"قانون حماية باكستان": كلُّ شخص متّهم حتى إثبات براءته

"قانون حماية باكستان": كلُّ شخص متّهم حتى إثبات براءته

24 ابريل 2014
5.5 مليون طفل باكستاني لا يرتادون المدارس (getty)
+ الخط -

مرّت عشرة أشهر على تولي نواز شريف الحكم في باكستان، في وقت كانت البلاد تمر بأزمة أمنية حادة، تتمثّل في هجمات الحركات المسلحة، خصوصاً حركة طالبان، والحركات الانفصالية البلوشية. وشكلت أعمال العنف المتواصلة في مدينة كراتشي، جنوب البلاد، ومواجهة الوضع الأمني، تحدياً بالغ الصعوبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لذلك، بادر شريف، بعد التشاور مع مستشاريه الأمنيين، إلى تنفيذ خطوتين أساسيتين، تجاه الوضع الأمني المتدهور:

الخطوة الأولى، ترجمها انعقاد مؤتمر الأحزاب السياسية لوضع سياسة أمن قومي جديدة، عُقد في العاصمة إسلام آباد في 12 يوليو/ تموز الماضي. وخرج المؤتمر، الذي شارك فيه قادة الجيش ومدير الاستخبارات وزعماء الأحزاب السياسية وعدد كبير من علماء الدين، بتوصية للحكومة تقضي بإجراء حوار مع الجماعات المسلحة التي تؤمن بدستور باكستان. وقد نتجت عن هذه التوصية، جولات مفاوضات استمرت حتى بداية الشهر الحالي، بين الحكومة الباكستانية وحركة طالبان ـ باكستان.

أمّا الخطوة الثانية، فكانت صياغة قانون أمن جديد، بما أن الأجهزة الأمنية الباكستانية كانت تشتكي دائماً من عقبات قانونية في التعامل مع عناصر الجماعات المسلحة أثناء الحرب، خصوصاً عند التحقيق مع الموقوفين منهم. من هنا، كانت الحاجة ملحّة إلى قانون يُطبّق في الحالات الاستثنائية، يختصره وزير الإعلام، برويز رشيد، بالقول إن "البلاد تعيش حالة استثنائية، وهي بأمسّ الحاجة إلى قوانين استثنائية كقانون حماية باكستان".

"قانون حماية باكستان" عبارة عن إضافات جديدة على قانون مكافحة الإرهاب، الذي تمّت صياغته أثناء حكم نواز شريف في 1997، ويُسمح بموجبه لأجهزة الأمن بتوقيف أشخاص مشتبه بهم لمدة تسعين يوماً في أماكن سرية، من دون توجيه التهم إليهم. ويمنح هذا القانون لقوات الأمن، حق إطلاق النار على أي شخص يشتبه به، من دون وجود أدلة على ذلك. كما تجري، بموجب هذا القانون، محاكمة الموقوفين في محاكم سرية خاصة، ويتعيّن عليهم إثبات براءتهم، بعكس القانون الباكستاني والقوانين الدولية التي تقول إن الأصل هو براءة الذمة، وإن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

وقد أثار هذا القانون جدلاً كبيراً بين الحكومة الباكستانية والأحزاب السياسية. كما انتقده علماء الدين والحقوقيون ونشطاء المجتمع المدني بشدة. ويشدد رئيس "الفكر الإسلامي الباكستاني"، الشيخ محمد خان شيران، على ضرورة عدم تطبيق هذا القانون، لأنه سيخلق المزيد من المشاكل في البلاد. أكثر من ذلك، فقد انسحبت "جمعية علماء الإسلام"، التي يتزعمها المولوي فضل الرحمن، من الحكومة الاتحادية أخيراً، نتيجة الخلافات حول هذا القانون بالتحديد.

وفي خضمّ هذا الجدل، قامت الحكومة الباكستانية، في السابع من شهر أبريل/ نيسان الحالي، بعرض القانون أمام الجمعية الوطنية، إحدى غرفتي البرلمان، وقد وافقت الجمعية عليه كون حزب "الرابطة الإسلامية"، الحاكم، يملك الغالبية فيها.

لكن موافقة مجلس الشيوخ، أي الغرفة الثانية في البرلمان الاتحادي، على القانون، ستكون الاختبار الحقيقي للحكومة، لأن المعارضة هي التي تسيطر على المجلس، بعكس الحال في الجمعية الوطنية. وأكد القيادي في حزب "الشعب الباكستاني"، زعيم المعارضة في مجلس الشيوخ، رضا رباني، أن "القانون المطروح يسلب الحقوق الأساسية للمواطن، ويسيء إلى سمعة باكستان عالمياً. لذا لن تسمح الأحزاب السياسية، وبالتحديد حزب الشعب، بالمصادقة عليه في مجلس الشيوخ".

وشهد تاريخ الثامن عشر من الشهر الحالي، محاولة أولى لإقرار القانون، إذ قدّم الوزير في الحكومة الفيدرالية، زاهد حامد، مسودة القانون أمام مجلس الشيوخ، نيابة عن وزير الداخلية شودري نثار، لكن الجلسة شهدت احتجاجاً شديداً، ورفض المجلس القانون بغالبية أعضائه.

وكان نواز شريف قد سعى جاهداً لإقناع "حزب الشعب"، نظراً لتفوّق عدد ممثليه في مجلس الشيوخ، بدعم الحكومة في هذا الصدد. وكان اجتماع رئيس الوزراء مع الرئيس السابق آصف زرداري، في 16 من الشهر الحالي، مخصصاً لهذا الهدف، لكن محاولة شريف باءت بالفشل، بدليل أن أعضاء حزب الشعب رفضوا القانون في مجلس الشيوخ. غير أن مراقبين كثر لا يستبعدون موافقة حزب الشعب على القانون في نهاية المطاف، شرط إجراء بعض التعديلات، ولو الطفيفة عليه.

ويبقى أمام الحكومة الباكستانية خيار واحد، بحسب الدستور الباكستاني، وهو الدعوة لجلسة موحدة للبرلمان الاتحادي، بشقيه الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ. حينها، ستحصل الحكومة على الغالبية، وهو ما من شأنه تمكينها من المصادقة على القانون. لكن خطراً آخر يكمن في هذا الخيار، لأن معارضة هذا القانون لا تنحصر باحتجاج الأحزاب في مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية، ولا في إطار التنديد والإدانة، بل إن بعض الأحزاب  حذّرت، وفي مقدمتها "حركة الإنصاف" بزعامة عمران خان، وبعض الحقوقيين، من أنها ستتحدى القانون في المحكمة العليا. وهي عقبة كبيرة قد تحول دون المصادقة على القانون، حتى ولو وافق عليه البرلمان الاتحادي.

من هنا، فإن احتمال الموافقة على القانون، في صورته الحالية، ضعيف جداً، وهو ما يوضحه الخبير القانوني، عبد المنان، في حديث لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن "المحكمة العليا الباكستانية أثبتت، خلال الفترة الماضية، احترامها الكامل للدستور الباكستاني والقوانين الدولية. وقانون حماية باكستان يعارض في الكثير من مواده تلك القوانين. وإذا وصل إلى المحكمة، فإنها ستلغيه من دون شك، أو تأمر الحكومة بإجراء تعديلات عليه حتى لا يكون مناقضاً للدستور الباكستاني وللقوانين الدولية".

المساهمون