"حماس" ومصر: من محاولة الاستيعاب إلى التفاهم فالقطيعة

"حماس" ومصر: من محاولة الاستيعاب إلى التفاهم فالقطيعة

07 ابريل 2014
مسيرة في غزة تعترض على حظر"حماس"(محمد عبد، فرانس برس،Getty)
+ الخط -

 

 

مرّت العلاقة بين حركة المقاومة الإسلامية، "حماس"، وحكومتها، التي تسيطر على قطاع غزة، من جهة، والسلطات المصرية، من جهة ثانية، بمراحل متعددة. وكانت محاولة الاستيعاب و"الترويض"، التي قادها نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، أولى تلك المراحل. أما المرحلة الثانية، فيمكن إدراجها في خانة "الانفتاح الحذر"، وذلك في عهد الرئيس المعزول، محمد مرسي، أما المرحلة الأخيرة والحالية فهي أقرب إلى القطيعة.

وعلى الرغم من انحياز نظام مبارك إلى السلطة الفلسطينية وحركة "فتح"، إلا أنه كان يحافظ على خيط رفيع مع "حماس". ويغض الطرف عن الأنفاق التي حفرها الفلسطينيون أسفل الحدود المصرية ــ الفلسطينية. وكانت هذه الأنفاق تمد غزة لسنوات باحتياجاتها الإنسانية، قبل أن يغلقها الجيش المصري عقب انقلاب الثالث من يوليو/تموز الماضي.

أما في عهد مرسي، فقد فتحت، للمرة الأولى، أبواب القصر الرئاسي لـ"حماس"، وجرت ترتيبات جديدة في معبر رفح، مكّنت آلاف الفلسطينيين من اجتيازه بسهولة مقارنة مع المرحلة السابقة. وسمحت القاهرة، في ذلك الوقت، بمرور قوافل الإغاثة الإنسانية لغزة.

اختلفت الأوضاع عن العهدين السابقين تماماً، مع الانقلاب العسكري، إذ شرع الجيش المصري في إغلاق وردم وتفجير الأنفاق. وأغلقت مصر معبر رفح لأيام طويلة دون تبريرات، وعملت الماكنة الإعلامية، الخاصة والرسمية، على شيطنة "حماس" وسكان غزة.

اللافت، أن العلاقة بين "حماس" ومصر في العهود الثلاثة، ظلت مقتصرة على القناة الأمنية، بقيادة جهاز الاستخبارات العامة، ولم يكن هناك أي اتصال سياسي مع "حماس" وحكومتها في القطاع، إلا بشكل محدود في عهد الرئيس مرسي.

يقول القيادي البارز في الحركة الفلسطينية، صلاح البردويل، إن العلاقة مع مصر أساسية ومهمة، معتبراً أن العلاقة، بشكلها الحالي، هي الأسوأ على الإطلاق. ويضيف: "وهي أسوأ من تلك التي كانت في عهد مبارك"، على حد قوله.

وأكد البردويل، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن مبارك، رائد التسوية وعرّابها، لم يعترف ونظامه بفوز "حماس" في الانتخابات التشريعية، وحصولها على 63 في المائة من أصوات الشعب الفلسطيني. لكنه أوضح أنه "كان حريصاً على أن لا يقطع العلاقة نهائياً مع (حماس)، رغم التوترات الكثيرة بين الطرفين".

وأشار البردويل إلى أنه "بعد الثورة وانتخاب مرسي، ارتكز الرئيس الجديد على رغبات شعبه. وسهّل عملية سفر الغزيين عبر معبر رفح". ووفقاً للبردويل "ساهم مرسي في تسهيل دخول قوافل الإغاثة إلى القطاع، وكانت المواقف السياسية، التي عبر عنها تتلاحم مع الموقف الشعبي المصري من القضية الفلسطينية".

غير أن مرسي لم يُعط الفرصة للاعتراف بالحكومة في غزة، على الرغم من أنها مُقرة من المجلس التشريعي، كما أكد البردويل. وأشار إلى أنهم كانوا يشعرون بمدى تعقيد الأمور وكثرة المتربصين بالرئيس الإخواني.

