"عبد الفتاح" للأرقام القياسية

"عبد الفتاح" للأرقام القياسية

14 يونيو 2020
+ الخط -
في الوقت الذي نجحت فيه أنظمة عربية مثيرة في مواجهة فيروس كورونا، وعلى رأسها المغرب الذي بات مثالاً يحتذى به إقليمياً ودولياً، فشلت أنظمة أخرى في الامتحان الأصعب؛ ولكن فشلها في كفة وفشل النظام المصري في كفة أخرى.

أورد موقع "العربي الجديد" منذ مدة خبراً عن تراجع الرئاسة المصرية عما قد وعدت به من قبل، أي تطبيق الحجر الصحي؛ بعد تواصل مقربين من الرئيس مع بعض مديري الشركات والمصانع العاملة والذين ألحوا على عدم تطبيق الحجر لم فيه من مضار اقتصادية، ويتأتى هذا التخوف إلى جانب ما يعيشه المصريون من فواجع يومية بسبب الفيروس الجديد؛ الذي بدأ يحصد الأطباء والممرضين قبل المواطنين العاديين، وهو الأمر الذي تداولته وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وكانت هيئات طبية مصرية قد تحدثت عن النقص الحاد في الوسائل الطبية ومستلزمات مواجهة الفيروس، وجاءت هذه التصريحات على شكل استغاثات بل وشكاوى ترفع لمن يهمه الأمر، خاصة أن النقص يتزامن وإرسال الحكومة المصرية مساعدات طبية إلى دول هي في غنى عنها أو على الأقل دول أقوى منها من كل الجوانب، كالصين وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية؛ ولما احتج الأطباء سخّر النظام أبواقه للنيل منهم والانتقاص من قيمهم وتحذير الناس من كونهم والعياذ بالله "إخواناً"، وتحول الطبيب من باحث عن العلاج إلى باحث عن الفتنة بقدرة قادر.

رسوب ليس الأول ولن يكون الأخير لنظام غير شرعي جاء فوق الدبابات وأيدته القوى العظمى نظراً لمصالحها المتمثلة في بيع الأسلحة، وإغراق الدول في الديون، وطبعاً في إضعاف مصر أكثر فأكثر، فمن المعروف أن بقاء مصر دولة قوية إقليمياً - على الأقل - يُهدد أمن الكيان الصهيوني، ويعيق تحركاته في المنطقة؛ بل وبقاء سيناء وقناة السويس في يده يهدد حلم الأجداد - وليس على المصري أن يفاجأ إذا ما خسر سيناء وقناة السويس - ولهذا دأب النظام الأميركي على تشجيع الأنظمة المصرية التي تحافظ على حدود الكيان آمنة، وحين اختار المصريون حاكمهم - مع اختلافنا معه - جن جنون البيت الأبيض، وتكالبت القوى المستبدة على ملحمة 25 من يناير، وأسقطت رغبتهم وجاءتهم برئيس آخر، وذلك لكونهم لم ينضجوا بعد - النظرة الغربية - واختيارهم لمرسي على الرغم من كونه اختياراً ديمقراطياً، إلا أنه غير صالح، فالديمقراطية هي ما يراه الغرب لا ما تراه الشعوب!


قلنا إن الرسوب ليس الأول ولا الأخير، فقد رسب النظام في كل امتحان وضع فيه، ومثله في ذلك مثل الطالب الغشاش الذي ظل ينجح طيلة حياته بالغش؛ فلما وصل إلى الامتحان المصيري المحروس؛ الذي لا يسمح فيه بالغش رسب، هكذا هذا النظام، وصل بأن غَش المصريين وتكالب على أصواتهم ونجح في زعزعة ثقتهم بأنفسهم ومرغ كرامة مصر بالأرض، فما عادت لها مهابة بين القوم، وتجرأ عليها أصغر الخلق وأدناهم، فكان هذا رسوبه الأول "القضاء على شخصية مصر"، وذاك في وقت وجيز جداً، بعد أن قضى المصريون تاريخهم وهم يبنون مجدهم، وسميت مصر "أم الدنيا"، وهي تسمية صحيحة إلى أبعد الحدود، وخاصة إذا ما تعلق الأمر بالدنيا المسلمة، فمصر قلب العالم الإسلامي وما أصابه سيضرها لزاماً، فلهذا يكيدون لها.

وأما رسوبه الثاني فكان الحفاظ على أراضي مصر التي استشهد فداءً لها خلق كثير وسالت دماء المصريين من أجلها أودية على قدرها، فقدم جزيرتين للسعودية، وهو مستعد لتسليم سيناء للكيان ومن دون مقابل حتى، وقد أشار السفير الإسرائيلي السابق إسحاق ليفانون في مقال له بصحيفة "إسرائيل اليوم"، والذي قدر فيه مجهودات الرئاسة المصرية ووضح عملها من أجل أمن الكيان قائلاً: "الذي يضع احتياجات الأمن الإسرائيلية في مركز خططه السياسية والاستراتيجية".

ولأن الفاشل يحب الرسوب كما يحب الناجح النجاح، فإن النظام المصري أصر على أن يدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية، وفعل ذلك بتقديمه نهر النيل ومياهه على طبق من ذهب للإثيوبيين بعد أن طمأنهم وجبر بخاطرهم ووقع معهم "إعلان المبادئ" 2015؛ وأعطاهم بالتالي بموافقة مصر الضمنية على السد، مقابل الشرعية الدولية وبعض ميغاوات الكهرباء، وظنا منه أن العالم الأوروبي سيرضى عنه (شركات إيطالية وألمانية مساهمة في السد بالإضافة إلى البنك الدولي). بذلك فضّل نظامه ومستقبل أبنائه؛ على مستقبل مصر وأمنها، وهذا ليس بغريب عن الأنظمة المستبدة، ففي جانب نرى الدول تقاتل من أجل حدودها نجد النظام المصري وكأنه فتح جمعية خيرية، إذ يقدم قطع الأرض وآبار الغاز للكل؛ ويرخص دماء المصريين لقاء الدعم المادي (الجيش المصري على حدود ليبيا مع أن الأولى به حماية مصر والمصريين لا حفتر)، كأن مصر مال أبيه ينفق منه كيف يشاء.

إن الأنظمة السياسة تعامل شعوبها بحسب طريقة وصولها إلى السلطة، فإن كان الوصول بطريقة شرعية كالخلافة (الملوك) أو الانتخابات الديمقراطية، عاملت شعوبها برقة ولطف وسعت في مصلحتهم ما استطاعت، وأرضتهم إلى حد كبير كونها تحفظ بيعتهم المباركة وأصواتهم الانتخابية، ولكنها إذا جاءت رغما عنهم عاملتهم معاملة سيئة وذلتهم وأهانتهم، وهذا فعل المستبدين على مر التاريخ..

انظر إلى محمد علي في مصر ماذا فعل، أذل المصريين وحقرهم حتى فقد المصري شجاعته وعزته وجبروته، مع أن محمد علي كان قاب قوسين أو أدنى من بناء دولة عربية قوية، فلما دخل اﻹنكليز وجدوا الشعب قد ثبطت عزيمته فسهل عليهم الاستعمار، وهو الذي صعب من قبل، وفر الأجنبي عائداً أدرجاه؛ ولو مع حكم الممالك الذين على فسادهم حافظوا نوعاً ما على الشخصية المصرية وبها طردوا نابليون وجيوشه شر طردة.