"شفان"... في أغنية مدهشة عن الزوجة

"شفان"... في أغنية مدهشة عن الزوجة

08 مايو 2020
+ الخط -
من النادر أن نسمع أغنية عن الزوجة بهذه العذوبة، لذلك قلت أغنية مدهشة. أغنية "خانمامن" الكرديَّة تهزُّ كياننا وتثير مشاعرنا وتغيرنا. أغنية تستولي على قلوبنا وذاكرتنا وروحنا، تعبّر عمَّا شعرنا به دائماً ولم نستطع التعبير عنه. أغنية تغمرنا بنشيد الحياة، حياتنا. وتفتح ألف شارع لروائح الليمون فينا. هي ألف أغنية في أغنية. تسمعها كلَّ مرة كأنك تسمعها أول مرة.

وتسأل ما هذا الرابط الذي جمع بين الزوج والزوجة؟ ما هذا السحر المقدس؟ هل هي علاقة جسدية مشبوبة بالحب المتوقد؟ أم هي علاقة تماثل، تتماهى بالسكينة والمودة والرحمة، يتآلفان، يلوذ بها وتلوذ به من وحشة الطريق، وقلَّة الزاد، وبعد السفر.

 

يأتينا صوت المغني الأشهر في كردستان دافئاً شجياً حنوناً قوياً صافياً يكسر بلَّور الروح فينا، فيتركنا في حيرة من أمرنا. هل يتلفَّت القلب من شغف وهيام ومودة؟ أم يا ترى من وجع الغياب وحزن السنين وسيل الدموع الجارفة وتلك الدروب الطريَّة الحافية؟ ثمَّ في نهاية الشوط والشوق يقتلنا.

يخاطب المغني الزوجة في صوت يطال قمم الجبال وينداح عبر الأودية التي تغيب في غبش الفجر القادم، فتُرجِّع تلك الأودية الصدى ألماً موجعاً يكاد القلب ينفطر: "زوجتي، سيدة بيتي وكنزه، عزيزتي، أغاضبة مني اليوم؟ ماذا حدث مجدداً؟ عزيزتي تعالي إليَّ، يا نور عيني، أعلم أن "مُضناكِ جفاهُ مَرْقَدُه" أتألم أنا أيضاً كما تتألم أمنا كردستان".

ها أنت يا شفان من ألف زنبقة حاولت أن تجد إيقاع أغنية للوداع الجميل، ورحت تبحث عمَّا غاب من قمرك، دع عنك حزنك، ليس المكان مكاناً حين تُنشده، أكلَّما حطَّ على حجر طائر الحجل يبحث القلب عن حواء ترشده. ويا شفان هل ضاقت بك الحيل، وغصَّ القلبُ من وجع، وضاقت السبل، وطار من صدرك رفّ الحمام فرحت تصرخ: "زوجتي، سيدة بيتي وكنزه، سيدة بيتي وزخرفه الجميل". وعلى فكرة، أنت قدمت لحن أغنية رائعاً أيها المغني النبيل.

ويصدح صوت المغني من جديد معلناً الانتصار الكبير لحق الزوجة في العيش الكريم في بيت كريم في وطن كريم. يريد أن يُعطيها الأمل في كسب الحرية كي تستطيع إطلاق يديها في بناء ذاتها أولاً ومن ثمَّ تستطيع المساهمة في بناء الأوطان. فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل في بلاد ضاقت دروب شعابها وتغيرت في الصبح مسالك أهلها. وتجد نفسك منساقاً إلى هذا الألق الغامر والعذوبة الفاتنة فتُتابع المغني في حكايته الموجعة عبر نسيج مخملي من الأنغام المستقاة من وقع حفيف أوراق نهاية الخريف الذي يلملم أوراق أشجاره ويرحل مع موسم الرياح في تلك الشعاب القصية في كردستان: "سيدة بيتي وزخرفه الجميل، أنت كنزي، عزيزتي، حبيبتي، تريدين أن تكوني حرة، اتركي الزوج والأطفال أيضاً، وعيشي، لديك كل الحق يا عزيزتي، شفان أيضاً يتنهد مثلك ويتألم".

 

دلالات

عبد الرزاق دحنون
عبد الرزاق دحنون
كاتب سوري.. بدأ الكتابة عام 1980 في مجلة الهدف التي أسسها غسان كنفاني.