"حرب النجوم: الجيداي الأخير"... دماءٌ جديدةٌ وشكلٌ مختلف

"حرب النجوم: الجيداي الأخير"... دماءٌ جديدةٌ وشكلٌ مختلف

22 يناير 2018
مخرج الفيلم ريان جونسون (يوتيوب)
+ الخط -
قبل عامين، وبعد شراء شركة "ديزني" حقوق الملكية الفكرية لـ "حرب النجوم"، وإعادة إحياء العالم في ثلاثيّة جديدة بدأت مع "استيقاظ القوة" (2015)، كان لقرار اختيار المخرج، ج.ج إبرامز، للخطوة سبباً واضحاً؛ وهو صناعة فيلم فيه أقلّ مساحة من المخاطرة، وأكبر قدر من "النوستالجيا"، مما يضمن نجاح العمل والبداية القوية للثلاثية. ورغم جودة "استيقاظ القوة" ونجاحه، إلا أن العيب الأبرز فيه، والذي لم يخفَ على أحد، هو أنّه مجرد إعادة إنتاج للجزء الافتتاحي من السلسلة العظيمة "أمل جديد" (عام 1977) بنفس شكل المهمة، وطبيعة الشخصيات والأماكن. بل إن إبرامز قام بمحاولة لإحياء "دارث فيدر" نفسه (أشهر شرير في تاريخ السينما الأميركية) في صورة جديدة بقناعٍ أسود وصوت مرعب.

 

حرق كلّ القديم والكلاسيكي
على النقيض تماماً من لعبة "النوستالجيا" وإعادة الإنتاج التي يتبعها إبرامز، أتى اختيار ريان جونسون لإخراج الجزء الثاني من الثلاثية "الجيداي الأخير". فمشروعه السينمائي (الذي برز في 3 أفلام و3 حلقات من مسلسل "بريكنغ باد") يقوم بشكل أساسي على التجديد والابتكار. وبالتالي، فالشركة تُدرك أن ضخ دماء جديدة ومختلفة أمر مطلوب بشدة؛ والنتيجة كانت حرية كاملة لجونسون ككاتب ومخرج للعمل الجديد، وهو ما ظهر في كل التفاصيل الكبرى والصغرى في العمل.
في واحد من أكثر مشاهد الفيلم الموحية، يظهر المعلم "يودا"، الشخصية الكلاسيكيّة المحبّبة للجمهور. وفي نفس اللحظة، تبدأ كتب تعاليم "الجيداي" القديمة في الاحتراق. فيطلب "يودا" من البطل "لوك سكاي-ووكر" أن يتركها تحترق لأنّه لا فائدة من وجودها. تلك اللحظة تبدو رمزية جداً للنهج الذي اتبعه جونسون. أحرق كل ما هو قديم وكلاسيكي، لا قواعد هنا، ولا سير على النمط القديم للسلسلة. هناك كسر لكل توقعات المشاهد المحب لـ"حرب النجوم"، منذ اللحظة الأولى التي يظهر فيها "لوك سكاي-ووكر" ويرمي بالسيف وراء ظهره. وبدلاً من أن تكون لحظة ملحمية بموسيقى فخمة، تظهر الشخصية مُنكسِرَة وعدميّة ورافضة لكل هذا الإرث المُحملة به (تماماً كهذا الجزء من السلسلة).

