"النصرة" والتحالف الدولي: تناقضات وإعادة للحسابات

"النصرة" والتحالف الدولي: تناقضات وإعادة للحسابات

23 سبتمبر 2014
عملت "النصرة" على كسب حاضنة شعبية (رامي السيد/فرانس برس)
+ الخط -
كان قرار مجلس الأمن الدولي في منتصف الشهر الماضي، والقاضي بفرض عقوبات على تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) و"جبهة النصرة"، تتضمن قطع الإمدادات البشرية والمالية عن التنظيمين، ونزع سلاحهما وتفكيكه، تحت البند السابع، إعلاناً واضحاً بمساواة "النصرة" بـ"داعش".

لم يمضِ أكثر من أسبوعين حتى ردت "جبهة النصرة" على قرار مجلس الأمن، وقامت باختطاف 45 عنصراٌ من قوات حفظ السلام الدولية في الجانب السوري من مرتفعات الجولان، بسبب ما أسمته حينها بـ"تواطؤ الأمم المتحدة مع نظام بشار الأسد، الذي شنّ حرباً ضد المعارضة"، بينما كان السّبب الفعلي إدراجها تحت الفصل السابع، الأمر الذي وصفته بـ"الخطوة العملية للتدخل المباشر وإجهاض أهل الشّام".

أحرج القرار "جبهة النصرة" كثيراً، في وقت كانت تحاول فيه البقاء على مسافة واحدة من الجميع، قبل أن تقرر الإفراج عنهم في ذكرى أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، فيما فُسّر كمحاولة غزل للولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي للقضاء على تنظيم "داعش" في سورية والعراق، وإرسال رسالة للمجتمع الدولي أنّها تختلف عن "داعش" الذي يذبح الرهائن الأميركيين والبريطانيين، لاسيما أنّها كانت قد أفرجت عن رهينة أميركي في وقت سابق.

وعلى صعيد متصل، شهدت الخارطة السورية سلسلة من التبدلات العسكرية فيما يخص "جبهة النصرة"، بدأت قبل قرار مجلس الأمن، بالانسحاب من خطوط المواجهة مع "داعش" في ريف حلب الشمالي، وتعززت في ظل التحالف الدولي، لمحاولة وضع إستراتيجية تحدد ماهيتها، ونصب مراكز قوة في المناطق التي تسيطر عليها، خصوصاً بعد طرد "داعش" لها من المنطقة الشرقية.

وبالتالي، فبعد رسم الخطوط العريضة لتنظيم "الدولة الإسلامية" في المنطقة الشرقية وريف حلب الشمالي، وتثبيت النظام لمناطق سيطرته في حلب وحمص والمناطق التي لم يطرأ عليها تغييرات واسعة، كالساحل السوري وقلب العاصمة دمشق، أدركت "جبهة النصرة" أنّها تحتاج إلى إعادة حسابات في الخريطة السورية، ومن هنا لم تأت مساندتها لمقاتلي "الجيش الحر" و"كتائب إسلامية" في غزوة "بدر الدين الكبرى" في حماة من فراغ، ومن ثم محاولة دخول مدينة محردة ذات الغالبية المسيحية. 

في هذا الوقت، كانت الجبهة توطّد دعائمها في ريف إدلب، إذ سيطرت على مدينة سرمدا قرب معبر باب الهوى على الحدود السورية بشكل كامل، كما بسطت سيطرتها على قرية حاس بشكل مستقل، وقرية الزنبقي مع فصائل معارضة، وكانت قد سيطرت في وقت سابق على مدينتي حارم وسلقين ومعظم مناطق الريف الشمالي لإدلب، ما دفع جبهة "ثوار سورية" إلى التحذير من بوادر إعلان "النصرة" لإمارة في سورية، بعد بدء قائدها أبو محمد الجولاني بتشكيلها من الحدود.

كما عملت "النصرة" على كسب الحاضنة الشعبية في هذه المناطق، وتجلّى ذلك في تحديد سعر ربطة الخبز في مدينة سلقين بـ0.4 دولار، وإعادة تشغيل فرن الخبز في مدينة خان شيخون، بعد توقفه عن العمل لثلاثة شهور، ووصل الأمر إلى حدّ توزيع منشورات تنص على عدم قيادة الدراجات بشكل مسرع وعلى عجلة واحدة. وبعد ذلك اتجه معظم عناصر "النصرة" إلى محافظة درعا، لتضحي المعقل الرئيسي لهم.

وربما يمكن قراءة ما تقوم "النصرة" به في ظل التحالف الدولي، من خلال اتباع سياسة "عدم العداء مع الغرب"، وتجنّب الدخول قدر الإمكان في صراعات مسلحة مع مقاتلي المعارضة وتوطيد قوتها في أرياف حماة وإدلب والمنطقة الجنوبية، غير أن العراقيل لا تزال تعترض "النصرة"، وربما تؤدي إلى زوالها، في ظّل خفوت صوت الجولاني وبروز الرجل الشرعي في تنظيم "القاعدة" والقائد العسكري السابق للمنطقة الشرقية أبو ماريا القحطاني.

وتنعكس مشكلة القيادات لدى "النصرة" في البنية الأيديولوجية والتنظيمية لها، فبينما يشهد الوضع في حماة تنسيقاً بين الجبهة وفصائل "الجيش الحر"، وسياسة تتصف إلى حد كبير بالاعتدال، تتناغم "النصرة" و"داعش" في القلمون، ووصل يوم الجمعة الماضي، إلى حدّ إعدام الجندي اللبناني الأسير لديها، محمد حمية، لتسير "النصرة" على خطى تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي أعدم اثنين من المحتجزين لديه في وقت سابق.

وفي حين تستقطب "النصرة" السكان في ريف إدلب، يؤكد قائد "جبهة ثوار سورية" جمال معروف، أنّها "تسحب عناصرها وآلياتها من مناطق المواجهات مع قوات النظام وتحشدها ضد الجيش الحر"، ويتوافق ذلك إلى حد ما مع انسحاب مقاتلي "النصرة" من بلدة حلفايا بريف حماة الشمالي قبل يوم من سيطرة القوات النظامية.

وفي وقت، يواصل مقاتلو "النصرة" و"الجيش الحر" انتصاراتهم في ريف القنيطرة والتي وصلت إلى 75 في المئة من مساحة المحافظة، يصعد الخلاف بين "الجيش الحر" و"جبهة النصرة" إلى السطح مجدداً، بعد هجوم الأخيرة على مقر لواء "فلوجة حوران" في بلدة المزيريب وقتل اثنين من عناصر "الحر". بما يعزز تعددية القيادات في "النصرة".