أرسم المرأة لأنها حلٌّ اجتماعيٌّ لمعاناتنا

أرسم المرأة لأنها حلٌّ اجتماعيٌّ لمعاناتنا

16 يوليو 2015
لا أؤمن بالترف الفكري بل بالواقعية (العربي الجديد)
+ الخط -
أتعلمين، أنا لست رسّاماً أبدا، فأنا لا أملك تلك الموهبة اليدوية الفطرية، رغم أنني كطفل كنت رساما جيداً، تحتفظ أمي برسم لي عندما كنت في الرابعة، حيث رسمت امرأة ترتدي عباءة قربها طفل يطلب النقود، كانت بمثابة رسالة لطيفة لاستجداء النقود، ثم اتجهت لرسم الكاريكاتير منطلقاً من قاعدة أدبية بحتة متأثرا بما فهمته عن قصيدة النثر وغايتها، كان هذا من 24 عاما، حيث تركت الكتابة وصرت أرسم بشغف فكري لا يتوقف، وكان الاتجاه الذي تبنيّته لا يركز على قوة الرسم بقدر تركيزه على قوة الفكرة والتأويل والإيحاء داخل اللوحة، أقمت العديد من المعارض في البصرة حيث كنت أدرس.


برز رسام الكاريكاتير العراقي، ميثم راضي، مع بداية نشره رسومه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. رسومات ميثم حظيت بانتشار واسع بين جيل الشباب العربي عموما والعراقي خصوصا، لغرابتها ولأفكارها ومعانيها المختزلة، ولتعبيرها عن مشاعر جيل كامل من الشباب العربي الذي يبحث عمّن يتحدث بأفكاره وينشرها، ثم توسّع بعد ذلك حين بدأ بالنشر مع بعض الصحف العراقية.

ولد ميثم راضي في مدينة صغيرة اسمها (العزير) على ضفاف الأهوار ودجلة، وبسبب الحرب العراقية الإيرانية، انتقلت عائلته للسكن في مركز محافظة ميسان/ جنوبي العراق. حين سألت ميثم راضي عن طفولته أجاب: أشعر دائما أننا نسينا أجزاء منا خلفنا في تلك المدينة. أنا نسيت قطعاً مني في بستان بيت جدي، بل ربما إن حياتي بعد ذلك كانت عبارة عن محاولات لتعويض تلك القطع أو الأجزاء.

أما عن بداياته في رسم الكاريكاتير، فيقول ميثم: بقيت وقتا طويلا أطور لوحدي مفاهيمي عن الكاريكاتير وأحاول قدر الإمكان تطوير وتحسين قدراتي على الرسم والتلوين، فعلت هذا في عزلة تامة ودون مساعدة أحد ودون أن يسمع بي أحد، ثم بدأ حماسي يقل حتى قمت بمراسلة بعض الفنانين والأساتذة، الذين تحمّسوا لتجربتي ونشروا لوحاتي. هكذا عادت الروح لمرسمي. عملت مع صحف عراقية كالعالم والمدى، وكانت التجربة الصحافية محفّزة جداً لكنها لم تستمر بسبب واقعنا الصحافي البائس والمتعالي على الكاريكاتير.

وحول الأماكن التي يستلهم منها رسوماته، يقول: أنا في الحقيقة لا أؤمن بالترف الفكري بل بالواقعية، لا يمكنني كرسام أو كأديب، أن أكون مهموما بأفكار نخبوية في بلد يبحث الناس فيه عن البقاء، ويعانون من التطرف والتسلط والذكورية وسطوة التاريخ. أنا أستقي رسوماتي من خلال بحثي عن جذور الخراب، وأحاول بلوحة واحدة أن أقول هذا جذر من جذور الخراب. إن ما يجعلني أقرر البدء برسم لوحة أن أجد شيئاً غير متوقع وهامشيّاً جداً ولكنه قادر على حمل ما أريد إيصاله للمتلقي.

وعن المرأة والحرب التي ترد في رسوماته، يقول ميثم: أرسم المرأة كثيراً فهي تعني لي أحد منابع الجمال والحب، تمثل حلاًّ اجتماعياً لما نعانيه، بل إنها نصرٌ غير مستغل ضد الإرهاب وداعش والقيم العشائرية البغيضة. المرأة قادرة على تحريك المياه الراكدة في الفن والأدب وكل شيء، وأؤمن أن المرأة العراقية قادرة على ذلك وسبق وفعلته.

أتعرفين الصائغ القديم الذي يعض قطعة الحلي ليتأكد من معدنها؟ هكذا عضّتنا الحرب، وكشفت معادننا. نعم الحرب تعضّنا جميعاً، وهنا فقط ستتأكد من معدنك، لكن تأثير الحرب على الإبداع عموما وعلى الرسم تأثير سيىء، لأنها تعلمنا الكسل وعدم التعمق بسبب السرعة لمواكبة تفاصيل الحرب، ولأن الحرب وأثناء ما هي مستمرة لا تسمح لك بالحفريات لتكتشفها إلا إذا كانت حفرياتك عبارة عن قبور لأعدائك وأصدقائك. الحرب لا تبدو عميقة وأنت تعيشها، إنها تبدو عميقة للبعيدين عنها: مكانياً وزمانياً.

(العراق)

المساهمون