مستشفيات تونس "مقبرة أولى" لجثث المهاجرين

مستشفيات تونس "مقبرة أولى" لجثث المهاجرين

18 مايو 2023
حالف الحظ هؤلاء المهاجرين في النجاة من الغرق (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

ارتفع نسق محاولات الهجرة من تونس إلى أوروبا خلال السنوات الأخيرة، وزادت خصوصاً خلال الأشهر الأخيرة. ورغم إحباط مئات من عمليات الهجرة السريّة، انتهت بعضها بحصول حوادث مأساوية لغرق مراكب وفقدان مئات من المهاجرين، في مقابل إنقاذ عدد كبير، وهو ما يحصل يومياً تقريباً. وغالبية المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء كانوا دخلوا التراب التونسي عبر الحدود مع الجزائر أو ليبيا. 
وقد اهتمت جمعيات عدة بملف الهجرة السرّية إلى جانب الحكومة، لكن لا إحصاءات دقيقة لعدد المهاجرين السرّيين الوافدين على تونس أو عدد الذين فقدوا في عرض البحر، علماً أن الأجهزة الحكومية لا تنشر سوى عدد الجثث التي تنتشلها أو التي يلفظها البحر، وهي تكون مجهولة الهوية غالبيتها لمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء. 

وكان المتحدث باسم الحرس الوطني التونسي حسام الجبابلي أعلن إنقاذ 14.406 مهاجرين بينهم 13.138 ألفاً يتحدرون من أفريقيا جنوب الصحراء، والباقون تونسيون، في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي. 
ومنذ يناير/ كانون الثاني الماضي أعلنت السلطات التونسية في أكثر من مناسبة انتشال جثث لمهاجرين غالبيتهم أجانب. 
وذكر الجبابلي أنه جرى انتشال 210 جثث خلال ثلاثة أيام فقط، فيما أحصى المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 220 ضحية على الأقل بين موتى ومفقودين خلال الفترة بين مطلع العام الحالي و24 إبريل/ نيسان الماضي.
من جهته، أشار تقرير إحصائي يتعلق بالهجرة غير النظامية نشره المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى أن نحو 500 مهاجر لاقوا حتفهم أو ما زالوا مفقودين في حوادث غرق قبالة السواحل التونسية منذ بداية هذا العام. 
وتشهد محافظتا صفاقس والمهدية أكثر من 70 في المائة من عمليات إبحار المهاجرين، لذا تنتشل غالبية الجثث من سواحل هذه المناطق، أو يعثر عليها على شواطئها بعد أن يلفظها البحر. 
وخلق انقاذ المهاجرين وإدخالهم إلى التراب التونسي جدلاً كبيراً خلال الآونة الأخيرة بين من يقبلون بإدماجهم في المجتمع التونسي، وبين من يرفض وجودهم، لكن المشكلة الأكبر باتت ترتبط بارتفاع عدد الجثث خلال الفترة الأخيرة في شكل لم تعد تستوعبه المستشفيات، خصوصاً المستشفى الجامعي في صفاقس، علماً أن تونس تطبق عدة إجراءات قبل دفن الجثث من أجل إثبات هوية كل جثة وتنظيم ملفاها بعد إجراء فحوصات الحمض النووي (دي إن إي). كما تعمل النيابة العامة في صفاقس لتسريع إصدار تصاريح الدفن بعد تنفيذ كل الإجراءات الضرورية. وتحرص السلطات على منح رقم خاص لكلّ جثة، وتحضير بيان خاص بها يتضمن البيانات المتوفرة من صور وتحاليل وحمض نووي. وهذه الإجراءات طويلة بعض الشيء قد تعطل عمليات الدفن بسرعة، وتحتم تكدّس الجثث في غرف الأموات بمستشفى صفاقس الذي تبلغ طاقته الاستيعابية 35 جثة، لكنه استقبل أكثر من 50 جثة مرات عدة، لا سيما خلال فترة الصيف التي تشهد ارتفاعاً في عدد عمليات الهجرة غير نظامية. 

الصورة
حالف الحظ هؤلاء المهاجرين في النجاة من الغرق (ياسين قايدي/ الأناضول)
عمليات إنقاذ يومية لمهاجرين سريين في صفاقس (ياسين قايدي/ الأناضول)

ويشير حاتم الشريف، مدير دائرة الصحة في محافظة صفاقس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن المستشفى الحكومي في المدينة يعاني من مشكلة ارتفاع عدد جثث المهاجرين السرّيين، خاصة أن طاقة استيعابه القصوى تبلغ 35 جثة فقط، ولم تخضع غرفة الموتى داخله لأية إجراءات صيانة أو توسيع من أجل استيعاب عدد أكبر من الجثث، رغم أن المشكلة قائمة منذ سنوات". 
يضيف: "تنسق إدارة المستشفى مع الشرطة لتسريع عمليات أخذ العينات من الجثث وإخضاعها لتحليل في أسرع وقت من أجل تسريع عمليات الدفن. كما يجري التنسيق مع البلديات لتخصيص أماكن لدفن المهاجرين خصوصاً أن السلطات واجهت خلال السنوات الأخيرة مشكلة تتعلق بتوفير مقابر خاصة بالمهاجرين بعد رفض أهالي المنطقة دفن جثث المهاجرين في مقابرهم". 
ويصرّ على أن "الحكومة يجب أن تجد حلولاً للمشاكل المرتبطة بمهاجرين، خصوصاً أنّ موجة الهجرة السريّة ترتفع أكثر خلال فترة الصيف". ويرجح أن تزداد حدة الأزمة خلال الأشهر القادمة، في حين أعلن خفر السواحل أن عناصره أوقفت أكثر من 17 ألف شخص في البحر خلال الأشهر الأربعة الأولى من العالم الحالي، مقارنة بحوالي 3000 في الفترة ذاتها من العام الماضي. 
وبين المشاكل أيضاً إيجاد مكان لدفن جثث هؤلاء المهاجرين، بعدما طالب السكان بتوفير مقابر خاصة بالمهاجرين، ما يجعل البلديات تواجه مشاكل كبيرة في توفير أراضٍ في مناطق عدة بالمدينة. 

ويوضح الشريف أنّ السلطات في صفاقس وفرّت أخيراً مساحات لـ10 مقابر من أجل دفن جثث المهاجرين السرّيين، مشيراً إلى أن المدينة تشكل نقطة انطلاق لأكبر عدد من عمليات الهجرة السرّية، وشهدت خلال السنوات الأخيرة أحداثاً مأساوية جراء غرق عشرات السفن التي أقلّت مهاجرين". 
وتحذر العديد من المنظمات الحقوقية من كارثة بات يشكو منها كل الوافدين إلى مستشفى صفاقس بسبب انتشار روائح الجثث المتحللة التي يجري إيواؤها لأخذ عينات منها قبل دفنها. وتطالب هذه المنظمات بضرورة تخصيص أرض على أحد أملاك الدولة كمقبرة لجثث المهاجرين. 

المساهمون