نائب لبناني يحشد لقانون من أجل توطين اللاجئين السوريين في بلد ثالث

نائب لبناني يحشد لقانون من أجل توطين اللاجئين السوريين في بلد ثالث أو ترحيلهم قسراً

16 اغسطس 2023
النائب الياس جراده خلال تحرّك شعبي سابق في العاصمة بيروت (فرانس برس)
+ الخط -

أثار تقديم النائب في البرلمان اللبناني الياس جراده اقتراح قانون يحثّ فيه على توطين اللاجئين السوريين في بلد ثالث أو ترحيل الوافدين خلسة إلى الأراضي اللبنانية قسراً بذريعة "تنظيم إقامة السوريين في لبنان"، ضجّة على الساحة اللبنانية، نظراً إلى ما يحمله من قوننة سرديات تعمل المنظومة الحاكمة على إرسائها في البلاد، وتترافق مع خطاب تحريضي يعزّز الكراهية يرتفع منسوبه في الفترة الأخيرة.

وتحشد الطبقة السياسية في لبنان لإرساء سرديات تقوم على تحميل اللاجئ السوري عبء الأزمة الاقتصادية أو الجرائم المرتكبة في البلاد، واللعب على وتر المساعدات العينية وكذلك المساعدات النقدية التي تصل إليهم من أجل قطعها عنهم، وذلك في وقت تتصاعد فيه الحملات الأمنية والاعتقالات التعسفية التي تمهّد لترحيل اللاجئين قسراً، من بوابة عدم حيازتهم على أوراق قانونية.

واستند جراده، في الأسباب الموجبة لاقتراحه، إلى قوله إنّ وجود السوريين بات باب رزق لكثيرين من طالبي اللجوء الذين باتوا يعتمدون على إنجاب الأطفال بهدف رفع قيمة المساعدات التي يتقاضونها من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والدول المانحة، وذلك تبعاً لتحديد مبلغ معيّن عن كلّ مولود. وهو ما يشكّل بحسب جراده تغييراً ديموغرافياً في تركيبة المجتمع، مع الإشارة إلى أنّ السلطات اللبنانية كانت قد تدخّلت في وقت سابق لوقف المساعدات بالدولار الأميركي عن اللاجئين.

كذلك رأى جراده أنّ هذا الوجود ساهم في ارتفاع مستوى الجريمة إلى أكثر من ثلاثة أضعافها مقارنة بما كانت عليه قبل وصول اللاجئين السوريين إلى لبنان، وفقاً لتقارير أمنية صادرة في هذا السياق. كذلك تؤكد التقارير نفسها، وفقاً لجراده، امتلاك عدد كبير من اللاجئين أسلحة حربية تمثّل خطراً على السلم الأهلي في حين يؤلّف بعض منهم جماعات إرهابية مسلّحة تهدّد الأمن الوطني.

وفي اقتراحه، عرّج جراده على الملف الاقتصادي، غامزاً من قناة تكلفة الوجود السوري على الخزينة اللبنانية التي تقدّر بمليارات الدولارات الأميركية نتيجة استهلاك الطاقة الكهربائية وخدمات كثيرة، تُضاف إلى ذلك المساهمة في زيادة تلويث الأنهر.

يُذكر أنّ المؤسسات العامة في البلاد والقطاعات بمعظمها تعاني من تدهور وشلل، ربطاً بالفساد المستشري وهدر المال العام.

الصورة
لاجئون سوريون في مخيم لجوء في لبنان (إبراهيم شلهوب/ فرانس برس)
العنصرية تستهدف هذه اللاجئة الصغيرة تماماً كما سواها من اللاجئين السوريين في لبنان (إبراهيم شلهوب/ فرانس برس)

وأشار النائب اللبناني إلى وجوب أن تلزم الحكومة اللبنانية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إمّا بتوطين السوريين في بلد ثالث في خلال سنة من إقرار القانون، وإمّا ترحيل الوافدين خلسة إلى الأراضي اللبنانية على الفور. وقد عدّ إقامة السوريين الحاصلين على الإقامة بموجب شهادة تسجيل صالحة صادرة عن المفوضية منتهية الصلاحية، الأمر الذي يستوجب إعادة حامليها قسراً إلى بلادهم.

