"الإسلاموفوبيا" والانتخابات البلدية الفرنسية: مدينة تْرابْ تسجّل سابقة

"الإسلاموفوبيا" والانتخابات البلدية الفرنسية: مدينة تْرابْ تسجّل سابقة

21 مارس 2014
هولاند خلال زيارته إلى "المسجد الكبير" بباريس (يان لانغسدون)
+ الخط -

فشلت مختلف المراهنات على التصويت لشخصيات فرنسية غير مسلمة للدفاع عن مصالح المسلمين في فرنسا، ووجدت الجالية نفسها دائماً، وكأنما تستجدي تمثيلها. حالة مشتركة للعديد من أقليات فرنسا، اذ بات بالإمكان ملاحظة الانخراط في العمل السياسي، عند شبان فيتناميين وصينيين وكوريين والكثير من ذوي الجذور الأفريقية، من غير المسلمين، وتحديداً في "السياسة اليومية"، أو المحلية.
ولا يزال حقّ التصويت محصوراً بالمجنسين، على الرغم من وعود الرئيس السابق فرانسوا ميتران، ومعه اليسار، بمنح حق التصويت للمقيمين الأجانب. لكن هناك عوائق كثيرة تحول دون إقدام شخصيات من جذور إسلامية ناشطة في المجتمع المدني، بترشيح نفسها، باستقلالية عن الأحزاب الفرنسية الكبرى، إلى الانتخابات. من بين تلك الحواجز، أن "الصراعات القومية" لا تزال موجودة في أوروبا، وهي تنعكس سلباً على مثل هذا الترشيح، وعلى الدعم الذي يمكن أن يجنيه هذا المرشح أو ذاك. هو السبب نفسه الذي يجعل المسلمين في فرنسا عاجزين عن تأسيس هيئة موحدة قادرة على تمثيل المسلمين على "مائدة الجمهورية" (مثلاً في الأعياد الوطنية الفرنسية، إلى جانب بقية الطوائف). فولاءات مسلمي فرنسا لا تزال تُحسَم على أساس قومي وطني، فهناك جمعية ذات نفوذ مغربي، وأخرى ذات نفوذ جزائري، وسينغالي-مالي وتركي... حتى أنّ المسلم في فرنسا يحار أحياناً في معرفة يوم العيد أو يوم الصوم.

لقد حاول البعض خلق أحزاب إسلامية، ولكنها ظلت هامشية جداً. ويرى البعض، أن الحل يبقى، في الوقت الراهن على الأقل، في ترشُّح أصوات مستقلة في هذه الدائرة الانتخابية أو تلك، خصوصاً تلك التي تتميز بكثافة سكانية مُسلمة، تحت شعارات "التنوع" أو "المجتمع المدني" أو "خدمة المدينة".

والحقيقة أن قائمة مطالب الجاليات الاسلامية طويلة، ويمكن لأي مرشح مسلم أن يتبنّى منها ما يشاء، ما دامت المظالم التي تشكو منها هذه المجموعات كثيرة، لعلّ على رأسها العنصرية المتصاعدو ضد المسلمين (الإسلاموفوبيا).

وإذا كان الساسة الفرنسيون، في مقدمتهم رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند، لا يجد أدنى حرج في إدانة كل الاعتداءات اللاسامية وأنواع العنصرية التي تنتشر في فرنسا، فهو لا يجرؤ على استخدام مصطلح "الإسلاموفوبيا"، وكذلك فعلت وزيرة العدل كريستيان توبيرا، على الرغم من أن هذه الظاهرة موجودة باعتراف الجميع، شرط عدم تسميته باسمه الصريح "إسلاموفوبيا".

جديد الانتخابات البلدية الفرنسية بعد أيام، هو تصدي مرشح من أصول إسلامية لهذه المعضلة. فقد قرر سليمان بوسنة، دخول المعترك السياسي الانتخابي في مدينة تْرابْ ببرنامج يتضمن "محاربة الإسلاموفوبيا"، وهو ما يعني أن هذا المرشح قد أقدم على خطوة غير مسبوقة، وهو ما يعني أيضاً ربط العلاقة بين قبول الاسلام كدين فرنسي، والديموقراطية التشاركية. ويراهن هذا المرشح على إسماع صوتٍ غُيِّبَ خلال عقود في المشهد السياسي الفرنسي.

وبوسنة مهندس معروف، ومؤسِّس لأول ثانوية إسلامية خاصّة في منطقة "ليزيفلين" (من ضواحي باريس). كما أنه شارك في تأسيس مسجد تْرَابْ، وتحمل قائمته الانتخابية اسم "من أجل إسماع صوتنا".

بوسنة ليس الوحيد بين مرشحي "التنوع" في مدينة تْرابْ، لكنه الوحيد الذي تجرأ على إدخال "الإسلاموفوبيا" في الحملة الانتخابية. ويؤكد بوسنة أنه يتفهم تردد الآخرين إزاء هذه المسألة، ويكشف أن برنامجه يهدف في النهاية إلى "العودة إلى علمانية هادئة تحترم معتقدات وممارسات الجميع". وأمام عدم وجود تصويت سياسي إسلامي موحد ووازن، تُعتبر تجربة مدينة تراب سابقة، إذ أصبحت مسألة "الإسلاموفوبيا"، للمرة الأولى، موضوعاً انتخابياً بامتياز.

دلالات

المساهمون