"جرسون" في ملهى الشرق الأوسط

"جرسون" في ملهى الشرق الأوسط

13 سبتمبر 2019

أفي بيركوفيتش مع جاريد كوشنر في نيويورك (23/4/2019/Getty)

+ الخط -
تحل يوم الثلاثاء المقبل ذكرى اغتيال الوسيط الدولي للأمم المتحدة، السويدي الكونت فولك برنادوت، على أيدي عصابات الهاغاناه وأرغون الصهيونية، بسبب اقتراحه وضع حد للهجرة اليهودية إلى فلسطين، ووضع القدس بأكملها تحت السيادة الفلسطينية. اختارته منظمة الأمم المتحدة بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وسيطاً بين العرب واليهود، واستطاع أن يحقق الهدنة الأولى في فلسطين في 11/6/1948، وتمكّن بعد مساع لدى الجانبين، العربي والإسرائيلي، من الدعوة إلى مفاوضات رودس التي جرت نهاية عام 1948. وقد أثارت خطة برنادوت آنذاك غضب اليهود، فاتفقت منظمتا أرغون التي يرأسها مناحيم بيغن، وشتيرن برئاسة إسحق شامير، على اغتياله، ونفذت بالفعل عملية الاغتيال في 17 سبتمبر/أيلول 1948، فمات عن 53 عاماً.
تأتي هذه الذكرى بالتزامن مع نوايا تعيين الإدارة الأميركية الشاب اليهودي أفي بيركوفيتش (30 عاماً) مبعوثاً جديداً للشرق الأوسط، بدل المستقيل جايسون غرينبلات. واللافت أن المبعوث الجديد، وهو أحد مساعدي جاريد كوشنير في البيت الأبيض، لا يتمتع بأي خبرة سياسية، لا في شؤون الشرق الأوسط، ولا أي شؤون أخرى. وأجمعت تقارير نُشرت عنه، منذ انتشار أنباء عن نوايا بتعيينه، على أنه خريج حديث من كلية الحقوق في جامعة هارفارد في عام 2016، ولا تتجاوز خبرته دور "جرسون قهوة" في فريق السلام في البيت الأبيض، والذي يضم كوشنر والسفير الأميركي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان. ولا مبالغة في تبخيس دور بيركوفيتش، إذ لم يكن هذا الدور يتعدى إعداد قهوة معلمه، أو تنسيق اجتماعاته، على حد تعبير المتحدثة باسم البيت الأبيض، هوب هيكس.
تفسيرات كثيرة ومتباينة رافقت تعيين عديم الخبرة بيركوفيتش لمهمةٍ خاض غمارها، وأمسك ناصيتها أصحاب خبرة سياسية طويلة، من هنري بايرود، أول مبعوث أميركي للسلام في عهد ثورة 1952 المصرية، وكان وكيل وزارة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس إيزنهاور، إلى وليام روجرز صاحب مبادرة روجرز الشهيرة التي أعلن الرئيس جمال عبد الناصر قبولها قبل أسابيع قليلة من وفاته في 1970، وصولاً إلى النرويجي تيري رود لارسن، أحد مهندسي اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل، ودينيس روس، مبعوث عملية السلام في الشرق الأوسط في أثناء ولاية إدارتي جورج بوش الأب وبيل كلينتون، وقام بدور الوسيط في مساعدة الفلسطينيين والإسرائيليين للوصول إلى الاتفاق المؤقت عام 1995، وقام أيضا بتسهيل معاهدة وادي عربة للسلام بين الأردن وإسرائيل. وصولاً إلى السيناتور جورج ميتشيل مبعوث السلام لإدارة الرئيس باراك أوباما.
في تعليق دبلوماسي مقتضب وحذر، وصف مارتن إنديك، المبعوث الأميركي الخاص للمفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، احتمال اختيار بيركوفيتش علامةً على تراجع أهمية هذا الموقع، وقال عن بيركوفيتش: "رجل لطيف، ولكنه لا يتمتع بثقل أو خبرة". يذهب مراقبون إلى تفسير كلمة "الموقع" في كلام إنديك إلى ما هو أبعد من المنصب الوظيفي، أي إلى الموقع الجيو - استراتيجي، بمعنى تراجع موقع الشرق الأوسط على أجندة أولويات الإدارة الأميركية التي ترى أن الولايات المتحدة لم تعد بحاجة للنفط والغاز من الشرق الأوسط، مع اعتمادها أكثر على موارد وفيرة للوقود الصخري لتلبية احتياجاتها من الطاقة، سواء من الإنتاج المحلي، أو من موردين آخرين من خارج الشرق الأوسط.
يذهب آخرون إلى تفسيرات أبسط، من قبيل أن كوشنير جاء بمساعده، ليكون كبش فداء يحمل أوزار فشل "صفقة القرن" بعد هرب غرينبلات الذي آثر الاستقالة على التورّط في عملية خاسرة. أو أن هذا التعيين يعكس حقيقة استخفاف إدارة دونالد ترامب بالعرب، قادة وقضايا. ومهما تعدّدت التفسيرات في محاولة فهم دوافع تعيين كوشنير "صبي القهوة" بيركوفيتش في هذه المهمة، فالأكيد أن قضية العرب الأولى باتت لعبةً في ملهى، يتسلى بها ترامب وصبيته، بينما يتباكى العرب والفلسطينيون على أطلال سلامٍ ظنّوه ممكناً مع قتلة الكونت برنادوت.

دلالات

AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.