أمّا بخصوص السوريين الوافدين بهدف العمل، فقال جراده إنّ عليهم الاستحصال على إقامة عمل، بحسب اقتراح القانون الذي يمنع تسوية أوضاع أيّ من الرعايا السوريين الوافدين خلسة أو المسجّلين لدى المفوضية بعد مهلة أقصاها سنة من إقرار القانون. وشرح أنّ كلّ سوري لا يستحصل على الإقامة يصنَّف مقيماً غير شرعي، ويُصار إلى توقيفه بإشارة من النيابة العامة المختصّة بجرم الإقامة غير المشروعة، على أن يرحّل حكماً بعد صدور حكم بحقه يقضي بذلك.

واستثنى جراده من اقتراح القانون الذي يطرحه البعثات الدبلوماسية السورية وكذلك السوريين الذين دخلوا لبنان بقصد السياحة أو التعليم الجامعي أو العمل وفقاً لأحكام القانون.

واتّهم جراده المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالتصرّف كدولة ضمن دولة، وبعدم التعاون بشفافية مع السلطات اللبنانية، فيما اتّهم البرلمان الأوروبي بالعمل على تكريس واقع يتعارض مع سيادة لبنان ومصالحه الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية والديموغرافية وغيرها، بما يشكّل من تهديد أمني وكذلك استراتيجي على المدى القريب أو المتوسط.

وأثار اقتراح القانون موجة انتقادات طاولت الياس جراده، متّهمة إياه بالتحريض ضدّ اللاجئين، ومستغربة صدور مثل هذه المواقف عنه، إذ إنّه سبق أن نصّب نفسه من نواب التغيير الذين يرفعون شعار انتفاضة "17 تشرين" التي شهدتها البلاد على الطبقة الحاكمة وممارساتها. وفي المقابل، لاقت خطوة جراده بعض تأييد لجهة ضرورة إيجاد حلّ لأزمة الوجود السوري في لبنان بعد سنوات طويلة على ذلك.

وحاول "العربي الجديد"، في وقت سابق من اليوم الأربعاء، الاتصال بجراده للتحدّث عن الموضوع، خصوصاً أنّ له مواقف عدّة بهذا الإطار، فهو سبق له أن دعا إلى إقرار قانون يُلزم الحكومة بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في خلال ثلاث سنوات، لكنّه ردّ واعداً بمعاودة الاتصال، إذ إنّه منشغل في المستشفى حيث يعمل طبيباً، غير أنّه لم يفعل حتى الآن.

وفي هذا الإطار، يقول المسؤول الإعلامي في "مؤسسة سمير قصير" جاد شحرور لـ"العربي الجديد" إنّ "اللغة المستخدمة في اقتراح القانون ليست لغة قانونية، خصوصاً أنّها تستخدم مصطلحات مثل الإعادة القسرية التي تناهض حقوق الإنسان"، مشيراً إلى أنّه "لا يفترض أن تكون صادرة عن نائب يعدّ نفسه تغييرياً. ومن هنا، كان يجب التدقيق بآلية تقديم الاقتراح واللغة المستخدمة".

في المضمون، يرى شحرور أنّ "ثمّة أفكاراً ملفتة للنظر لجهة أنّها تحاكي سردية النظام في ما يخصّ تحويل الأزمتَين السياسية والاقتصادية، واعتبارهما نتيجة للجوء السوري، من قبيل ازدياد معدّل الجريمة والولادات وأزمة المحاصيل وتصريفها، وغيرها من الأفكار التي تتلاقى مع تلك التي تصدر عن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل".

يضيف شحرور أنّ "من شأن هذه الخطوة أن تؤجّج العنصرية وتخلط أسباب الأزمتَين الاقتصادية والسياسية بالوجود السوري، وهو أمر مرفوض ويشوّه الخطاب الذي يفترض أن يرتكز على تنظيم وجود اللاجئين، بغضّ النظر عن جنسيتهم، وذلك من الناحية القانونية مع مراعاة كلّ حقوقهم كلاجئين ووقف التعامل العنصري معهم. وفي حال طُرحت الإعادة، فلا بدّ من أن تكون طوعية لا قسرية، وتأتي بعد دراسة موسّعة وبالتنسيق مع الجهات الحقوقية، مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، آخذة بعين الاعتبار الظروف السياسية والأمنية لعودة اللاجئين والمناطق الآمنة للعودة.

