مبانٍ مهددة بالسقوط في تونس

مبانٍ مهددة بالسقوط في تونس

27 أكتوبر 2017
تهديد للسكان والمارة (العربي الجديد)
+ الخط -
لا يعود الحديث عن المباني المهددة بالسقوط في تونس إلّا بعد حصول الكارثة. فمشكلة تلك المباني ليست جديدة في ظلّ عجز الحكومات المتعاقبة عن الحلّ. وضعها معقد، إذ تعود ملكية بعضها لأجانب غابوا منذ عقود، ولا صيغة قانونية لكيفية تصرف الدولة فيها. كذلك، عجزت الدولة عن إرغام سكان بعضها الآخر على الخروج لهدمها. كلّها تشكل عبئاً على المدينة وخطراً محتملاً على السكان.

المباني المهددة بالسقوط لا تقتصر على مدينة واحدة، بل إنّ تونس بمختلف مدنها تضم نحو أربعة آلاف مبنى من هذا النوع بحسب وزارة التجهيز، معظمها مليء بالسكان من بسيطي الدخل الذين استأجروا المنزل بما لا يتجاوز 50 دولاراً أميركياً منذ عشرات السنين. وهو ما جعل تلك العائلات تتمسك بالسكن فيها على الرغم من أنّها تشكل خطراً عليهم وعلى المارة.
فاجعة مدينة سوسة التي وقعت ليلة الخامس والسادس من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري وأدّت إلى وفاة ستة أشخاص، من بينهم ثلاثة أطفال، في سقوط مبنى قديم بثلاثة طوابق في ساعات متأخرة من الليل، أشعلت الشارع. تقع إلى جانب المبنى ورشتا بناء لمبنيين جديدين، كذلك فاقمت الأمطار الغزيرة الوضع الذي انتهى بكارثة.

لم تكن الحادثة الأولى، فقد شهد عام 2015 انهيار ثلاثة مبانٍ بحسب وزارة التجهيز من دون تسجيل إصابات بشرية. كذلك، شهدت بعض المناطق الأخرى سقوط شرفات منازل قديمة أو أجزاء من جدرانها الأمامية على المارة وتسجيل إصابات خفيفة.

محمد علي حشيشة أصيب عام 2016 من جراء سقوط جزء من شرفة بيت قديم في المدينة العتيقة بصفاقس عليه. المدينة تشكو أكثر من غيرها من عشرات المنازل المتداعية للسقوط، والتي هجرها مالكوها، وأخرى يعيش فيها مستأجرون. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ كتفه انكسرت وأصيب رأسه بجروح يومها.

يشدد أهالي المنطقة التي وقعت فيها الحادثة مع حشيشة على خطورة تلك المباني، لا سيما أنّها تقع بالقرب من السوق المركزي المليء بالباعة والمتسوقين على الدوام، خصوصاً أنّها لم تشهد أشغال ترميم منذ أكثر من عشرين عاماً، ويعود تاريخ تشييدها إلى زمن الاستعمار الفرنسي كغيرها من المباني الأخرى المهددة بالسقوط، والتي تتميز بمعمار فرنسي أو إيطالي. يلفت هؤلاء إلى ضرورة إيجاد حلول عاجلة لتجنب تحول هذه المباني إلى مخابئ وأوكار للمتطرفين أو لأعمال مشبوهة، بالإضافة إلى تشويهها جمالية المدينة.

هناك دعوة للكشف على المباني المهددة بالسقوط (العربي الجديد) 


دفعت حادثة سوسة ولاة بعض الجهات إلى إصدار أوامر بضرورة إعادة الكشف على المباني في محافظاتهم وتحديد المهدد بالسقوط من بينها، واعتماد الدقة في تحديد العناوين ودرجة الخطر. وقد انتظمت جلسة عمل مفتوحة في مقر محافظة قابس أخيراً خصصت لمتابعة ملف المباني المهددة، بهدف تحديد التدخلات التي يتعين القيام بها لمعالجة الأوضاع القائمة. كذلك، جرى النظر في بعض الأوضاع التي تستدعي تدخلات عاجلة والتأكيد على وجوب تنفيذ قرارات الهدم الصادرة بشأن بعضها.

من جهته، دعا والي محافظة باجة حسين الحامدي كلّ بلديات الجهة إلى الكشف على المباني المهددة، واتخاذ الإجراءات الملائمة بشأنها حالة بحالة، والتفكير في تخصيص أماكن لإيواء سكانها. وقد جرى إحصاء 14 مبنى من هذا النوع معظمها يقع في المدينة العتيقة في المحافظة.



بدوره، يشير رئيس "الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الشاغلين لأملاك الأجانب" ماجد بوستة لـ"العربي الجديد" إلى خطورة تكرار حادث سوسة، خصوصاً أنّ الجمعية أكدت أكثر من مرة وجود قرابة ثلاثة آلاف عقار مهدد بالانهيار في كامل الجمهورية، وعلى الدولة التدخل العاجل لحماية سكانها أو المارة. يتابع أنّ العاصمة تضم أكبر عدد من تلك المباني، والتدخل يجب أن يسبق فصل الشتاء الذي يتسبب في انهيار أجزاء كبيرة على المارة، لا سيما مع تكرار سقوط الجدران والشرفات.

مشكلة المباني المهددة بالسقوط تعود إلى أكثر من 60 عاماً (العربي الجديد) 


بعد انشغال الرأي العام بحادث سوسة وما أثاره من انتقادات حادة، كشفت وزارة التجهيز أنّ المباني المهددة بالسقوط تعاني منها تونس منذ أكثر من 60 عاماً، وتكمن المشكلة في أنّ إعادة تجهيز هذه المباني أو هدمها يمنعه من لا ينفذون أحكام الهدم، ولا يرغبون في الخروج من تلك المباني. وقد انطلقت الوزارة في إعداد مشروع قانون يسمح للدولة والجماعات المحلية بالتدخل في ضوء عدم امتثال أصحاب العقارات لقرارات الهدم. كذلك، تغيب الآلية القانونية التي تمكّن الدولة من التدخل لإلزام المواطنين بالخروج من المباني المهددة بالسقوط.

في المقابل، عُقد مجلس الوزراء الأسبوع الماضي لمناقشة القضية، وجرى النظر في مشروع قانون يتعلق بالمباني المهددة بالسقوط، يضبط إجراءات ومراحل تشخيصها، وطرق معالجتها، وإجراءات وشروط التدخل المحلي والحكومي.
كذلك، وجّه رئيس الحكومة يوسف الشاهد تعليماته إلى وزراء الداخلية والتجهيز والإسكان والتهيئة الترابية والبيئة والشؤون المحلية بإرسال منشور مشترك إلى الولاة للكشف على المباني المهددة بالسقوط والانهيار والتأكد من وضع سكانها. ومع طلبه مراعاة الطابع المعماري في ما يتعلّق بالترميم وتحسين المشهد العمراني، أكد الشاهد على ضرورة إزالة العقارات المهددة بالسقوط وتعويض سكانها بمساكن لائقة.

دلالات