"قضاء الشارع" محاكم شعبية مثيرة للجدل في المغرب

"قضاء الشارع" محاكم شعبية مثيرة للجدل في المغرب

26 ابريل 2016
يلجأ الشباب إلى العنف في هذه الحوادث (فرانس برس)
+ الخط -

تتنامى في المغرب ظاهرة شعبية يطلق عليها منذ فترة تسمية "قضاء الشارع". وفيها يعمد مواطنون غاضبون إلى "القصاص"، أو الانتقام، من آخرين بسبب أفعال "غير لائقة تخالف الآداب العامة وتخلّ بالحياء، أو تناقض ما درج عليه "المجتمع المحافظ".

قبل فترة، هاجم عدد من شباب أحد الأحياء في ضواحي مدينة بني ملال شابين مثليين جنسياً داخل شقة. ضربوهما بعنف والتقطوا لهما صوراً ومقاطع فيديو، قبل أن يقتادوهما إلى مركز أمني.

نطقت المحكمة في هذه القضية بأحكام مخففة جداً في حق المثليين، وحكمت عليهما بالسجن لكن مع وقف التنفيذ، فأطلق سراحهما. لكنّها حكمت في المقابل على عدد من المهاجمين بالسجن النافذ. وهو ما شكل صدمة لدى أسر المهاجمين بحجة أنّ أبناءهم بادروا بأنفسهم إلى "تغيير المنكر".

بعد حادثة المثليين بأيام قليلة، وفي أحد الأحياء الشعبية في مدينة سلا المحاذية للعاصمة الرباط، هاجم عشرات الأشخاص، معظمهم من المراهقين، منزل سيدة اتهموها بالسحر والشعوذة، بعدما ضبطوا قطاً يخرج للتوّ من بيتها وقد خيط فمه، وهو من أعمال السحر المعروفة في المجتمع المغربي التي تروم الإضرار بصحة وبدن شخص ما. كسر الغاضبون باب مرآب منزل المرأة، وظلوا يرشقون باب ونوافذ البيت بالحجارة، محاولين اقتحامه بالقوة، هاتفين بشعارات تطالب برحيل "الساحرة"، قبل أن يتدخل رجال الأمن لتهدئة المحتجين، واعتقال المرأة.

هذه الحوادث وغيرها التي ظهر فيها مواطنون يتقمصون دور الأمن، ويعاقبون "المخالفين" بأيديهم، أكدت إزاءها الحكومة على أنّ "السلطات ستتعامل بحزم مع كلّ من يحاول الحلول مكان الدولة في تطبيق القوانين". وقالت: "سيجري التعامل بصرامة مع كلّ من يتجاوز سلطة القانون وصلاحيات الدولة، التي يبقى لها وحدها إيقاع العقاب على المخالفين للقانون".




عن أسباب انتشار ظاهرة "قضاء الشارع" يقول الناشط الإسلامي رفيقي أبو حفص لـ"العربي الجديد" إنّ "عوامل تربوية ونفسية وثقافية تتداخل فيها"، موضحاً أنّ "ثقافة العنف متجذرة بشكل كبير في النفوس، والنزعة للتشدد والهجوم على الآخر كامنة داخل كثير من الشباب بمختلف توجهاتهم".

يضيف أبو حفص: "تلعب الظروف الاجتماعية والاقتصادية دوراً كبيراً في هذا الاحتقان الداخلي، لكنّ العوامل التربوية تلعب الدور الحاسم". يقول إنّ "الأسرة والمدرسة والآلة الإعلامية كلّها تلعب أدواراً ضعيفة، وأحياناً عكسية في تربية الأجيال على التسامح والتعايش وقبول الآخر". يتابع: "ليس غريباً أن نرى التحاق هذا العدد الكبير من الشباب بتنظيم داعش، وليس غريباً أن نجد تعاطفاً كبيراً مع هذا التنظيم لدى فئات واسعة من الطبقات الشعبية، وليس غريباً أن نسمع كلّ يوم عن جرائم وحشية". ويشير إلى أنّ "كلّ هذا عائد إلى كمون هذه الثقافة في النفوس وعدم مواجهتها بمنظومة تربوية ولا ترسانة قانونية ولا تنفيس سياسي واجتماعي واقتصادي".

من جانبه، يعتبر رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان عبد الإله الخضري أنّ "هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم.. لكنّ الجديد فيها تسجيل الحوادث في لحظتها بأجهزة الهواتف الذكية، وانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

يؤكد الخضري لـ"العربي الجديد" أنّ "ما يسعى البعض إلى تسميته قضاء الشارع، ليس بقضاء، بل فوضى ورغبة من العامة في إنزال العقاب بأيديهم في حق المذنب. وهو سلوك همجي ووحشي صرف، يستبيح أجساد وأعراض الناس، مما ينطوي على احتقار القوانين وتبخيس دور السلطة القضائية، وبالتالي الاستخفاف بهيبة الدولة".

يشدد الخضري على أنه "لا يمكن القبول بالاحتكام إلى الشارع في معاقبة أي متهم، وإلا أشعنا ثقافة الفوضى وثقافة أخذ الثأر باليد، لأنّ عامة الناس، إذا ما أطلقت عنانهم استباحوا أجساد خصومهم، من دون أن يتيحوا لهم قواعد المحاكمة العادلة، ومن دون التقيد بالقانون، الذي يبقى الملاذ الوحيد والأساسي لبناء مجتمع يسود فيه الأمن والسلم الاجتماعيان". يستطرد: "نقدّر مشاعر عامة الناس، في ما يلحقهم من أذى نفسي شديد، إزاء ما يعاينونه من انتهاك صارخ لقيمهم وإنسانيتهم، لكنّنا نرفض لجوءهم إلى خيار الاعتداء على المتهمين، أو التهجم على بيوتهم".

يدعو الخضري الدولة والمجتمع المدني إلى العمل بقوة ومثابرة وجهد، من أجل توعية المواطنين بكون سلوك الاعتداء على مذنب ما، من قبل عامة الناس سلوكاً مداناً ومتخلفاً، ولا يعكس رقي المجتمع ولا مسؤولية الناس، إزاء بعضهم البعض، ولا حيال القانون والدولة. وهي توعية تقع في صميم حملة تنوي منظمته تنفيذها قريباً، مستهدفة الشباب على وجه الخصوص.