"الحومة" الجزائريّة برجوازيّة وشعبيّة

"الحومة" الجزائريّة برجوازيّة وشعبيّة

22 مايو 2016
لا تخلو مدينة من أحياء راقية وأخرى شعبية(فرانس برس)
+ الخط -

لا تخلو مدينة جزائرية من أحياء راقية وأخرى شعبية. وقد تنتج عن هذا المشهد مشاكل في أسلوب الحياة والتفكير والسلوك. ويعدّ حيّا باب الواد والأبيار نموذجين لهذا الواقع.

بدأت ملامح المدينة في الجزائر في زمن القبائل الأمازيغية، واتضحت أكثر في العهد الروماني، وإن اندثرت بعض المدن تماماً، لتبقى قسنطينة وتيبازة. وخلال الحكم العثماني، أُنشئت مدن جديدة، وصُممت أحياء رئيسية في المدن القائمة عرفت بالقصبات. هذه الأحياء ما زالت موجودة حتى اليوم، أشهرها قصبة الجزائر العاصمة التي صنفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو" ضمن التراث العالمي. وخلال الانتداب الفرنسي، أضافت فرنسا مدناً جديدة تحمل طابعها.

هذه المدن شُيّدت بسواعد العمال الجزائريين، لكنها كانت حكراً على الفرنسيين والجاليات الأوروبية. ولم يحدث أي احتكاك بينهم وبين الأهالي إلا في حدود ضيقة، علماً أن الرفاهية كانت حكراً على الأحياء الفرنسية. وبعد الاستقلال، اقتحم الجزائريون هذه الأحياء الراقية، وحولوها إلى ملكيات خاصة، ما عدا تلك التي فضل أصحابها البقاء فيها وعدم مغادرة الجزائر، وهم قلة من الفرنسيين المولودين في البلاد والمساندين لاستقلالها.

اليوم، لا تخلو أي مدينة جزائرية من الأحياء الراقية والأخرى الشعبية. ويحدث أن تكون متقابلة أو مجاورة لبعضها البعض، ولا تفصل بينها إلا حدود وهمية.

ويعد حيّا باب الواد والأبيار في الجزائر العاصمة نموذجين لهذا الواقع الاجتماعي، بكل ما ينتج عنه من اختلاف في السلوك والذهنيات والحياة المعيشية. يطلق الجزائريون على الحي اسم "الحومة". كلاهما شاركا في ثورة التحرير، وخرجت منهما شخصيات سياسية وفنية ورياضية كبيرة، وسكنتهما أسر عريقة. يكمن الفرق أكثر في رفاهية العيش، والشركات والمحال التجارية والمؤسسات الموجودة، وأسعار العقارات، والنظرة الاجتماعية إليهما.




يتصرّف سكان باب الواد على أنهم ممثلو العاصمة، ولهجتهم المتقاطعة مع لهجة سكان القصبة، هي اللهجة الأم. كما أن حيهم كان الحاضن الأول للأغنية الشعبية، ولنشوء فريق رياضي عريق هو مولودية الجزائر الذي تأسس عام 1921، حتى أنهم يسمون بالصينيين بسبب كثرتهم.

هذه الذاكرة تجعل من الحي مدخلاً حقيقياً لمعرفة شخصية العاصمة الشعبية البسيطة التي تتكلم لغة هي مزيج بين اللغتين الفرنسية والعربية، ولها طقوسها الخاصة. على سبيل المثال، للبحارة في باب الواد قاموس وزي خاص.

في المقابل، يتصرف سكان الأبيار على أنهم يمثلون الروح البرجوازية للعاصمة. يضم حيهم قنصليات الدول والسفارة الأميركية والشركات الاقتصادية والمحال التجارية الكبرى في العالم وغيرها. هذا الواقع جعل الحي مقصداً للجيل الجديد المهتم بالموضة والمتأثر بالحياة الغربية، بحسب حسام، وهو طالب في أحد المعاهد الموسيقية. يقول: "هنا أستمتع بوقتي أكثر، بعيداً عن النظرات المستنكرة لأزيائي وكلامي".

قليلة هي المدارس الخاصة في حي باب الواد. ويرى جزائريون أن الدراسة فيها تدل على الثراء. في المقابل، تنتشر في حي الأبيار، علماً أن التعليم مجاني في البلاد منذ الاستقلال الوطني. وفي الحي أيضاً مدارس وطنية كثيرة، مثل مدرسة الفنون الجميلة، التي تستقطب كثيراً من أبناء العائلات البرجوازية.

لدى شباب كل حي نظرته عن الآخر. صفي الدين (21 عاماً) وهو من قرية باب الواد، يقول إنه يحلم بالسكن في إحدى فيلات الأبيار. هناك يستطيع شمّ الياسمين والسباحة في مسبح خاص. يقول إن أسرته مكونة من تسعة أفراد، جميعهم يعيشون في شقة مؤلفة من غرفتي نوم وغرفة جلوس ومطبخ، مضيفاً أنه يتعمد السهر طوال الليل مع رفاقه حتى يخرج شقيقه إلى العمل ليلاً، فيتمكن من النوم في سريره.

في المقابل، بدا حلم باسم (24 عاماً) وهو من حي الأبيار، مختلفاً تماماً. يقول إن نطاق التعارف بين السكان يعد ضيقاً جداً، ما يجعل العلاقات الإنسانية محدودة. يضيف أن "الحياة ليست عبارة عن ماديات فقط، ويشعر بالغيرة حين يمر في باب الواد، ويجد شبابها يسهرون ضمن مجموعات. يتابع أنه يجد الحياة في سهراتهم وأعراسهم.

دلالات