العالم يُقَشَّر الآن

العالم يُقَشَّر الآن

24 يناير 2018
("حقيبتي" لـ بشار الحروب/ فلسطين)
+ الخط -

حجرٌ

لا أحد يدري ما الذي يحتفظ به الحجر لنفسه.
شيء ضئيل القيمة، لكنه ملْكٌ له، كما الألم،
عالقٌ بين جلد الحذاء ونعله.

حين تخلعه، تتطاير الأوراق كدوامة في الأزقة العارية.
ما فاتَ مات، ولن يعود من جديد،
وأكوام من إشارات أخرى قيدَ الإتلاف.
رائحة المستوصفات القريبة. وهلّة صمت، ثم أكملِ الكلامَ.

ما الذي ستحتفظ به لنفسك، فليس هناك مَن يسمع.
أنت المقيمُ الوحيد في حجَرك.
ارمِه بعيداً وحسب.


■ ■ ■


بيضة

لحظة تقتلها على حافة المقلاة، لن تلحظ
أن البيضة تنبت عيناً في الموت.

إنها صغيرة للغاية، لا تُرضي
حتى الشهيّة الصباحية الأكثر تواضعاً.

لكنها بطبيعة الحال تراقب، بطبيعة الحال تتمعّن في عالمك.
ما الآفاق التي ترنو إليها، ولمن نظرات الأعينِ الزجاجية؟

أتُراها تُبصر الزمن، الذي يوغل باستهتار في الفضاء؟
مُقَلُ الأعين، مُقَلُ الأعين، القشور المتكسّرة، أفوضى هي أم نظام؟

أسئلة عويصة تستثيرها عين صغيرة كهذه في ساعة مبكّرة كهذه.
وأنا أنتم- أتريدون أنتم جواباً؟

عندما تجلسون، والعين في العين، وراء طاولة،
فإنكم سرعان ما تعمدون إلى تعميتها بقشرة خبز.


■ ■ ■


عُقْداتٌ

هناك عُقْداتٌ يمكنك بالفم تَحَسُّس مدى التّفنُّن في صنعها.
وهناك النوع الآخر الذي يأتي من سْمِيْرْنا.

هناك أخواتٌ لن تحرّرهن من ذاكرتك.
وأخوةٌ، لصيقون بك، ظهراً إلى ظهر.

وأمهات، نُسِجنَ ستراتٍ رثّةً.
وآباء، يقعون ليلاً في فخاخ هم أعدّوها.

وتلك العُقْدات تشبه شخصاً
ربط أذنَكَ سراً بحبلِ قِيادٍ.

كأنك هذا الحبل والعُقْداتِ عائلتُك.
فهمْ لا يتحدّرون من أصل غورديّ ولم يأتوا من سْمِيرْنا.

هم من هنا وهناك، وبيسْرٍ كما ببذْلٍ
استوطنوك. لوقت قريب مضى، منذ الأبد.

كنْ صبوراً مع عقداتك.
دعها تتنامَ، دعها تحكم الشّدَّ في سبيل السلام.

يبزغ النهارُ حين يطلعُ الحبل في صمت نؤومٍ.
ومثل درويش تنسلُّ خارجاً من ذاتك.


■ ■ ■


قبّعة

من يسكن تحت القبّعة؟
تحت القبّعة، التي هي ثلاثٌ؟
ثلاث قبّعات.

الثلاث، التي هي واحدة.
حين يتلاقى الجبينُ بالجبين.
حين تتلوّى الحوافُّ بغضب.

في تضاعيف الموسيقى البعيدة
يرفرف شريط حريري وريشة.
خمِّنْ! خمِّنْ!

تحت أيٍّ منها يجثم أملٌ صغير؟
أتحتَ التي يتملّكها الخوف الأجوف؟
أين يختبئ نصفُ العالَم؟

النصف الأول يتأمّلك.
الثاني إلى جهة النسيان.
الثالث يحلم بالاثنين الآخَرَين.

ثلاثة أنصاف لقبّعة واحدة.
ليس ثمة من يغيّر فِكْرَه تحتَها.
وحدها الرؤوس تتغيّر.

ثلاثة رؤوس، ثلاث قبعات.
إنها تستدير ببطء لتَدخلَ الفجر.
تتجرّدُ منها. أنت الفرد الأوحد.


