أدوية تنشيط الذاكرة للأطفال... بين الوهم والواقع

أدوية تنشيط الذاكرة للأطفال... بين الوهم والواقع

07 ديسمبر 2016
أدوية تنشيط الذاكرة لها الكثير من الأعراض الجانبية المضرة(Getty)
+ الخط -
كانت والدة "سارة" تشكو من توتر علاقتها مع ابنتها بسبب تدني مستواها الدراسي المفاجىء بعد أن استقبلت الأسرة " توأماً" جديداً، وانشغلت الأم عن متابعتها دراسياً، وبعد مراجعة الطبيب داومت سارة على أدوية تنشيط الذاكرة ظناً من والدتها أن هذه العقاقير بالجرعة المكثفة ستحسن مستواها الدراسي وقدرتها على التركيز مع اقتراب موعد الامتحانات، لكن خلال بضعة أشهر كانت سارة في العناية المركزة! 

يتكاسل الأطباء ممن يشتركون في هذه الجريمة، عن معرفة السبب الحقيقي لنسيان الطفل للمعلومات وعدم قدرته على التركيز، ويكتفون بوصف الأدوية التي تساعد على زيادة الانتباه مثل "الأديرال" الشهير، خاصة إذا كان التلميذ من الفقراء فسعره في متناول الجميع، بل هناك من يستمرّ أطفالهم في تناول هذه العقاقير حتى المرحلة الجامعية. فالإحصاءات تشير إلى أن عدد الروشتات الطبية التي يصف فيها الأطباء ذلك العقار للأطفال زاد 8 أضعاف خلال الأعوام العشرة الأخيرة، وفقا لتقرير الصحة العمومية التابع لمنظمة الصحة العالمية الخاصة بالأطفال لعام ٢٠١٥.


ضرر أقل من ضررٍ
تواصلت "العربي الجديد" مع بعض الآباء والأمهات، الذين مروا بهذه التجربة مع أطفالهم. يقول مجدي همام: "ابني الأكبر كان يعاني من غباء حاد كما وصفه المعلم، وطلب مني مراجعة الطبيب النفسي بالمدرسة والذي بدوره أعطاني وصفة بثلاثة عقاقير لتحسين أداء الذهن، كان منها (الأديرال)، وعندما استشرت طبيباً آخر أخبرني أن هذا الدواء مضر رغم أنه الأكثر استهلاكاً ومصنف في الدرجة الثانية للمخدرات مثل الكوكايين.

وبمجرد أن تابعنا معه بعض التمارين المتعلقة بتنمية مهارات الذكاء، وتوقف عن مشاهدة التلفاز والألعاب الإلكترونية، وأصبح يلعب في مكان مفتوح يومين في الأسبوع، ويأخذ قسط 10 ساعات نوم متواصل يومياً حتى تحسن وضعه كثيراً".

وتختلف معه ريما حيث تؤمن أن لهذه الأدوية دوراً فعالاً فتقول: "ابني يواظب على تناول ( النتروبيل) والذي يعمل على تنشيط الدورة الدموية في الدماغ، وساهم في تحسين ذاكرته قبيل فترة الامتحانات، فالضغوط الدراسية كثيرة، والآثار الجانبية البسيطة أقل ضرراً من فشله دراسياً وضياع مستقبله".

الأعراض الجانبية
وعن الحقيقة العلمية المتعلقة بهذه العقاقير تقول طبيبة الأطفال، تهاني ناصر، لـ "العربي الجديد": "لا يوجد في الطب ما يسمى أدوية تساعد على تنشيط الذاكرة، ولا حتى تحفيز الجهاز العصبي الذي يعمل على تحسين التمثيل الغذائي في المخ، وهذه الأدوية مقبولة فقط في حالات مرضية تحتاج فعلاً إلى العلاج والمراقبة الدقيقة، كمن يعانون من التخلف وبعض أمراض التدهور العقلي والعجز الذهني من الأطفال".

هذه الأدوية لها الكثير من الأعراض الجانبية أهمها اضطرابات وظائف الكبد، واضطرابات نبض القلب وارتفاع ضغط الدم، وبطء النمو ونقص الوزن، وعدم زيادة الطول، وحساسية الجلد، وآلام البطن والاستفراغ أو الإسهال، وآلام المفاصل، وتساقط الشعر، بالإضافة إلى تعرض الطفل لآلام الرأس، والعصبية والقلق وقلة النوم، والحركة المفرطة والعدوانية، وجفاف وتهيج الحلق، وجميع هذه الأعراض تختفي بمجرد التوقف عن تناول هذه الأدوية.

