"تقديس السيسي": الظاهرة تتـّسع

"تقديس السيسي": الظاهرة تتـّسع

09 فبراير 2014
+ الخط -

بات تشبيه المشير عبد الفتاح السيسي بالأنبياء والرسل ظاهرة منتشرة في مصر اليوم على لسان قادة المؤسسة العسكرية والأوساط الاعلامية والفنية والدينية المؤيدة لانقلاب الثالث من تموز/يوليو الماضي. ومَن يستمع إلى عدد كبير من قيادات الصف الأول في الجيش المصري، يمكنه سماع صفات الألوهة تجاه المرشَّح "المحتمل" لرئاسة الجمهورية، من نوع أنه "رجل تقي يخشى الله، ويؤم الجنود في الصلاة". أوصاف دينية تحاكي شارعاً مصرياً محافظاً من الناحية الدينية، وتضرب عرض الحائط علمانيّة المؤسسة العسكرية المصرية، العزيزة على قلوب أصحاب البزّات الكاكية منذ ثورة تموز/يوليو 1952. إلا أن القيادات الحالية تمادت عبر عدد من التصريحات، في رسم هالة "القائد المتدين" فوق رأس السيسي، على غرار ما صُنع للرئيس الراحل أنور للسادات بعد حرب أكتوبر. حتى مع السادات، لم تصل الأمور حدّ ما يحصل اليوم حيال السيسي، من تقديس و"تأليه"، وتشديد على التزامه الديني عقيدةً وطقوساً، وهو ما يتناقض مع الحملة التي سبق وشنّها إعلاميون مقربون من المؤسسة العسكرية ضد الرئيس محمد مرسي خلال حكمه، رافضين سلوكياته الدينية العلنية.

واللافت أن السيسي كان يرافق مرسي في غالبية صلوات الجمعة. وما أكثر الروايات التي تتحدث عن ذهاب المشير إلى مقر الرئاسة يومياً للصلاة خلف مرسي، فضلاً عن إصراره على الصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، حتى أن بعض القيادات العسكرية تكشف أن بعض ضباط الجيش حذروا السيسي من إمامة الجنود في الصلاة، حتى لا يُحسب على التيارات الاسلامية، فما كان ردّه سوى: "أنا أعامل ربنا، ولا يهمني بعد ذلك الانطباعات غير الحقيقية".

اليوم، باتت تصريحات القيادات العسكرية العلنية غير محظورة، ولا تنطبق عليها قوانين المحاكمات العسكرية القاضية بضرورة التكتّم إزاء السجالات السياسية، ما دامت تستخدم في رسم تلك الصورة المراد رسمها حول السيسي، من دون أن تعبأ تلك القيادات بعدم الخلط بين الدين والسياسية وتوظيف الدين لغايات سياسية، وغيرها من الشعارات التي كانت تستخدم للنيل من قيادات التيار الاسلامي منذ آذار/مارس 2011. فمَن ينسى أن أحد مبررات "جبهة الانقاذ" (القوى المعارضة لحكم مرسي آنذاك) في دعم انقلاب الثالث من تموز/يوليو الماضي، كانت "الفاشية الدينية والخلط المتعمد للدين والسياسة من قبل الاخوان المسلمين"؟

ولا تقتصر الظاهرة على إغداق الصفات الدينية على السيسي والفتاوى التي تمجده، بل إن المشير نفسه بات يتقن اللغة الدينية نفسها التي كان يعتمدها الرئيس المعزول. وخلال احتفال عسكري منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، قال السيسي إن "رجال القوات المسلحة يهتدون بسيرة الرسول الكريم وبالمبادئ والقيم التي أرساها، وهم يعاهدون الله والشعب المصري على الوفاء بالمهام المقدسة التى يحملون أمانتها".

أحدث "الفتاوى" الصادرة لصالح السيسي، خرجت من فم المفتي السابق للبلاد، علي جمعة، الذي جزم بأن السيسي "مدعوم من الله"، بعد أن كان أستاذ الفقه في جامعة الأزهر، سعد الدين الهلالي، قد وصفه بالنبي.

وقد تخطّى الأمر المؤسسات الدينية والسياسية، ووصل إلى الأوساط الفنية. حتى بوسي أدلت بدلوها قائلة باللهجة العامية: "إلّي بيقول إن الرسول أشرف خلق الله... أكيد ما شفش السيسي". ولم يردّ الأزهر على مثل هذه التصريحات، ولا التيارات السلفية فعلت ذلك رغم أنها تعتبر مجرّد التلفظ على النبي محمد من الكبائر التي "تستوجب الجهاد".

المساهمون