الخلافة العثمانية

حرب طاحنة تدور في وجدانك الجمعي، تضغط على عصبك الحي، بل تفرمه فرما، وتسحق عظامك وأنت حي (لا ترزق!) فتحوّلك إلى وقود لآلتهم، يوصلونك إلى حافّة موتٍ تشتهيه وتطلبه فلا تحصل عليه ليحيى المجرم، يرفعونك قليلا من القبر فيُهيأ لك أنك اقتربت من عالم الأحياء.

ينبري الناطقون بالعربية، باحثين عن أحلامِ الأمة الواحدة، بلغة تنطق نطقا موحَدا، ومذهب مشترك، ورؤية قومية. رغم أن الإيقاع في كل البقاع مختلف عن بعضه، بل أحيانا لا يتفق كثيرا. هي رغبة قتل الخصوصياتِ لإعلان الأنا المسكونةِ بالتاريخ والمقدّس.

الوطن العربي يمرّ اليوم بواحدةٍ من أكثر الأزمات قسوةً في حياة أهله، فهو في حالةٍ مزريةٍ على كلّ الأصعدة، وفي كلّ الحقول تقريباً، ودلالات هذا تراها في الأرقام التي تصف حالة التخلف والتراجع والبؤس التي يعيشها في جوانب الحياة كافة،

"ستون سنة بسلطان ظالم خير من ليلة بلا سلطان"، "سلطان غشوم خير من فتنة تدوم"، "من اشتدّت وطأته وجبت طاعته"... هي مقولات انتشرت في في الفكر السياسي الإسلامي من قبل بعض العلماء والمفكرين الذين قبلوا بإمامة المتغلّب كأمرٍ سياسي واقع.

بات "النصر الإلهي" ميكانيزمَ كل مليشيا إسلامية مسلحة، حتى المُقاوِمَة والمُمانِعَة منها، وبأسطرة النصر، يصبح سرمدياً؛ لا يخضع للمقاييس الدنيوية العسكرية والفنية؛ خارج اشتراطات الواقع والتاريخ، فإما النصر أو الشهادة، والأخيرة ليست هزيمة بل غاية.

إذا دققنا في فسيفساء الصورة سنجد ما يقنعنا بأنّ التاريخ قد يعيد نفسه، بما كان سـائداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مرحلة الحرب البادرة، تذكّرنا مشاهد جديدة منها بمحطات من تاريخ السودان خلال تلك الفترة.