■ ■ ■


الـمِبْشَرة

تتذكرين كيف رجعت أمّك، جوكاستا،
من حظيرة الخنازير بكفٍّ جرْحُها فاغر.

في سُعار الألم انفتحت النافذة.
خطَتْ إلى الخارج ثم خطَتْ خارجَ جسدها.

تتذكرين كيف كان والدك المشدوه يغيّر الضماد،
كيف، في منتصف طريق الفرار، صار لونُ حوافِّ الضمادِ أحمرَ.

هذه المرّة، هسيسُ الـمِبشرة يندّ عنك. العالم يُقَشَّرُ الآن.
تصبح شريحة التفاحة أصغرَ، لكن مَن يستخدمُ الآخَر؟

أأنت مجرد أداة للتفاحة التي في راحتك؟
تبْشرك بصمتٍ، بوذيةً يانعة، دفقاً مستمراً للفصيلة النباتية.

وحين تأتي عليك بكليّتك، افتحي عينيك، كما فعلت أمك
في المرة الماضية، على الجهة الأخرى من الجرح.


■ ■ ■


شوكولا

مات في سبيل أن يكون لوحَ شوكولا أمامك.
ويتمنى أن تستنفدي أنت أيضاً آلامَ موته.

دون حدود. ذلك الخوف والخلاص سيذوبان في فمك.
أمعاؤه الحلوة، تدابيره الملتوية الـمُرّة.

يطلب إليك أن تنزعي الغلاف الورقيّ عنه، كي تُعرّضي نفسك للضوء اللائق.
ما يفوقُ الكياسة. ما يفوق الرحمةَ والسماحة.

كلاكما يثير ما لا يُقال بلغة العطايا العجماء.
وما تكسره ثم تأكله، يكسرك ويغتذي عليك.

مريميّتك، الإحساسُ السرِّيّ بفمٍ خاوٍ هو إحساسه.
أصابعك، التي تفتّش عنه داخلَ الأدراج. لكن لا يحدث ذلك من طرفه.

عليك بالبقاء جائعة كي يُديمَ الربُّ عطاءَه.
ومتى أعطى ربُّك مرةً، سيبقى يأخذ بلا نهاية.


■ ■ ■


قطٌّ

أمُتيقّظٌ هو، لمن الحصاة، لمن النسيم في وبره؟
هو أبو الهول بابتسامة متكلّفة، متمايل مخصيّ مكسوّ بفراء.
حين يرفع ذيله، يوجّه بسكونٍ جنباتِ السماء اللعينة.
شَكوكٌ هو، وحذِراً يحيطُ العالَم في استغراقه بحلم يقظة.

يجتنب الطقسَ الرديء وفرداتِ السراويل الغريبة والانتماءَ إلى الأحزاب السياسية.
يفضّلُ أن يسترخي مثل عضو عصابة قتيل على درج البناء،
في كاتدرائية ضوء الظهيرة، قريباً من سقسقة الملائكة،
أو يتكوّر إلى زغب بين رنّاتِ المكان والزمان.

يقدّمُ نفسَه كي يُمسَّدَ مرتين فقط.
يدرك أن البشر يقتنون الكلابَ أكثر من الحُبّ.
حين يغمض عينيه، يزحطُ عن النباح في قلبك.
وحين يفتحهما، ينتثر غبار الذهب كأنه انسرب من قواريرَ متصدعةٍ

توضّعتْ عميقاً، عصيّةً حتى على الغطّاسين ذوي النفَسِ الأكثر طولاً.


بطاقة: Aleš Šteger شاعر وكاتب قصصي وناقد أدبي سلوفيني من مواليد عام 1973، وينتمي إلى جيل الكتّاب الذين بدؤوا النشر بعد تفكّك يوغوسلافيا. صدر له في الشعر: "ساعات الشطرنج" (1995)، و"كشمير" (1997)، و"نتوء" (2002)، و"يقول الكِتاب" (2005)، و"كتاب الأشياء" (2010)، و"فوق السماء، تحت الأرض" (2015)، بالإضافة إلى عدد من الكتب السردية والترجمات عن الألمانية والإسبانية.

* ترجمة: أحمد م. أحمد

المساهمون