أرتعب كثيراً كلما...

أرتعب كثيراً كلما...

12 مايو 2020
+ الخط -
أرتعب كثيراً كلما رأيت الشيب يغزو رأس أبي ويكاد أن يظفر بنصر على سواده، أرتعب كثيراً عندما أرى الألم يحاصر جسد أمي ولا أستطيع أن ألجمه..

أبكي كثيراً إذا ما داهمتني حقائق وهواجس وأفكار، تختالني خلجات ندم وتطامن كلما رجع أبي من عمله، متعب، ناعس الطرفين، منهك القوى، ووجيع القدمين، يتصبب العرق من وجنتيه وفوديه، أخال نفسي السبب في وجعه وألمه، تمزقني سيوف التفكير والتأنيب، لكني أختم معركتي بدعوة لسندي في ظهر الغيب لعل الله لا يردني خائبة.


أخاف كما لو أنني طفلة ما زالت بحاجة لحضن أمها إذا ما استيقظت فزعة من كابوس أو من صوت مريب يجعلها تتذوق مرارة الفقدان. أحتاج إليهما كليهما، أخالهما شابين في أوج قوتهما، أهبهما زوجين في مقتبل العمر وأنا المدللة على راحتيهما.

ما زلت وأنا العشرينية ضعيفة في حضرة قوتهما، لم أعد ناضجة بحجم نضوجهما وعنفوانهما، ما زلت أتغذى على دعواتهما التي تحفني إياباً وذهاباً.

وإني أذكر توبيخ أمي لي عندما أخبرتها كذباً أني أديت صلاتي وأنا لم أصلّ، أبتسم مراراً كلما تذكرت ذاك الموقف، تختال لساني موجة حمد وشكر، أشكر الله كما لو أنه أنعم عليّ بنعم الدنيا جلها، أحمده كما لو أنني أسعد الناس حظاً، وأوفرهم بركة، أحمده حمداً كثيراً على وجود من هم أصل وجودي.

بعد سنين مرت كلمح البرق أو أسرع، أتوق لتلك الأيام التي كانت فيها أمي تبدل لنا ملابسنا، تطعمنا، وترشدنا هذا خطأ وهذا صواب، نأخذ إذنها باللعب مع أبناء عمرنا من الجيران تارة توافق وتارة تأبى لأن الوقت متأخر، كم كنا نتأفف إذا منعتنا، كم كنا نمور غضباً إذا ما وبختنا لفعلة فعلناها، أو كلمة تكلمنا بها، الآن بعد هذه السنين أيقنا ماذا كانت تعني أمي، ولماذا هي منعتنا، ولماذا أبي غضب منا، علمتُ أن الحب لم ولن يكون يوماً كحب أمي وأبي لنا.

الآن بصرت ضيق عقولنا التي كنا نزن بها ردودهما، الآن بصرت شح قلوبنا وعواطفنا على اتساع أفئدة والدينا.

دلالات

63A48E02-CE6E-49E6-AA55-1BA844BAF485
بسمة أيمن محمد عنان

خرّيجة لغة عربية من فرع الصحافة في الجامعة الإسلامية من مدينة غزة.

مدونات أخرى