موقفان جذريان من الفيلم
لاحقاً، يقومُ شرّيرُ الفيلم، كيلو رين، بتكسير قناع "دارث فيدر"، في إشارة واضحة إلى أنّنا لن نحاول استنساخه مرة أخرى، وبالتالي، يظهر "آدم درايفر" بوجهه في بقية الأحداث، ويخلق شريراً قوياً ومُبتكراً جداً. وفي لحظة أخرى محورية يفترض فيها أن نكتشف من هما والدا بطلة الفيلم "راي"، ونتوقع، كمشاهدين ومحبين مخلصين لـ"حرب النجوم"، أن الأمر سيفضي إلى سرّ ضخم، كما حدث مع "فيدر ولوك" في "الإمبراطورية ترد الهجوم" (1980). لكن بدلاً من ذلك، يخبرها "كيلو رين" أن لا أسرار في الأمر، وأن أبويك كانا لا شيء، وباعاك من أجل المال، وهكذا فإن كل توقعات المشاهدين تنقلب عليهم في هذا الجزء. وأغلب التفاصيل لا تكون شبيهة أبداً بما اعتدنا عليه في عالم تأسس في 7 أجزاء سابقة. وهو ما يفسر ردود الأفعال المتطرفة جداً نحو الفيلم: أحبه البعض بشدة لأنه يتحرر من القواعد ويخلق شكلاً جديداً للعالم الكلاسيكي.. أو بغضه آخرون بحدة، لأنه لا يشبه "حرب النجوم".



مشاهد فائضة
لكن، في الحقيقة، فإن ما يعاب على الفيلم، فعلاً، ليس مساحات التجديد، بالعكس، فرمادية شخصية "كيلو رين" والعلاقة بينه وبين "راي"، ومساحات الشد والجذب بينهما، ثم العلاقة بين "راي" نفسها و"لوك سكاي-ووكر"، هي أفضل خطوط الفيلم على الإطلاق، والفترات الوحيدة التي يصل فيها إلى درجة تألق مُلفتة، ويخلق لحظات تبقى في الذاكرة، خصوصاً مع الأداء الرائع والكيمياء الواضحة من الثلاثي، آدم درايفر ديزي ريدلي ومارك هاميل. ولكن ما يعاب فعلاً على الفيلم، هو الخطوط التي تتسم بالكلاسيكية، وتتعلق بمغامرة وحروب النجوم. فخط هجوم الـ"فيرست أوردر" على المقاومين والثوار وتصدي "الأميرة ليا" والمقاتل "بوي" (أوسكار إيزاك) وصراعه مع "أدميرال بولدو"، وكذلك خط "فين" (جون بويجا) ورحلته مع "روز" ومقابلتهم لـ"دي جى" (بونسيو ديل تورو) من أجل إيقاف جهاز تتبع المقاومين ثم فشلهم في النهاية. كلا الخطين (على مركز المقاومة أو سفينة الفيرست أوردر) يبدو فائضاً وتقليدياً، ولا مبالغة في أن حذف الكثير من مشاهد هذين الخطين لن يؤثر شيئاً في الصورة النهائية. وكأن جونسون لم يهتم بهما (رغم أن مدتهما على الشاشة تزيد عن نصف وقت العرض) ووضع فيهما الكثير من الحروب ومشاهد الحركة بالليزر، كإرث لا يستطيع التخلص منه.

شخصيات باهتة وضعيفة
في مقابل أن كل ما هو درامي وقوي وصلب ومُجدد كان في الخط الآخر لراي ورين وسكاي ووكر. وهو قرار جعل الثقل كله في كفة واحدة من الأحداث. بينما ظهرت الشخصيات والتفاصيل الأخرى (حتى الممثلة الراحلة كاري فيشر في ظهورها الأخير كالأميرة "ليا") باهتة وضعيفة.

في المجمل. أدى جونسون مهمته بنجاح، صحيح أنه نال قسطاً لا بأس به من هجوم المعجبين، ولم ينجح مثل "استيقاظ القوة" (الذي حقق ملياري دولار مجمل إيرادات، في مقابل مليار و300 مليون فقط حققها "الجيداي الأخير" حتى الآن) إلا أنه لم يفشل في المقابل، ونال مديحاً نقدياً لافتاً وتقديراً، خاصة من هؤلاء المدركين، لأن استمرار السلسلة مرهون بقدرتها على الابتكار والتجديد.



المساهمون