"الجديد" تروي حكاية "ملح الأرض" و "معسكر العودة"

"الجديد" تروي حكاية "ملح الأرض" و "معسكر العودة"

03 فبراير 2014
+ الخط -
افترشوا الأرض والتحفوا السماء ليراقبوا من "عين البيضا" في أقصى شمال الأغوار الفلسطينية طريقاً تؤدي إلى مدينة بيسان داخل أراضي الـ48 المحتلة. لكن الاحتلال الإٍسرائيلي لم يستطع تحمّل فكرة عودة الفلسطيني إلى أرضه المسلوبة، ولو رمزياً، عبر "معسكر العودة" الذي أنشأه عشرات الناشطين الفلسطينيين، فاقتحمت قواته تحت جنح ظلام ليلة الإثنين، قرية "العودة"، لتطرد عدداً من الناشطين وتعتقل آخرين بتهمة التواجد في منطقة عسكرية ممنوعة على الفلسطينيين.

خالد منصور، أحد القائمين على تأسيس "معسكر العودة"، الذي لا يبعد عن مدينة بيسان سوى 300 متر، أوضح لـ"الجديد" أن "مئات الجنود الإسرائيليين دهموا المنطقة التي أعلنّا منها قيام المعسكر، وبدأوا بالتنكيل والقمع وهدم الخيمة التي نصبناها رمزاً للعودة". وأضاف "بدأوا بالصراخ لتخويفنا، كانت التعزيزات الإسرائيلية كبيرة جداً، إذ كان من نصيب كل ناشط فلسطيني نحو ثلاثة جنود، يجرّونه خارج المنطقة ليضعوه في حافلة أو مركبة عسكرية".

وقلّل ابن قرية أم الزينات من أهمية الممارسات الإسرائيلية في وجه حراكهم، مؤكداً أن "هذه هي البداية فقط". وأضاف: "سنعمل على دفع فصائل العمل الوطني وناشطي المقاومة الشعبية إلى بناء ألف قرية فلسطينية جديدة على تخوم المستوطنات الإسرائيلية وفي الأراضي المصادرة بهدف تهويدها".

بدوره، تحدث الناشط ياسر أبو كشك، الذي اعتقلته قوات الاحتلال لساعات عدة، لـ"الجديد"، عن مداهمة "أكثر من 200 جندي إسرائيلي و200 حافلة ومركبة عسكرية "معسكر العودة"، ومعهم ضابط الإدارة المدنية الذي يتكلم العربية بطلاقة، حيث أخبرنا أن علينا مغادرة المكان في غضون عشر دقائق، وعندما رفضنا بدأ الجنود بالصراخ والتنكيل وجرّنا خارج المكان بالقوة باتجاه السيارات العسكرية".
وأضاف: "هدموا الخيمة وصادروا الأعلام الفلسطينية، واقتادونا إلى الحافلات للتحقيق معنا، لكننا رفضنا التجاوب مع التحقيق، وأطلقوا سراحنا عند الثالثة صباحاً في منطقة قريبة من مدينة أريحا".

ويقول أبو كشك، المنحدر من قرية تحمل الاسم ذاته في قضاء يافا المحتلة: "هذه أول مرة يُرفع فيها علم فلسطين في هذه الأراضي منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، كنا نبعد عن الشارع الرئيسي المسمى (خط 90) أمتاراً قليلة، وأثار وجودنا استفزاز الإسرائيليين الذين كانوا يمرون بنا خلال توجههم من بيسان إلى القدس".

وكان عشرات اللاجئين الفلسطينيين قد قدموا من مختلف مخيمات اللجوء في الضفة الغربية، وقرروا أن يكون "معسكر العودة" البوابة التي توصلهم إلى مدينة بيسان، ضمن مبادرة حملة "ملح الأرض" لحماية الأرض الفلسطينية والدفاع عن هويتها العربية ضد عمليات التهويد الممنهجة التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي.

وقبيل هدم المعسكر، اختصر الناشط خالد منصور، في دردشة مع "الجديد"، أهمية هذه المبادرة بالقول "أقف هنا على بعد أمتار من مدينة بيسان، أستطيع أن أرى كل فلسطين المحتلة، فحق العودة لا يسقط بالتقادم".

منصور، الذي وُلد في مخيم الفارعة القريب من نابلس بعدما هُجرت عائلته في نكبة 1948 من قرية "أم الزينات" قضاء حيفا، يرى أنه "لم يعد هناك ما نخسره، وقد سميّنا القرية باسم معسكر العودة تأكيداً على حق العودة للشعب الفلسطيني باعتباره حقاً مقدساً لا يمكن التنازل عنه، وهو يعني فقط العودة للديار الأولى والتعويض عن المعاناة، وهي رسالة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري بأن شعبنا يرفض مقترحاته التصفوية".

 

وكان لافتاً أنّ معظم الناشطين المشاركين في "معسكر العودة" هم من الموظفين والعاملين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا". وتأتي مشاركتهم رداً على تجاهل المجتمع الدولي لمعاناة مخيمات اللاجئين التي تغرق في إضراب شامل منذ شهرين بسبب سياسية "أونروا" ضدهم.

إرادة التحدي التي أكدها المشاركون في "معسكر العودة" في عين البيضا انسحبت أيضاً على منطقة دير حجلة، حيث تمكن الناشطون من إنشاء قرية "عين حجلة" مساء الجمعة في مناطق الأغوار، بعدما نجحوا في التوافد إلى القرية من دون أن يلفتوا نظر سلطات الاحتلال إلى مخططهم.

وتعتبر سلطات الاحتلال هذه المنطقة خطاً أمنياً حساساً، وتمنع الفلسطينيين من استخدام الأراضي الزراعية أو استصلاحها أو العيش فيها.

عبد الله أبو رحمة، أحد الناشطين في القرية، تحدث لـ"الجديد" عن تحرّكه هو وزملائه بعد تمكنهم من إنشاء القرية. ويشير إلى أنه "منذ مساء الجمعة ونحن نقوم بتنظيف المنطقة ورعاية أشجارها وثرواتها الزراعية واستصلاح الأبنية الأثرية فيها بالرغم من اعتداءات جنود الاحتلال على الناشطين ومحاولتهم إفشال هدف الحملة من خلال محاصرة المكان وقطع المياه عن المنطقة لمنع المشاركين من الاستمرار وإجبارهم على المغادرة".

من جهتها، أوضحت الناشطة لمى نزيه، وهي عضو الهيئة التنسيقية لحملة "ملح الأرض"، أن خطة الناشطين تتضمن "وضع حدود للقرية وترتيب المنطقة ومعالجة الأشجار الموجودة، والأهم تحديد خطة أمنية للتصدي لاعتداءات جنود الاحتلال الذين فرضوا علينا طوقاً أمنياً ودهموا منطقتنا ومنعونا من التنقل لساعات طويلة وأطلقوا علينا وابلاً من القنابل الضوئية لإخافتنا".

وفي محاولة لتضييق الخناق على الناشطين، عمدت قوات الاحتلال إلى مصادرة المواد الغذائية ومياه الشرب التي كانت تحملها سيارة إسعاف، قبل أن ينجح الناشطون عبر مسيرة نظّموها باتجاه الحاجز العسكري الإسرائيلي، في استرجاع المواد، في خطوة تعكس "المقاومة الشعبية بأبهى صوَرها"، بحسب تعبير أبو رحمة.

المساهمون