"بزنس" تظلمات الثانوية العامة في مصر

"بزنس" تظلمات الثانوية العامة في مصر

03 اغسطس 2018
يتحققان من إجاباتهما خلال الامتحانات الأخيرة (العربي الجديد)
+ الخط -

ملايين الجنيهات المصرية هي حصيلة ما جمعته وزارة التربية والتعليم المصرية من طلبات تظلم تقدّم بها تلاميذ الثانوية العامة للعام الدراسي المنصرم، بعدما رأوا أنّ النتائج والدرجات أتت مخيّبة لآمالهم.

"حسبي الله ونعم الوكيل" جملة ترددت كثيراً على ألسنة التلاميذ وأولياء أمورهم أمام لجان التظلمات الخاصة بالثانوية العامة في المحافظات المصرية هذا العام. وكانت اللجان قد بدأت في الأسبوع الماضي مراجعة ملفات بعض التلاميذ المتظلمين في حين يشكو أولياء الأمور من حالة الفوضى أمام اللجان ومن أنّ وزارة التربية والتعليم توهِم التلاميذ بإعادة النظر في الدرجات، وهو أمر لا أساس له على أرض الواقع نظراً إلى نتائج الأعوام السابقة.

وتفرض وزارة التربية والتعليم في مصر، تحصيل مبلغ 100 جنيه مصري (نحو ستة دولارات أميركية)، في مقابل إعادة الكشف على المادة الواحدة تحت بند "رسوم تظلمات" لحساب صندوق "دعم وتمويل المشروعات التعليمية". كذلك، يقوم التلميذ بتسديد عشرة جنيهات (نحو 0.6 دولار)، للحصول على نموذج الوزارة الخاص بالإجابات الصحيحة للمادة الواحدة، وتباع تلك النماذج أمام اللجان للمقارنة بينها وبين إجابات التلاميذ. وتُعَدّ مواد الفيزياء والكيمياء والأحياء واللغة العربية والإنكليزية والفلسفة وعلم النفس، من أكثر المواد التي تظلّم منها تلاميذ الثانوية العامة لهذا العام الدراسي.

يقول مسؤول في وزارة التربية والتعليم تحفّظ عن ذكر اسمه لـ"العربي الجديد" إنّ "إجمالي حصيلة الأموال التي جمعتها الوزارة من رسوم تظلمات الثانوية العامة لهذا العام الدراسي وصلت إلى نحو 26 مليوناً و500 ألف جنيه (نحو مليون و500 ألف دولار). ولأنّ نسبة النجاح في الثانوية العامة هي 73 في المائة، فإنّ ذلك يعني أنّ 27 في المائة تقدّموا بتظلمات، بالإضافة إلى التلاميذ الذين نجحوا ولم يتمكنوا من الالتحاق بكليات القمّة أو الذين حصلوا على مجاميع أقل ممّا يتوقّعون، وكذلك عدد من التلاميذ الراسبين في مادة أو مادتَين". يضيف أنّ "ما يُنظَر فيه من تظلمات الثانوية العامة يقلّ عن 10 في المائة، إذ يُنظَر فقط في جمْع العلامات وليس في إعادة تصحيح كراسات الإجابة الخاصة بالتلميذ المتظلم. ونادراً ما يحدث خطأ في عملية الجمع، بالتالي فإنّ هدف الحكومة تحصيل الملايين من هذه "السبوبة". ومن المؤسف أنّها لا تحقق شيئاً للتلاميذ من جراء هذه التظلمات".




ويشير المسؤول نفسه إلى أنّ "جزءاً كبيراً من تلك الأموال يذهب إلى صندوق تحيا مصر ويخصّص الباقي لصيانة عدد من المدارس"، موضحاً أنّ "أيّ مكافآت لا تُصرف من حصيلة تظلمات الثانوية العامة، لأيّ من أعضاء اللجان القائمة على عملية مراجعة كراسات الإجابة". ويتابع أنّه "يمنع دخول مدرّس مع التلميذ في أثناء النظر في تظلمه من كراس الإجابة، وبالتالي يمارَس إرهاب على التلاميذ الذي يتعرّضون إلى تهديد أحياناً. وهو ما يجعل التلاميذ ينسحبون بهدوء مفضّلين السلامة والخروج من المأزق التهديد". ويطالب الحكومة بأن "تلغي هذا النظام رحمة بالتلاميذ وأولياء الأمور الذين أنفقوا مليارات الجنيهات على الدروس الخصوصية طوال العام الدراسي المنصرم. فهي طبقاً للقانون، طالما أنّها لا تقدّم خدمة، تدخل في إطار سلب أموال أولياء الأمور، وهذا ما لا يرضى به دين ولا عقل ولا منطق. والأمر صار ابتزازاً للراسبين".

