"سانتانا": انتقامٌ سينمائيّ باهت

"سانتانا": انتقامٌ سينمائيّ باهت

02 سبتمبر 2020
الثنائي الشرير في "سانتانا": لا جديد (الموقع الإلكتروني للفيلم)
+ الخط -

رغبةٌ جامحة في الانتقام من قتلة والديه، تدفعه إلى مطاردة لن تخلو من عنفٍ وتجاوزٍ لقانون، يُفترض به أنْ يلتزمه لكونه محقّقاً في الوحدة الجنائية. الرغبة تزداد قوّة وغلياناً فيه، بحلول ذكرى ولادته، فيوم ولادته هو اليوم نفسه الذي يُقتَل فيه والداه. شقيقُه عاجزٌ عن تهدئته. للشقيق هذا، الشاهد على ولادة شقيقه ووفاة والدته في اللحظة نفسها، رتبةٌ عسكرية، قبل تسليمه قيادة الوحدة الجنائية لتنفيذ مهمّتين، تكاد كل واحدة منهما تتساوى مع الأخرى أهمية: إلقاء القبض على زعماء أخطر عصابة في تجارة المخدّرات في أنغولا ومحيطها الجغرافي الأفريقي، وصولاً إلى جنوب أفريقيا؛ ومراقبة شقيقه بهدف كبح جماحه، والتخفيف من انفعالاته المتناقضة مع وظيفته، ومحاولة السيطرة عليه، ومنعه من الاستمرار في تناول الكحول إلى درجة السُكْر، فالتغيّب عن الوظيفة.

"سانتانا" (2020)، لمارادونا دياس دوس سانتوس وكريس رولاند، كاتبي السيناريو والقصّة أيضاً (تعرضه "نتفليكس" منذ 28 أغسطس/ آب 2020)، يروي حكاية دياز سانتانا (باولو أميركانو)، المحقّق الجنائي، وشقيقه الضابط ماتياس (راول روزاريو)، اليتيمين جرّاء مقتل والديهما في يوم واحد، قبل 35 عاماً (يوم 14 إبريل/ نيسان) في إحدى المدن الأنغولية. جريمة القتل تلك حاصلةٌ بسبب نزاع خطر بين الوالد وعصابة سيتولّى أمر قيادتها لاحقاً أحد أعضائها، المدعو ماكيمبا فيرّييرا (رابولانا سايفيمو)، ذي الوجه المشطوب بندبة، يُسبِّبها له ماتياس عند اعتداء الأول عليه وعلى والدته في منزلهما، لحظة الجريمة المزدوجة.

الاختلاف واضحٌ بين الشقيقين: العسكري منضبط وصارم ومتماسك، والمحقِّق عصبيّ وغاضب ومخمور. الرغبة في الانتقام لدى المحقِّق دياز أحَدّ وأقوى من تلك الموجودة في ذات ماتياس، فالظروف التي يعيشها كلّ واحد منهما مختلفة تماماً عن التي يعيشها الآخر، إلى حدّ التناقض. ولادة المحقِّق لحظة وفاة والدته عبء طويل الأمد في ذاتِ مولود يعيش بعيداً عن شقيقه، ومن دون والديه. للضابط سيرة طفولية وشبابية أهدأ وأرحم وأسلس وأكثر طمأنينة. اختلافٌ يؤجّج نزاعاً خفياً بينهما (من جهة دياز تحديداً)، قبل انفجاره عنفاً كلامياً وجسدياً بينهما، قبيل وقتٍ قليل على بدء تنفيذ عملية الانتقام، خارج قوانين الشرطة والسياسة والعلاقات الدولية والمصالح المختلفة.

