إلّا أن ابتزاز المجتمع الدولي بواسطة اللاجئين، والجهود العسكرية والأمنية لوقف الهجرة غير النظامية، وترويج صورة مصر كحاجز عازل لتدفق الهجرة إلى دول شمال البحر المتوسط، يأخذ هذه الأيام منحى جديداً، بمطالبة مصر رسمياً للأمم المتحدة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بزيادة مخصصاتها المالية، تحت وصف "المساهمة في تحمل أعباء إقامة اللاجئين من مختلف الجنسيات في مصر".
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري طلب ذلك رسمياً، أمس الأول، من المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، خلال لقاء جمعهما في جنيف، إذ قال شكري إن مصر تستضيف "ملايين اللاجئين"، رغم أن الأعداد المسجلة لدى المفوضية السامية لا تتعدى عشرات الآلاف، وأن مصر تعمد إلى "دمج اللاجئين في المجتمع ومشاركتهم المواطنين المصريين في مختلف الخدمات العامة التي توفرها الدولة، لا سيما بقطاعي التعليم والصحة، رغم ما يرتبه ذلك من أعباء اقتصادية على الموازنة العامة للدولة".
وتقول بيانات إحصائية منشورة على موقع المفوضية السامية، إن مصر تستضيف نحو 219 ألف لاجئ فقط، منهم 127 ألف مواطن سوري، وعشرات الآلاف من جنسيات سودانية وإثيوبية وإريترية وجنوب سودانية، وبضعة آلاف من العراق والصومال واليمن، ونحو ألف من جنسيات أخرى.
ووفقاً للبيانات الإحصائية، فإن المفوضية خصصت العام الماضي 2017 نحو 72 مليون دولار لرعاية هذا العدد من اللاجئين، تم تخصيص نحو 55 مليون دولار منها للرعاية الصحية والتعليم. وتقدّر المفوضية احتياجات مصر للعام الحالي 2018 بمبلغ 74.5 مليون دولار، تم تأمين نسبة 7 في المائة منها فقط بواسطة مساعدات إيطالية وهولندية وكندية ومن الاتحاد الأوروبي.
وبناء على هذه البيانات، فإن مصر تعتبر من أقل دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استضافة للاجئين الذين تعنى الأمم المتحدة برعايتهم، خلف تركيا (أكثر من 3 ملايين)، والسودان (أكثر من مليونين)، ولبنان (أكثر من مليون)، والأردن (700 ألف تقريباً)، وليبيا (أكثر من نصف مليون لاجئ)، وهو الأمر الذي لا يرضي الدولة المصرية التي ترغب في مزيد من المساعدات بدعوى رعاية الأجانب المقيمين فيها والمندمجين في المجتمع المصري منذ سنوات.
ويقول مصدر دبلوماسي غربي بالقاهرة إن الخلاف حول توصيف "اللاجئ" بين مصر والأمم المتحدة هو سبب هذه المشكلة، فمصر بالفعل تحتضن ملايين الأجانب الذين يتخذونها كمعبر وسيط لتسهيل الانتقال لأوروبا أو أميركا أو أستراليا، أو الذين يتخذونها كوجهة نهائية للاستقرار ويرتبطون فيها بالمواطنات أو المواطنين المصريين ويشرعون في بناء عائلات منفصلة عن بلدانهم الأصلية، وهي ظاهرة منتشرة خاصة مع المهاجرين العرب إلى مصر، سواء من فلسطين أو سورية أو العراق.
ويضيف المصدر أن مفوضية شؤون اللاجئين، عبر مكتبها بمصر، تتبع معايير محددة لاعتماد صفة "اللاجئ" على الأشخاص محل الرعاية، ولذلك فهي لا تعترف بالسوريين أو العراقيين أو حتى السودانيين واليمنيين والليبيين الذين هاجروا لمصر منذ سنوات أو بالتزامن مع الأزمات التي مرت بها بلدانهم، واستطاعوا نقل أموالهم لمصر وممارسة أنشطة تجارية قابلة للربح بها، كلاجئين مستحقين للرعاية، الأمر الذي كانت لا تعارضه مصر سابقاً في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، لكن السيسي يرغب في استثماره مالياً.
وفي السياق نفسه، يكشف مصدر دبلوماسي مصري في ديوان الخارجية أن شكري، باعتباره رئيساً للجنة الوطنية لرعاية اللاجئين، وجه بإجراء إحصاء مسحي شامل للعرب والأفارقة المتواجدين في مصر، سواء كانت لهم أنشطة مهنية أو عاطلين من العمل، طالما كانت بحوزتهم رخصة إقامة بمصر يحصلون بواسطتها على خدمات تعليمية أو صحية أو مرفقية وكذلك الخدمات المدنية والمساعدات القانونية الحكومية، وذلك لإرسالها بشكل دوري إلى مفوضية شؤون اللاجئين.
ويوضح المصدر أن مصر باتت تعارض بشكل واضح المعايير التي يتم على أساسها تحديد وضعية اللاجئ، باعتبارها انتقائية وغير واقعية، خصوصاً أن النظام الحاكم يسعى للحصول على مزيد من القروض والتعاقدات على برامج تنموية بدعوى رعاية وتشغيل اللاجئين الأكثر فقراً.
ويشير المصدر المصري إلى أن تركيز النظام على هذا الملف تجاوز الأهمية السياسية إلى الأبعاد الاقتصادية والمالية، بعدما فشلت نداءات السيسي المتكررة لدول أوروبا لمساعدة مصر مالياً وفنياً لتشغيل الشباب المحليين واللاجئين كجزء من رؤيته التي تحدث عنها مراراً "لمكافحة الإرهاب". ونجحت هذه النداءات في تقوية دعائم النظام وصورته الدولية على الصعيد السياسي، وساعدته في إبرام اتفاقيات مساعدة أمنية وعسكرية، لكنها لم تجتذب المساعدات المالية في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية بصفة عامة، والتهديدات المنذرة باستمرار تعليق أو تقليص المساعدات الأميركية السنوية.