وثمّة مئات من القصص الإنسانية المؤلمة في سياق تظلمات الثانوية العامة أمام اللجان، إذ تسبق الدموع التلاميذ لضياع مستقبلهم نتيجة درجة أو درجتَين. كذلك، ثمّة آلاف من التلاميذ الذين ضاع حلمهم بكليات القمة، خصوصاً من "شعبة علمي علوم" بعد رفع الحكومة المصرية المعدّل المطلوب لدخول كليات الطب سواء الطب البشري أو الأسنان أو الصيدلة أو العلاج الطبيعي ما بين ثلاث درجات وسبع، نتيجة تشبّع السوق بكلّ التخصصات. وقد أكّد وزير التعليم العالي الدكتور خالد عبد الغفار الأمر، في حين اشتكى أولياء الأمور من سرعة إصدار النتيجة، مؤكدين أنّ إصدارها بعد عشرة أيام فقط أضرّ بمصلحة التلاميذ.

بسملة محمد، حصلت على شهادة الثانوية العامة "شعبة علمي علوم" مع 96 في المائة، لكنّها تشكو لـ"العربي الجديد" قائلة "التحقت بشعبة علمي علوم لتحقيق طموحي بالانتساب إلى كلية الصيدلة. لكنّ نتيجتي جاءت مخيبة للآمال، وتقدمت بطلب تظلم خاص بمواد الكيمياء والفيزياء والأحياء". تضيف: "تطابقت إجابتي مع الإجابات النموذجية في انتظار رد وزارة التربية والتعليم"، مشددة على أنّ "ما يحدث ما هو إلا مهزلة وتقصير من قبل الوزارة في مراقبة التصحيح. كذلك فإنّ باب التظلمات هو مجرّد باب لجني الأموال لمصلحة الدولة". أمّا ندى سعيد "شعبة أدبي"، فتقول: "حصلت على 75 في المائة وقصدت لجنة تظلمات لإعادة النظر في عدد من المواد، منها التاريخ وعلم النفس". هي تعترض على درجات التصحيح الخاصة بها، على الرغم من تأكدها من إجاباتها ومقارنتها بالإجابات النموذجية.




من جهته، يعاني عبد الكريم محمد من درجات التصحيح تماماً كما غيره، وقد قصد لجنة لتقديم تظلم لمصلحة ابنه في "شعبة علمي رياضة" الحاصل على 89 في المائة. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الإهمال وأخطاء المستشارين والمراجعين وعدم مراعاة ضمائرهم أثناء تصحيح امتحانات الثانوية العامة، أدّت إلى ضياع مستقبل آلاف من التلاميذ"، سائلاً "ما سرّ الإسراع في الإعلان في نتائج الثانوية العامة؟". أمّا عماد محمد "شعبة علمي رياضة" الحاصل على 92 في المائة، فيؤكّد أنّه اجتهد بدروسه للالتحاق بكلية الهندسة، لتحقيق رغبة والده، قائلاً "لكنّني فوجئت بالنتيجة والتنسيق. وسوف أضطر إلى الالتحاق بإحدى الجامعات الخاصة وتحمّل تكاليفها الكبيرة". وفي السياق نفسه، لم تتقبّل تقي محمود درجاتها في الرياضيات واللغة الفرنسية والتاريخ، قائلة "لم أتوّقع هذه الدرجات السيئة. وما يحدث هو لمصلحة الجامعات الخاصة بالتنسيق مع الحكومة التي ترفع درجات القبول في الجامعات الحكومية".