدى عودتهم إلى بلدانهم، وهو يَعرف أن معظمهم لن يعود إليه أبدا؟
أدرك الغربُ أن لا أحد يُهدّد صنيعَتَهُ إسرائيل، وأنّ خطابات إيران موجهة للداخل الإيراني، فقط، فغسل أيديه من هذه النكبة، وكأن لسان حاله يقول: "عَرَبٌ يقتلون عَرَباً، فما ذَنْبُ الغَرب إذاً!"
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد