يتامى الزلزال... تجارب تركية جديدة للملمة الجروح

يتامى الزلزال... تجارب تركية جديدة للملمة الجروح

15 مارس 2023
دعم الأطفال الناجين ضرورة قصوى (عمر أورر/الأناضول)
+ الخط -

أعاد خبر عثور الشاب حسن تيجان (23 سنة) وزوجته أمل (19 سنة) على طفلهما يونس، بعد أكثر من خمسة أسابيع على الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية في السادس من فبراير/ شباط الماضي، الحديث عن "يتامى الزلزال".

وكشفت قناة "TRT Haber" عن عثور الوالدين اللذين يعيشان بولاية قونيا وكانا خلال الزلزال يقومان بزيارة أقربائهما في مدينة أنطاكيا، على الطفل يونس، الذي تم وضعه في الحاضنة بمستشفى كلية الطب بجامعة مصطفى كمال، فقد كان يونس بين الأيتام الذين تم نقلهم بطائرة إلى العاصمة أنقرة بتوجيه من زوجة الرئيس التركي أمينة أردوغان.
كما أحيا قضية الأطفال فاقدي أهلهم للطرح إعلانُ وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية عن تسليم 1543 طفلاً، تم انتشالهم من تحت الأنقاض إلى عائلاتهم بعد التحقق من هويتهم. وقالت الوزارة في بيان لها: "بعد التحقق من هوية المتقدمين، تم تسليم 1543 طفلاً إلى عائلاتهم، وتم نقل 95 من أطفالنا إلى مؤسسة الرعاية من قبل وزارتنا بعد علاجهم. تتم متابعة عملية العلاج المستمرة لـ 273 طفلاً في المستشفيات عن كثب".
في السياق، نجت سارة، الطفلة من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، باعتبارها مصابة بمتلازمة "داون"، بعد موت كل أفراد أسرتها بالزلزال في مدينة أنطاكيا، وتتواجد حالياً في مستشفى بمدينة أضنة حيث اضطر الأطباء إلى بتر يدها. 
وفي مدينة إسكندرون تقول الناجية ابتسام لـ"العربي الجديد": "ربما أدخل طفلتي إلى دار أيتام حين نخرج من المستشفى، أو نحاول تدبر أمورنا وحدنا بعدما فقدت زوجي وابنتين وابني في الزلزال".
وفي ولاية هاتاي تسابق كثيرون لتبني الطفل أحمد، الناجي الوحيد من أفراد أسرته، كما انشغل الرأي العام بقصة الطفلة حديثة الولادة آية بعد عرض مشاهير عالميين تبنيها على غرار الرضيعة عفراء التي نجت مع عمتها فقط في شمال غربي سورية.
وإلى جانب الأطفال الرضع الـ16 الذين فقدوا أسرهم بالزلزال في مدينة كهرمان مرعش، ونقلتهم في اليوم الثاني للكارثة طائرة رئاسية تركية بطلب من أمينة أردوغان التي تعهدت رعايتهم، فقد مئات من الأطفال أسرهم كلها، أو آباءهم وأمهاتهم، كما يروي الدكتور محمد حاج بكري لـ"العربي الجديد"، والذي فقد بدوره 27 من أفراد عائلته، ونجا بأعجوبة مع أسرته وبقي في أنطاكيا حيث يساهم مع 40 متطوعاً في مساعدة فرق الإنقاذ والطوارئ.
ويؤكد بكري أنه من المبكر تحديد عدد الأطفال الذين فقدوا معيليهم أو كل أفراد أسرهم، مشيراً إلى أن "المستشفيات وهيئة الإغاثة التركية (إي ها ها) الأكثر تكفلاً بالأطفال اليتامى حتى الآن، فيما تبذل دور رعاية كثيرة إلى جانب فاعلي خير ومتطوعين جهوداً كبيرة أيضاً للتكفل بأيتام، وهو ما يحتاج إلى تنظيم لتجنب أي استغلال أو متاجرة".

الصورة
تتكفل دور الأيتام في تركيا بمئات الأطفال اليتامى من الزلزال (أوزكي كيزيل إيليف/ الأناضول)
تتكفل دور الأيتام التركية بمئات من الناجين (أوزكي كيزيل إيليف/الأناضول)

كان نقل طائرة تابعة للرئاسة التركية 16 رضيعاً إلى دور الرعاية الاجتماعية بالعاصمة التركية أنقرة، والذين أطلقوا عليهم لقب "أطفال الحطام"، أخذ صدى واسعاً في تركيا دفع أشخاصاً حرموا من الإنجاب وفاعلي خير إلى عرض تبني أطفال ناجين.
ويقول العامل في "إي ها ها" جلال ديمير: "إذا استثنينا الآثار الاقتصادية والتنموية ووقفنا فقط أمام الحالات الإنسانية، فإننا نتعامل مع عشرات آلاف الضحايا، منهم أسر بكاملها، وأعدنا فتح مخيّم نيزب لاستقبال الأسر والأطفال من السوريين والأتراك معاً".
وفيما يضم مستشفى إسكندرون الحكومي نحو 260 طفلاً يتيماً من الولايات المنكوبة، أعلن المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، جيمس إلدر، أن عدد الأطفال المتضررين في الولايات التركية التي ضربها الزلزال يبلغ نحو 4.6 ملايين، محذراً من تزايدهم ووصول حصيلة الأطفال القتلى أو فاقدي أهلهم إلى "أرقام تحيّر العقل".
ويشير ديمير إلى أن "الوقت حان للنظر في أحوال الأسر الناجية، خاصة الأطفال، على صعيدي العلاج الصحي أو النفسي، أو حتى الكفالة لمن فقدوا معيليهم، علماً أن دور الأيتام في تركيا تتكفل بتربية اليتامى وتعليمهم وتأمين معيشتهم حتى بعد سن الـ18 عبر توفير أعمال ووظائف لهم".
ويوضح أنه "لا يمنع في تركيا أن تتبنى أسر أيتاماً شرط توفيرها متطلبات التربية والتعليم، والتحقق من كفايتها المالية وحسن سمعتها من أجل تجنب الاتجار بالكفالات أو حتى بالأطفال أنفسهم أو بأعضائهم".
بدوره، يقول الباحث باكير أتاكجان لـ"العربي الجديد": "ربما يصل إلى آلاف عدد الأطفال الذين فقدوا أحد أبويهم أو كليهما. وحالياً لا يوجد رقم معلن دقيق، فيما بدأت تركيا ضمن عمليات لملمة جروح الاعتناء بهؤلاء، سواء عبر دور الرعاية الحكومية حيث توجد مدينة أطفال كبيرة (إس أو إس) في ولاية أضنة، ومركز رئيسي لرعاية الأيتام في العاصمة أنقرة، وكذلك دور أيتام عدة في كل ولاية". 
ويشدد على ضرورة توفير المتكفلين بالأيتام الشروط، لافتاً إلى أن "وزارة الأسرة والضمان الاجتماعي تتكفل بالأطفال، خاصة فاقدي الأبوين أو مجهولي الهوية، وتؤمن لهم كل الاحتياجات حتى بلوغهم السن القانونية، أو تمنح الأسر التي تتبنى الأيتام، بعد درس ملفاتها والتأكد من حسن سمعتها رواتب شهرية في حال ساءت أوضاعها المالية".

الصورة
تتوالى دعوات كفالة الأيتام على وسائل التواصل الاجتماعي (أوزكي كيزيل إيليف/ الأناضول)
تتكرر دعوات كفالة الأيتام على وسائل التواصل الاجتماعي (أوزكي كيزيل إيليف/الأناضول)

