"فايسبوك".. لا تصدّق كل ما تراه

"فايسبوك".. لا تصدّق كل ما تراه

21 فبراير 2014
+ الخط -

كلنا أوجعته صورة الطفل السوري الراقد بين قبري والديه اللذين قتلتها يد البطش الظالمة، وكلنا امتلأ حنقاً على من روج لهذه الكذبة حين عرفنا أنها صورة تعبيرية من صناعة مصور سعودي.

وأغلبنا صدمته صورة الطفل السوري الذي فقد أهله في صحراء الأردن وعثر عليه موظفو الأمم المتحدة، حتى اكتشفنا أن الصورة مقطوعة من سياقها، وأن الطفل كان مع آخرين لكن الصورة تم قصها.

وشاهد أكثرنا عجائب المخلوقات وتابعنا غرائب الأخبار والشائعات التي تنتشر من وقت لآخر على صفحات "الفايسبوك" وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، وكان لها تأثير علينا سلباً أو إيجاباً.. حين ظنناها حقيقة، وحين تبيّن لنا كذبها.

قد تكون مواقع التواصل الاجتماعي وفرت وسيلة أكثر سهولة لنقل الأخبار وتيسير الوصول للمصادر مباشرة، أو تعتبرها بعض وسائل الإعلام كنزاً حقيقياً للمعلومات والأخبار.

وقد يعتبرها البعض أدوات قوية لتمكين الجماهير من التعبير عن نفسها والمشاركة في صناعة الخبر، وأصبحت أحد أشكال الصحافة الجديدة أو البديلة وأدخلتنا في مرحلة إعلام المواطن والمحتوى المصنوع بواسطة المستخدم، وساعدت على التخلص من احتكار وسائل الإعلام - التي غالباً ما يتحكم فيها ملّاكها - للمعلومات، فتنشر ما تريد وتحجب ما تريد.

لكنها في الوقت ذاته وضعتنا في مواجهة أزمة مجهولية المصدر، وما ينجم عن ذلك من مشكلات عديدة، فأصبحنا نعاني من الأخبار المغلوطة والمعلومات المختلقة والصور المفبركة، ولم يعد من المسلّم به أن الخبر إخبار عن حدث أو حقيقة، إذ نحن الآن إزاء أصناف مختلفة من الأخبار.. فهناك الخبر، والخبر الكاذب، والخبر الإشاعة، والخبر الذي يلقى كبالونة اختبار، وبدلا من ثبوتية مصادر الأخبار، أصبحت هناك مصادر مختلفة وأجهزة غير إعلامية مهمتها نشر الأخبار وإلقاؤها للجمهور الذي يتلقى كل شيء، ويتناقلها ويقوم بدور فاعل في نشرها.

"لا تقتلي أطفالك بكوب الحليب.. أدوية الكحة قبل الحليب أو بعده قاتلة" هذا عنوان قصة مؤثرة لأم قتلت أطفالها خطأ إذ أعطتهم دواء الكحة مع كأس من الحليب، ومعها تأكيد "لا تدع هذه المعلومة تقف عندك"، وبالفعل، استجاب الكثيرون لهذه النصيحة وتم تداول هذه المعلومة التي لا أصل لها ولا تمت للصحة بصلة وانتشرت على نطاق واسع.

وليس بعيداً عنا خبر الصخرة الفضائية التي يصل حجمها إلى ثلاثة أضعاف حجم ملعب الكرة 3 مرات، وأشيع أنها ستضرب الأرض الأسبوع الماضي، في حين صرحت أغلب الجهات العلمية ذات الصلة بأن الصخرة ستمر بعيداً عن الأرض بمسافة آمنة لكن سيمكن تصويرها.

تابعنا العثور على كائن حبار أسطوري الحجم على شواطئ كاليفورنيا، وسلحفاة برية أكبر من حجم قاطرة، ولقطة أكبر حصان في العالم الذي يمتطيه 10 أطفال، واحتراق المخرج الذي صنع فيلماً مسيئاً للرسول صلى الله عليه وسلم وتكتمت أميركا على خبره، ورأينا الصورة المركّبة لخنازير تأكل نسخاً من المصحف.

لم يقف الكذب والتلفيق عند مجال بعينه، فالاختلاق طال كل شيء من الصحة والدين والسياسة والحياة الشخصية لرموز، ولم تفلت منه أكثر الأمور قداسة ومأساوية، فحتى الأزمات الإنسانية كان لها حظ وافر.

وجد البعض الاختلاق وسيلة جيدة لمساندة القضايا التي يؤمن بها وللترويج للقناعات التي يتبناها، فرأينا العديد من الصور المختلقة أو معادة التركيب عن معاناة مسلمي بورما، والإساءة للمصحف، وغير ذلك الكثير، واعتبروا أن حماستهم لتلك القضايا العادلة الحقيقية مبرر مقبول لديهم لنشر معلومات غير دقيقة أو صور مفبركة من أجل تأكيد ما يريدون إقناع الناس به، غافلين عن التأثير العكسي الذي يحدث لدى الناس عند اكتشاف الحقيقة، فما يفعلونه لا يسمى إلا "كذبا".. وإن كان يتجمل، والنية الحسنة لا تكفي دائماً.

وأصبحت الشائعات التي يتم طرحها على مواقع التواصل الاجتماعي مادة خصبة يصار إلى تغذيتها يومياً في أوقات الأزمات السياسية التي مرت ببعض بلدان المنطقة وعند تنازع الخصوم، وعزز من ذلك أنها وجدت طريقاً ميسراً تجاوز إلى جمهور الشارع من غير المستخدمين للإنترنت، حتى أصبح الكثيرون ينتظرون "إشاعة اليوم"، فأصبح لها روادها وصانعوها المحترفون، واستُحدثت لجان عرفت لاحقاً بـ"اللجان الإلكترونية" التي تستعين بها الأنظمة والأجهزة المختلفة في الترويج لنفسها أو لضرب خصومها، وحولت الأدوات الإعلامية من أدوات لصناعة الوعي إلى أدوات صناعة الوهم، وأمعنت في استخدامها لتزييف الرأي العام.

وحتى لا تكون شريكاً في هذه الجريمة عليك أن تنتبه وتتثبت قبل أن تقوم بإعادة نشر شيء صادفته على الإنترنت، ولا تكون من الذين أصيبوا بمرض "الشير اللإرادي" لكل ما يجدونه.

دلالات

المساهمون