"حضور أفريقي".. ذلك الغياب المستعاد

"حضور أفريقي".. ذلك الغياب المستعاد

23 اغسطس 2014
مؤسس المجلة أليون ديوب (1910-1980)
+ الخط -

يقام في الرباط حالياً معرض وثائقي ـ فنّي يسلط الضوء على مراحل تأسيس وتطور إحدى أهم المجلات الأدبية والثقافية في القارة السمراء خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، "حضور أفريقي" (Présence Africaine) التي أسّسها في باريس المثقف السنغالي العضوي، بالمعنى الغرامشي للكلمة، أليون ديوب عام 1947.

ويتضمن المعرض (تنظمه "دار الفنون" بالتعاون مع "المركز الثقافي الفرنسي") إلى جانب المادة الوثائقية التي يقترحها على زائريه على شكل سيَر ذاتية مختصرة أو مقاطع تاريخية أو ريبورتاجات مصوّرة؛ أعمالاً لثلاثة فنانين تشكيليين مغاربة هم: عبد الله بلوراق، محمد الهايم وسعيد الراجي، ضمن محاولة لتمثيل ذلك الحضور القوي للأدب والفن الزنجيين عند بداية النصف الثاني من القرن العشرين، خصوصاً مع مجلة "حضور أفريقي" الرائدة التي اعتبرت مرجعاً تاريخياً في مجال النشر، كما شكلت سنداً قوياً ومنعطفاً حاسماً للجيل الأول من المثقفين والفنانين الأفارقة.

وحول هذه المغامرة الإعلامية "الزنجية"، يتبيّن لنا في المعرض أن نواتها الأساسية تألفت من مثقفين أفارقة هم، بالإضافة إلى العقل المدبر أليون ديوب، برنار داديي ومامادو ديا وعبدو لاي سادجي، وأن هدفها تركّز على نشر الدراسات التي تهتم بالشأن الأفريقي، في شقها الموصول بالثقافة والحضارة الزنجيتين، وإلقاء الضوء على الإبداع داخل القارة السمراء وإبراز خصوصية فنها التشكيلي.

حضورٌ بدأ مقروناً بنوع من الخصوصية والمحلية الأفريقيتين، وسرعان ما أثار شهية وفضول عدد من المثقفين والباحثين الغربيين وغير الغربيين، في مجال الإثنوغرافيا أو الأنثروبولوجيا، أمثال مارسيل غريول وجورج بالانديي وتيودور مونو وميشال ليريس وبول ريفيه، أو في مجال الأدب الفكر الفلسفي، أمثال إيمي سيزير وليوبولد سيدار سنغور وجان بول سارتر وأندريه جيد وألبير كامو، إلى جانب بعض أصحاب الغاليريات أو نقاد الفن، مثل شارل باتون وويليام فاغ.

وبفضل انخراط هذه النخبة من المثقفين والفنانين والكتّاب في الأفق الزنجي الأفريقي الجديد، اعتُبر الاحتفاء بصدور العدد الأول من مجلة "حضور أفريقي" بمثابة أول بيان يصدر ضد الظاهرة الاستعمارية ويدعو إلى مناهضة العنصرية، خاصة في مرحلة دقيقة وحساسة هي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. أكثر من ذلك، اعتبر ديوب، في إحدى إشاراته الحاسمة عام 1955، أن كل المقالات التي ستقوم المجلة بنشرها ينبغي أن يعنى مضمونها بالشأن الأفريقي، كما يجب أن لا تعاكس إيمان أصحاب هذا المشروع بمناهضة العنصرية والمد الاستعماري، بل عليها مساندة الشعوب المستعمَرة.

 من هنا أهمية العمل الثقافي الذي قام به ديوب مدعوماً من بعض الوجوه الفكرية الفرنسية وغير الفرنسية التي انخرطت في مشروعه. عملٌ أفضى عام 1949، أي بعد سنتين فقط على تأسيس المجلة، إلى تأسيس دار نشر، قبل أن يمتد إلى عالم الفن السابع، من خلال إنتاج فيلم "التماثيل تموت أيضاً" للمخرجَين ألان رينيه وكريس ماركر (1953).

وضمن سياسة دعم هذا الحضور الثقافي المختلف، أسّس ديوب ما عرف بـ"المجتمع الأفريقي للثقافة" عام 1956، ونوّع نشاطاته عبر مشاركته الفعّالة في تنظيم الدورة الأولى لـ"مهرجان الفنون الزنجية" في العاصمة السنغالية عام 1966. وقد اعتبر هذا الحراك الثقافي لاحقاً، رغم تمظهراته التي قد تندرج في سياق بلورة نمط ثقافي أفريقي جديد، نوعاً من الإسهام المبكر في التأسيس لما أصبح يعرف في التاريخ السياسي والثقافي للنخبة المثقفة السوداء ـ سواء الفرنكوفونية أو الأنغلوفونية أو الإسبانوفونية ـ بـ"المقاولة الثقافية"، خاصة في الفترة الممتدة بين 1950 و1960.

استحضاراً لكل ذلك، يُعتبر المعرض الحالي الذي يستعيد هذه الذاكرة الثقافية النبيلة مناسبة لإعادة النظر في علاقة دول شمال أفريقيا، ومن ضمنها المغرب محتضن هذه التظاهرة، بعمقها الأفريقي، من خلال التفكير والعمل على مد جسور التعاون مع سائر الشعوب الأفريقية، وتمتين أواصر الأخوة والصداقة معها، من منطلق ثقافي، ما يحفظ ذاكرة كل القامات الثقافية الأفريقية التي ناضلت من أجل إسماع صوت المهمشين "على هذه الأرض التي ليست لأحد".

يستمر المعرض حتى 30 أيلول/ سبتمبر 2014

دار الفنون، 10 زنقة بني ملال، زاوية شارع محمد الخامس ـ حسّان، الرباط.

دلالات

المساهمون