وعن الأسباب الحقيقية لضعف الذاكرة تضيف قائلة: "عدم تركيز الطفل أثناء الدراسة لتشابه المعلومات قد يعطي الأم الإحساس بضعف ذاكرته، بالإضافة إلى سوء التغذية ونقص فيتامينات "A ,E, B" والأوميغا 3، وبعض العناصر مثل البوتاسيوم والكبريت والفسفور والحديد، كما أن السمنة والأكل المفرط خاصة قبل موعد الدراسة يضعف الذاكرة، لأن تدفق الدم يزداد نحو المعدة لهضم الطعام وينقص التدفق إلى المخ، بالإضافة إلى بعض الأمراض العصبية وأورام الدماغ، والاكتئاب والصدمات النفسية التي يتعرض لها الطفل بسبب التفكك الأسري أو انفصال الوالدين، وقلة النوم والقلق المستمر وعدم الشعور بالأمان، ومشاهده التلفزيون والأجهزة الذكية لساعات طويلة.

وللتنشيط الحقيقي لذاكرة الطفل قد تستعمل الأم طريقة تكرار المعلومة، والذي يسهل على الطفل فهمها، واستخدام أسلوب الفهم وليس الحفظ في التدريس، وممارسة الرياضة بشكل مستمر وألعاب تنشيط الذاكرة، وقراءة القصص بصوت عالٍ وبشكل منتظم مع تكرارها، مع إلزام الطفل بساعات نوم كافية، وتناول نظام غذائي صحي متوازن، والإكثار من تناول الأطعمة الغنية بالأوميغا 3 مثل سمك السلمون، وتناول الفاكهة والخضار والبقوليات، ومنتجات الألبان والمكسرات، وغذاء ملكات النحل والأفوكادو، والابتعاد عن الأطعمة والمشروبات المعلبة، والملح والسكريات، والإكثار من شرب الزنجبيل والقرفة والمرمية".

كبسولات "عبقرية" تجارية

وعن تاريخ هذه العقاقير يقول د. محمود فريد، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، لـ "العربي الجديد": "هذه العقاقير كانت بدايتها من طبيب مشهور من جامعة هارفرد الأميركية، والذي كشف عما سماه بالحبة العبقرية، والتي اعتبرها الانطلاقة نحو عالم العبقرية والذكاء، وبعدها ظهر ما لا يقل عن 40 دواء تعزز الإدراك والوعي، ومعظمها في غاية الخطورة، وأغلبها تجاري يهدف إلى الربح، ولا تراعي الصحة العامة للأطفال، وللأسف يتم وصف بعضها في حالات خاطئة، فمثلاً عقار "دوناميزان" يتناوله العديد من الطلاب من تلقاء أنفسهم خلال فترات الامتحانات، في حين أنه يستعمل أصلاً لعلاج العته والخرف.

كما يستخدم الطلاب عقار "أركاليون" فيزيد من التركيز والنشاط المؤقت، لكنّ لديه آثاراً جانبية كثيرة، كما أن هناك مجموعة أدوية مشابهة مثل "الفيتاماكس" و"أكتيمور" و"رويال جيل" و" أكابي كاف" وجميعها يستخدمها الطلبة وأسعارها في متناول الجميع، وهي أدوية منشطة للدورة الدموية لكن لا يجوز تناولها إلا بعد الرجوع إلى طبيب موثوق فيه يشخص حالة الطفل جيداً.

فهذه الأدوية لا تستخدم إلا لمرضى حالات ضعف التركيز، وغالباً هم كبار السن، وفي حالات نادرة للأطفال نتحقق جيداً قبل وصفها لهم. ففي أغلب الحالات لا يعاني الطفل من تلك المشاكل الحقيقية، ويكون سبب تدني المستوى الدراسي هو في الأصل ضعف المدرسة نفسها، وعدم تقديم خدمة تعليمية جيدة، وتكدس الفصول أو ضعف أداء المعلمين، أو قد يحتاج الطفل فقط إلى علاج سلوكي. وفي حين تم التحقق جيداً من أن الطفل يعاني من ضعف التركيز، فإن هذه الأدوية ينبغي أن تؤخذ بجرعات محسوبة، وإلا أصبح فعلاً وسيلة جديدة إلى الإدمان، فلا يؤخذ أبداً بشكل أبدي خلال فترات الدراسة، فقد أصابت بعض الأطفال بهلاوس سمعية كادت تصيب أحدهم بالجنون".



المساهمون