الرجل الأخضر

الرجل الأخضر

02 يونيو 2018
مانويل ميارس/ إسبانيا
+ الخط -

يقف الطفلُ بباب الغرفة واضعاً يديه على رأسه. في عمر الخامسة على وجه التقريب، الضوء القادم من خلفه، فقط، يجعل منه صورة بتقنية السلويت أو تمثالاً أسود يُصالب يديه فوق رأسه.
ينظر ناحيتنا مُطوّلاً. يُنزل يديه ويدخل. أنا ممدداً إلى جوار أمه نصف العارية، أنزلقُ بسرعة، أخبئ رأسي تحت الغطاء، كما تفعل السلحفاة.

يقول من شبه العتمة: "أين هو؟ سمعتُ صوته!". يقترب إلى جانب السرير. يمدّ يده الصغيرة ويتحسّس رأسي، يتابع: "اه، إنه هنا. الرجل الأخضر!".
شعرتُ بالأسى، باءت حيلة مشاهدة التلفاز بالفشل. الطفل يقبض عليّ متلبساً لصق أمه. يسمّيني باسمٍ غريب: الرجل الأخضر.

يستمر في تحسّس رأسي. يُغلل أصابعه في شعري. ثم يبتعد. يجول في الغرفة قليلاً، بمسارٍ دائري.

"اذهبْ لمشاهدة الكرتون"، تقول الأم. لكنه لا يستجيب. يخرج عن المسار، يتّجه نحو السرير من الأسفل. يقف قليلاً ناظراً إلينا ثم يبدأ بالتسلّق. يندسّ في الفراش بين سيقاننا المُتداخلة، كالجديلة.

ينتصب رافعاً الغطاء معه. ينحسر الأخير عني وعن نهدي أمه المكتنزين، تُغطيهما بكفيها ضاحكة. يقولُ بصوتٍ مُتضخّم: "أنا الجبل!".

يخفّ توتري. نضحك بصوتٍ عال. وأردّد، بالنبرةِ ذاتها بصوتي الخشن: "أنا الجبل!".
يصمت برهة، ثم يطلق ضحكة مجلجلة لأولِ مرة، ويصرخ من جديد، بصوتٍ أعلى: أنا الجبل! منتظراً أن أُعيد الصدى!

ينهار ذلك الشيء، بهدوء. يزحف للخلف نازلاً عن السّرير. أشعر به وهو يستعين بساقي. "اذهْب حالاً إلى الكرتون!" تقول الأم من جديد. لكنه لا يستجيب، يعود للتّجول في الغُرفة، بمسار دائري آخر وبسرعة أكبر. يلمحُ شيئاً ما؛ حمالة صدر سوداء، مُلقاة على الأرض، كحشرةٍ مفصلية ضخمة، يبسطها أمامه، يُمسكها من ذراعيها ويقفز بها نحو الصالة، مصدراً صوتاً كصهيل الحصان.

تصرخ الأم: "توقف!، لقد مزقتها!"، لكنه يستمر بالصهيل المبحوح.

الوقت بعد منتصف الليل. الغرفة معتمة، لا تدخل إلينا إلا موجات ذائبة في بعضها البعض من ألوان الشاشة الكبيرة الصاخبة في الخارج. إنه يصرخ هناك، "الدون كي شوت"، موجهاً تعليماته للشخصيات الكرتونية. "اخفض صوتك!" تقول الأم، ثم تضيف مؤنبة، "لن أحضرك معي مرة أخرى!". لكنها تهمس لي: "كما لو أنني أستطيع أن أتركه وحده في البيت!".

يعود إلينا، ما زال فوق حصانه، يقفُ بباب الغُرفة من جديد. بالكاد رأسه يصل إلى المقبض. نتوقف بسرعة عما كنا نقوم به، تنزعج الأم ولا تملك إلا أن تضحك. يقترب من السرير، يدسّ يده الصغيرة ويعبث برأسي مرة أخرى، يقول: "هيه! أين أنت؟ أما زلتَ هنا؟" ثم يصمت قليلاً، يُضيف: "أنا الجبل!" متطلعاً إلي، بعينين لامعتين، بانتظار الرد. أردّد خلفه مضخماً صوتي أكثر هذه المرة. يضحك ويقهقه من جديد. تضحك الأم، لكن بحزن.

فجأة أشعر نحوه بحبٍ شديد. أمدّ يدي. أحمله، أقول له "هيا اصعد"، آخذه ليستلقي بيننا في السرير. يصالب يديه الصغيرتين على صدره. تمرّ عليه لحظات هدوء وسلام، يقول مُتطلعاً إلى السقف: "أيها الرجل الأخضر" أهمم: "مم؟". يستدير نحوي، يضع يده على خدي: "إنك ألطف من الرجل الأزرق. والبرتقالي أيضاً!".


* كاتب أردني

المساهمون