الصورة
مخيم لاجئين سوريين في لبنان (أنور عمرو/ فرانس برس)
في أحد مخيّمات اللاجئين السوريين في لبنان (أنور عمرو/ فرانس برس)

من جهته، يقول المحامي علي عباس لـ"العربي الجديد" إنّ "من الممكن أن يُقدَّم اقتراح قانون من قبل نائب واحد أو أكثر، ويُحال أوّلاً على اللجنة أو اللجان المختصة تبعاً لموضوعه، ثمّ إلى اللجان النيابية المشتركة في حال الحاجة إلى التوسّع في النقاش. وعند إقراره يُحال إلى الأمانة العامة لمجلس النواب، بهدف عرضه في الجلسة التشريعية الأولى التي تُعقد تالياً. فإذا صوّت البرلمان عليه، يصبح قانوناً ويُنشَر في الجريدة الرسمية. وثمّة اقتراحات تحتاج إلى مراسيم تطبيقية عندها تُحوَّل إلى الحكومة من أجل ذلك، وإلا تبقى حبراً على ورق، وهي حال قوانين عديدة".

ويلفت عباس إلى أنّ "ثمّة لاجئين مسجّلين رسمياً لدى الأمم المتحدة، وبالتالي لا يمكن ترحيلهم لأنّ لبنان موقّع على شرعة حقوق الإنسان والاتفاقية الدولية التي تمنع تعريض اللاجئ الفار من الموت للخطر بإعادته. أمّا بالنسبة إلى الداخلين خلسة أو عبر المعابر غير الشرعية، فإنّ الملف يُحوَّل إلى القضاء الذي يحكم إمّا بتغريمهم وإمّا بترحيلهم".

ويرى عباس أنّه "بغضّ النظر عمّا أثير، فإنّ ما يتذرّعون به لن يُحَلّ بهذه الطريقة. ففي حال بقيت المعابر غير الشرعية مفتوحة وبلا ضبط لها وللحدود، فإنّ الذين دخلوا الأراضي اللبنانية خلسة وعبر مهرّبين لقاء مبالغ مالية بالدولار الأميركي، سوف يعاودون الكرّة (بعد ترحيلهم). من هنا، لا بدّ من إيجاد حلّ في لبنان للحدود ومنع التسلل، قبل التطرّق إلى هذا الموضوع".

تجدر الإشارة إلى أنّ الأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر أفاد "العربي الجديد" بأنّه حتى لحظة كتابة هذا التقرير لم يتلقّ اقتراح القانون هذا بعد.

في السياق نفسه، يرى المحامي أيمن رعد في حديث إلى "العربي الجديد" أنّ "المشكلة تكمن في التوزيع السياسي في داخل البرلمان. فإذا وصل الاقتراح إلى الهيئة العامة لمجلس النواب، من الممكن أن يمرّ، أي أن يُقرّ". ويشدّد رعد على أنّ "الاقتراح يحتوي على كثير من العنصرية و(يُصنَّف في إطار) خطاب الكراهية، عدا عن اعتماده مغالطات ومعلومات خاطئة في الأسباب الموجبة التي استند إليها (الياس جراده) في مقدّمتها الحديث عن الولادات لزيادة الدخل. فالأموال التي تتقاضاها العائلات محدّدة بعدد الأطراف، كما أنّها أصلاً لا تكفي للعيش بالحدّ الأدنى في لبنان، عدا عن أنّها تخصَّص لعدد من العائلات وليس لكلّ اللاجئين. بالتالي فإنّ ما يعدّه النائب جراده تجارة مربحة هو ليس كذلك".

يضيف رعد أنّ "الحديث عن الجرائم وحيازة الأسلحة وتأليف جماعات إرهابية لا يستند إلى أيّ أرقام رسمية ومستندات توثّق ذلك، في حين أنّ الحديث عن ترحيل الذين دخلوا الأراضي اللبنانية خلسة أو لديهم بطاقات لجوء منتهية الصلاحية لمجرّد أن زمناً مرّ عليها، فهو مخالف للأنظمة والقوانين الدولية". ويتابع رعد أنّ "أسوأ ما في ترحيل السوريين الذين لا يملكون أوراقاً قانونية هو أنّهم بغالبيتهم معارضون للنظام السوري، وقد دخلوا إلى لبنان خلسة لأنّ ثمّة عراقيل وُضعت في طريقهم تحول دون إنجازهم المعاملات في السفارة السورية. وبغضّ النظر عن ذلك كله، فإنّ سورية ما زالت في حالة حرب ومنكوبة، والموجودون في لبنان هم لاجئون، ولا يمكن أبداً استخدام كلمة ترحيل قسري".

المساهمون