"المير" لجان رطل: ذاكرةُ شيوعيٍّ في صورة أكبر

"المير" لجان رطل: ذاكرةُ شيوعيٍّ في صورة أكبر

31 يوليو 2020
جان رطل: سيرة المناضل أهمّ من شكل الوثائقيّ (فيسبوك)
+ الخط -

 

يُنجز جان رطل وثائقياً تقليدياً عن شخصية لبنانية غير تقليدية. يلجأ إلى ذاكرة حيّة، يُراد لها تغييب قسري، لكنّها تنجح في النفاذ من كلّ موت وإلغاء. التقليديّ في الوثائقي منبثقٌ من رغبة في بساطة سرد وتوليف واستماع، فالمحتوى أهمّ من جماليّات بصرية تحول، أحياناً، دون تنبّه إلى مضمونٍ، يريده صانع الوثائقيّ أبهى حضوراً وأقدر على جذب مهتمٍّ بمسائل مرتبطة ببيئته وبلده وذاكرته وتاريخه.

أحمد المير الأيوبيّ (1924 ـ 1979) مناضل شيوعيّ طرابلسيّ (من طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني). نموذجٌ لمعنى أنْ يكون المرء إنساناً يلتزم أفكاراً ويعمل على تطبيقٍ ميدانيّ لجزء منها على الأقلّ. مكافح، بالمعنى الأنقى لكفاحٍ يُنظَّر له في أدبياتٍ وتفسيرات، لكنّه (الكفاح) مع المير وأمثاله يُصبح نهج حياة وسلوكاً وتعاطياً وتواصلاً وتفكيراً وعيشاً. لهذا، تتواضع مُشاهدة "المير" أمام تواضع شريطٍ غير مدّع وغير متشاوف وغير تنظيري، وهذا عائدٌ على الأرجح إلى صفاتٍ حقيقية يتمتّع بها المير نفسه في حياته المنتهية باغتياله أمام منزله، في 13 يونيو/ حزيران 1979، وبعض تلك الصفات واردٌ في كلام أناسٍ يعرفونه جيداً، فيقولون عنه بعضاً منه أمام كاميرا جان رطل، في فيلمٍ يتمتّع بصفة الشهادة البصرية الموثّقة، وإنْ يغلب على التوثيق كلام أناسٍ، يتورّط كثيرون منهم في متاهات الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990) وما بعدها من سلمٍ أهليّ مرتبك ومُشوّه، والتورّط عسكري وسياسي وتنظيريّ.

 

 

وفرة المتحدّثين عن المير مُسيئة، إلى حدّ ما، لفيلمٍ يريده صانعه شهادة عن فردٍ، انطلاقاً من أهمية توثيق اختبارات أفرادٍ يعملون في صفوف جماعات، وغالبية تلك الجماعات تُلغي الفرد لصالح حزبٍ أو مجموعة أو بيئة. لكنّ أفراداً كثيرين يُحدثون فرقاً في حراكٍ أو حربٍ أو تحدّيات، ما يستدعي توثيقاً (مكتوباً أو بصرياً) لسِيَرهم وحكاياتهم، بدلاً من إلغائهم في بيئاتٍ وأحزابٍ وجماعات ينتمون إليها. المير أحدهم، وما يُقال عنه في وثائقيّ جان رطل جزءٌ من سيرته وحكايته، مع أنّ بعض الظاهرين فيه مرتبط بسياساتٍ غير متوافقة، ربما، مع حيوية نضال فرديّ، يرى صاحبه في العمل الميدانيّ المباشر درباً أصيلاً لتحقيق هدفٍ، أو لإشباع رغبة في عملٍ حقيقيّ.

قيمة "المير" كامنةٌ في كونه توثيقاً بصرياً يبدأ بالفرد، وينفلش سريعاً على منطقةٍ وحزبٍ وشخصياتٍ وأحداثٍ وحالاتٍ، بألسنة معارف ومُقيمين ومُطّلعين، يُفترض بها أنْ توثَّق وتُبَثّ وتُنشَر وتُناقَش. السينما تنسحب قليلاً، فالأهمّ كامنٌ في السيرة، المعروفة وغير المعروفة، للمير نفسه. الصُور الفوتوغرافية قليلة، فشهادات معارفه وأصدقائه ورفاقه طاغيةٌ لتشكيل صورة أكبر من الفوتوغرافيا، وأوسع من حكاية.

المساهمون