وفيما تتوالى دعوات لكفالة الأيتام على وسائل التواصل الاجتماعي بعد الزلزال، أعلنت مجموعة من معلمي ولاية هاتاي إنشاء دار متخصصة لكفالة ورعاية وتعليم يتامى الزلزال. ويكشف مسؤول في المجموعة يدعى عمران لـ"العربي الجديد" أن "المبادرة بدأت بفكرة أن يقيم يتيم واحد مع أسرة معلم، ثم تطورت إلى تأسيس دور متخصصة لهذا الغرض في أماكن عدة مثل إسطنبول ومدينة الريحانية وحتى داخل سورية، ونحن لسنا جمعية أو مؤسسة، بل إخوة نتبرع بأموال ونخصص أوقاتاً لتنفيذ برامج ومشاريع. وفي الأساس، نحن مجموعة نعمل في التدريس والتدريب، ولا نتبع مؤسسات وغيرها، لكن الوضع أجبرنا على إنشاء دور رعاية وقبول تبرعات والتي لم نتلقَ أياً منها حتى الآن".
كما أعلنت دار "إحياء" استقبال أطفال يتامى ومجهولي الهوية نجوا من الزلزال، ويقول مسؤول فيها يدعى عماد يوسف لـ"العربي الجديد": "الدار مستعدة لاستقبال أي طفل بات بلا كفيل، والتعهد بتوفير الحضانة النفسية له أولاً، ثم التربية والتعليم حتى يصبح شاباً وقادراً على الإنفاق على نفسه".
ومن غازي عنتاب، تقول مديرة دار أيتام تأسست عام 2015 وطلبت عدم كشف اسمها، إن الدار استضافت يتامى بعد الزلزال، علماً أنها تضم أساساً نحو 200 يتيم يقيم بعضهم في مراكزها، أو تتكفل الدار بهم في منازل ذويهم. وتقدم الدار كل احتياجات اليتامى الذين وصل بعضهم إلى الجامعة.
وفي شأن الأوضاع الصحية للأطفال الذين خرجوا أحياء من تحت أنقاض البيوت المدمرة بالزلزال، يوضح الطبيب بكري أن كثيرين تعرضوا لإصابات جسدية في أماكن مختلفة من أجسامهم، ما استدعى نقلهم إلى المستشفيات حتى لو بدوا أصحاء بعد إنقاذهم، مشدداً على ضرورة إخضاعهم لفحوص جسدية وتصوير إشعاعي قبل الشروع في تنفيذ أي تصرف آخر على صعيد الإيواء أو التكفل بالمصاريف.

وتبقى الأمراض غير المنظورة الأخطر على سلامة الأطفال الناجين، كما يقول الطبيب النفسي محمد الدندل لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "مساندة الناجين خصوصاً على الصعيد النفسي، خاصة الأطفال، ضرورة قصوى كي تبتعد حياتهم قدر الإمكان عن الصدمات النفسية، رغم أن محوها كلياً من الذاكرة وإزالة تأثيراتها النفسية، أمران صعبان جداً، لكن الطفل يتمتع بمرونة في دماغه وخياله".
ويوصي أيضاً بأن يتماسك الأهل أمام الأطفال "فهلعهم يزيد الآثار، ويؤخر العلاج، خاصة أن محيط الناجين يذكرهم بالمأساة". ويشير إلى أنه فتح عيادته في إسطنبول مجاناً للمتضررين من الزلزال، الذين "يظهرون علامات توتر دائمة، ويخشون تكرار الزلزال في حال سماعهم أي صوت، كما تشكلت لديهم مخاوف من أي اهتزاز أو حتى من التواجد في أماكن مرتفعة".
إلى ذلك، وفرت مستشفى أتاتورك للتدريب والأبحاث في جامعة كاتب جلبي بولاية إزمير (غرب)، العون لناجين من الزلزال في كهرمان مرعش. ويوضح رئيس الأطباء في المستشفى أورخان كوك آلب، أن "مرضى خرجوا بعدما تلقوا الرعاية اللازمة واستقرت حالتهم".
ويؤكد الباحث باكير تاكجان أن بلاده سترعى جميع الأطفال الأيتام ومجهولي الهوية، علماً أن منظمة "إي ها ها" بنت وساهمت في تشييد أكثر من 32 دار أيتام في 11 دولة حول العالم، بينها في أفغانستان وبنغلادش وبوركينا فاسو وإندونيسيا وإثيوبيا والفيليبين والنيبال وباكستان والصومال وتايلاند وأوغندا، ومهماتها لرعاية الأيتام لا تنحصر في تأمين الغذاء لهم، إذ تلبي كل احتياجاتهم وتبني لهم مستقبلهم. 
ويصف تاكجان تركيا بأنها "أم اليتامى" بسبب رغبتها المستمرة في تقديم مساعدات إنسانية، ويذكّر بقدم دور الرعاية في تركيا، وبينها منظمة "دار الشفقة" التي تعمل منذ 156 عاماً لرعاية ودعم وتعليم الأطفال الذين أبصروا النور في ظل ظروف خاصة من فقر ويتم وحرمان. وهي أول منظمة مجتمع مدني تأسست في تركيا، وما زالت تقدم خدماتها التعليمية لـ934 طفلاً يتيماً في 76 ولاية تركية.

المساهمون