 

 

في المرويات السابقة على لحظة بدء تنفيذ العملية تلك، هناك محطات تكشف شيئاً من ماضي الرجلين وحاضرهما وعملهما وبيئتهما المهنيّة والاجتماعية. المرأة تحضر كعشيقة أو حبيبة أو عابرة، أو كممثلة لشركات أسلحة تعمل في دول كثيرة. بعض الجنس مطلوب، كما بعض السهرات والضحكات المتناثرة سريعاً في مناخٍ قاتمٍ يظلِّل دياز وارتباطاته. هذا جزءٌ من فيلم تشويق عاديّ للغاية، يذهب بأحداثه إلى دول أفريقية، ويضع بين شخصيات الصفّ الثاني (المهمّة أيضاً في التركيبة الحكائية المتواضعة) رجل أعمال أوروبيّ، يُدعى كالوم ماك كاي (ديفيد أوهارا)، يسيطر على تجارة المخدّرات في تلك البقعة الجغرافية الشاسعة، وله ملمح "استعماريّ"، ويُحبّ عائلته وأمّه كثيراً، وغير متردّد عن إصدار أوامر قتل بلغة واضحة.

تفاصيل الذات الممزّقة والعلاقات والمهنة لن تعثر على ترجمة درامية متينة الصُنعة، فالتسطيح دائم ومُملٌّ غالباً، رغم أنّ التصوير (مدير التصوير تريفور براون يترأس فريق عمل من 7 مُصوّرين آخرين) مهنيّ للغاية، لعلّه أفضل ما في "سانتانا" (106 دقائق). كلّ شيء باهت ومتوقّع وعادي، فلا مضمون درامياً مُشبعاً بجوانب يُفترض بها أنْ تُشكِّل تتمّة لشخصية أو حدثٍ أو علاقة، بدلاً من ترك هذا كلّه معلّقاً في سياق سرديّ بسيط؛ ولا إقناع في مَشَاهد عدّة، اشتغالاً ومضموناً ومعالجة، ما يجعلها باهتة ومفبركة ومتصنّعة وخاطئة.

أما المُثير للسخرية، فأمران اثنان: إدخال السحر الأسود على حكاية واقعية للغاية، ما يقطع الفصل المرتبط بها عن النصّ السرديّ كلّه، مع أنّ تصوير تأثيراته على دياز في لاوعيه حِرفيّ جداً؛ وإقحام إسرائيل بجملة صغيرة لا مُبرِّر لها ولا حاجة إليها ولا فائدة منها. فأثناء توزيع الأسلحة الواصلة إلى فريق دياز وماتياس (معهما 3 أشخاص آخرين فقط)، يُذكر أنّ إحدى البنادق الهجومية من نوع "آر 5" عيار "5.56"، وإنّ الشرطة تستخدمها عادة لأنّها فعّالة للغاية، وتُشبه بندقية "جليل" الإسرائيلية. ربما يُفهم سبب إدخال السحر الأسود في السياق الحكائيّ، لارتباط مجتمعات أفريقية بهذا النوع من السحر في الحياة اليومية لكثيرين، إلا أنّ إقحام إسرائيل بهذه الطريقة الساذجة لا معنى له إطلاقاً.

انتصار الخير على الشرّ نتيجة متوقّعة وضرورية، وبعض الشرّ متمثّل بخيانة سيليا (نايدا فييرا) للشقيقين، بعد عملها الطويل على اقتحام عالمهما وخلق ثقة لهما بها. لكنْ، هناك ما يشي بخلاف ذلك: ختام الفيلم تمنح نهاية معلّقة، إذْ يلتقي دياز متشرّداً في الشارع فيحاول مساعدته، قبل ورود اتصال هاتفي يقول له إنّه (دياز) قاتل شقيقه ماكيمبا فيرّييرا. عندها، يكشف المتشرّد عن هويته الحقيقية: إنّه موفدٌ للمتصل بنية قتل دياز. رجلان يتواجه أحدهما مع الآخر من دون إطلاق أي رصاصة، فالقطع النهائيّ للفيلم يُعلِّق الخاتمة عند هذه اللقطة.

أيكون هناك جزءٌ ثانٍ من "سانتانا"؟

المساهمون