واعتبر القيادي الحمساوي أن مرحلة ما بعد مرسي هي الأسوأ على الإطلاق لناحية علاقة حركته مع مصر، إذ أصبح الإعلام المصري يوجه سهامه يومياً إلى غزة وأهلها، ويتهمهم جزافاً بارتكاب عمليات قتل في سيناء وغيرها، دون تقديم أي دليل.

واعتبر البردويل أن النظام المصري الجديد، كشّر عن أنيابه من خلال إغلاق معبر رفح والأنفاق، ومنع قوافل المساعدات، فضلاً عن تكثيفه حملات التشويه والتحريض، وتسييس القضاء ضد الفلسطينيين. ولفت إلى أن ذلك ربما يكون ردَّ جميل ٍ منه للأطراف التي ساعدته في الوصول إلى السلطة.

من جهته، ذكر مدير مركز أبحاث المستقبل، إبراهيم المدهون، أنه بعيد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، وتنامي دور حركة "حماس"، تطورت العلاقات بين جهاز الاستخبارات المصرية والحركة. وترجم ذلك بلقاءات دوريّة بين مسؤولين من الطرفين، فضلاً عن رعاية الاستخبارات لاتفاق القاهرة 2005، الذي أسفر عن ترتيب البيت الفلسطيني، وإجراء الانتخابات المحلية والتشريعية بمشاركة "حماس" لأول مرة.

غير أن النظام نفسه، كما يرى المدهون في حديثه مع "العربي الجديد"، قابل فوز "حماس" في الانتخابات بفتور شديد. ولفت إلى أنه بعيد سيطرة الحركة الإسلامية على القطاع، شارك نظام مبارك بمحاصرة غزة. وفرض عزلة سياسية على الحركة، من خلال الاعتراف بحكومة سلام فياض، والانحياز إلى رؤية الرئيس الفلسطيني، محمود عباس.

وذكر المدهون أن رئيس جهاز الاستخبارات المصري السابق، عمر سليمان، مارس ضغطاً مباشراً على قيادة الحركة، إبان حرب غزة الأولى نهاية عام 2008، وطالبهم بالتخلي عن السلطة وتسليم الجندي المأسور، جلعاد شاليط. كما حاول إجبارهم على توقيع اتفاق تهدئة مُذلّ ٍ، إلا أن الحركة رفضت، وسجلت صموداً أدى إلى خلخلة الحصار بعد ذلك.

بدوره، أوضح الكاتب والمحلل السياسي، ثابت العمور، أنه خلال مرحلة ما بعد ثورة يناير/كانون الثاني، وفوز الرئيس، محمد مرسي، شهدت العلاقة بين مصر و"حماس" تحولاً غير مسبوق، وتمت ترجمة ذلك، بروتوكولياً، عندما حظيت الحركة الفلسطينية بترحيب واستقبال رسمي في قصر الرئاسة.

وأضاف العمور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذا التحول في العلاقة، ترتب عليه كثير من التداعيات لاحقاً، لأن "حماس" ألقت بكل ثقلها على العلاقة مع مصر.

وأوضح العمور أن المرحلة الثالثة، عقب عزل مرسي، شهدت تردياً في العلاقة إلى مستوى غير مسبوق، ويبدو أن "حماس" تحملت فاتورة اقترابها من جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، على الرغم من أن ذلك أمر طبيعي ومفهوم، بحسب المحلل الفلسطيني.

وأشار العمور إلى أن حالة العداء للإخوان وخروجهم من المشهد قسراً، ترتب عليه امتداد تبعات الخلاف على حركة "حماس"، علماً بأن العلاقة لم تنقطع فقط أو تردت بل تدهورت جداً. وباتت "حماس" محل اتهامات سياسية وإعلامية وقضائية.

ونبه العمور إلى أن العداء والتدهور في العلاقة لم يكن على الصعيد الرسمي فحسب، بل تحول ليصبح شعبياً وجماهيرياً بعد دخول الإعلام على الخط السياسي، وتبنـّيه حالة العداء للحركة من خلال التحريض عليها.

 

المساهمون