مرصد حقوقي: السلطات العراقية تماطل في حسم ملف جثث الموصل

مرصد حقوقي: السلطات العراقية تماطل في حسم ملف جثث الموصل تجنباً لافتضاح العدد الحقيقي

09 ديسمبر 2020
مخاوف من افتضاح العدد الكبير للضحايا (العربي الجديد)
+ الخط -

كشف مرصد حقوقي عراقي، اليوم الأربعاء، عن وجود المئات من رفات المدنيين من ضحايا معركة الموصل، ما زالوا تحت الأنقاض، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على استعادة السيطرة على المدينة الواقعة شمالي العراق، من سيطرة تنظيم "داعش"، منتصف يوليو/تموز 2016.

ونشر مرصد "أفاد"، المعني بالقضايا الحقوقية والإنسانية في العراق، تقريرا ميدانيا قال فيه إن فريق الرصد الخاص بالمرصد انتقل من العاصمة بغداد إلى مدينة الموصل، وعمل على مدار أسبوع كامل في التقصي والبحث وجمع الشهادات، بسبب مخاوف السكان من التحدث، لما يلاقونه من مضايقات أمنية وأخرى من مليشيات وأحزاب متنفذة في المدينة.

ووفقا للمرصد، فإن ما بين 700 إلى 1000 جثة لمدنيين، ما زالت تحت الأنقاض لغاية الآن وهي الجثث المعلومة، لكن قد يرتفع العدد إلى الضعفين في حال رفع أنقاض المنازل والمباني الأخرى التي ما زالت جاثمة لغاية الآن.

مبينا أن المدينة القديمة في الموصل تحتوي على أكبر عدد من جثث الضحايا، وكثير منهم عوائل كاملة استشهدت في منازلها بفعل القصف الجوي والصاروخي الذي شهدته الموصل خلال معارك طرد تنظيم "داعش"، منها.

وأضاف المرصد أنه "تأكد وبالاستناد إلى جملة وثائق ومعلومات، من سجلات المقابر في المدينة ولموظفين في الدفاع المدني ودائرة بلدية الموصل وقائم مقام الموصل، بوجود اتفاق ضمني يعود إلى حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، واستمر العمل به في حكومة عادل عبد المهدي ورئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، على عدم استخراج ضحايا القصف والعمليات العسكرية مرة واحدة، خشية من افتضاح العدد الكبير للضحايا المدنيين الذين سقطوا خلال عمليات استعادة السيطرة على المدينة، من خلال ترك ملف الجثث المجهولة تدريجيا، بحيث لا تستخرج أعداد كبيرة في المرة الواحدة، لذا ترك الأمر في السنوات الثلاث الماضية على حملات خجولة، وعرقلت خلالها السلطاتُ حملات ناشطين مدنيين في هذا الأمر وأوقفتها".

معتبرا أن "عمليات العثور على جثث الضحايا (الرفات)، ما تزال رهن الصدفة من قبل أقرباء الضحايا، أو عمليات الترميم ورفع الأنقاض، وتتواصل خلال ذلك سحق الكثير من عظام ورفات وأجزاء من الضحايا تحت إطارات الجرافات وآلات الحفر والرفع، يشجع على ذلك جشع تجار الأنقاض الذين يواصلون تجارتهم بشكل ساهم في إنهاء الأمل في توفير قبور معروفة على أقل تقدير للضحايا الذين قضوا بفعل القصف".

منوها إلى أن سكان الأحياء القريبة من مناطق الجثث يعانون من الروائح التي تنبعث بعد المطر أو هبوب رياح شرقية على المدينة، إذ تتحول بعض الأحياء إلى رائحة موتى، فضلا عما تتسبب فيه من آثار نفسية على السكان فهي خطيرة على صحة الأهالي، وتم التعرف في الأيام الماضية على رفات أسرة كاملة، تبين من طول عظم الساق والجماجم والملابس أنها لعائلة استشهدت نتيجة قصف منزلها.

وكشف المرصد أيضا عن شكاوى وإفادات شهود عيان ومصادر طبية بوجود تزييف وتلاعب في هوية الضحايا من كونهم مدنيين إلى اعتبارها عائدة لمسلحين من عناصر تنظيم "داعش"، للتخلص من المسؤولية الأخلاقية والقانونية، رغم أن بعضها تعود لسيدات من خلال الملابس أو عرض عظم الحوض، وأخرى لأطفال يتضح ذلك من طول عظم الساق أو قطر الجمجمة".

مشيرا إلى أن شهادات أطباء ومتطوعين تشير إلى أن قسما من الضحايا دفنوا أحياء، وكانت هناك إمكانية لإنقاذ الكثير منهم واستخراجهم من تحت الأنقاض في الأيام الخمسة الأولى، لكن السلطات لم تكن مهتمة أساسا لهذه القضية.

شهادات أطباء ومتطوعين تشير إلى أن قسما من الضحايا دفنوا أحياء وكانت هناك إمكانية إنقاذ الكثير منهم واستخراجهم من تحت الأنقاض في الأيام الخمسة الأولى، لكن السلطات لم تكن مهتمة أساسا لهذه القضية

ونقل التقرير عن سكان محليين أنهم ينقلون عظام ورفات ضحايا يعثرون عليهم قرب منزلهم من خلال "كرتون البيض والفاكهة"، بسبب التخلي الحكومي عن القضية. محمّلا السلطات الحكومية العراقية المسؤولية الأخلاقية والقانونية، من بقاء ملف جثث مئات الموصليين تحت الأنقاض لغاية الآن، وكذلك مسؤولية عمليات العبث وعدم احترام قدسية رفات الموتى، مطالبا في الوقت نفسه بـ"الكشف عن سبب عرقلة جهود إطلاق حملة شاملة لاستخراجها، لأن دخول العام الرابع والجثث تحت الأنقاض يؤكد أن هناك تورطا حكوميا بمحاولة التكتم على الجرائم، التي ارتكبت في معركة الموصل بحق الأبرياء، في محاولة لمنع ظهور عدد الضحايا  مرة واحدة وجعل ذلك على شكل (أقساط) وهو التعبير الذي استخدمه الدفاع المدني الذي شارك في عمليات الاستجابة لرفع الرفات التي تظهر على سطح الأرض بفعل عمليات التعرية، أو استخراج القوارض والحيوانات السائبة لها".

وتعليقا على ذلك، قال المتحدث باسم مرصد "أفاد"، زياد السنجري، في اتصال هاتفي من العاصمة النمساوية فيينا، لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ ثلاث سنوات وأكثر على انتهاء العمليات العسكرية في الموصل، التي شهدت جرائم إبادة كاملة، وحتى الآن ما زالت جثث أطفال ونساء تحت الأنقاض بدون أي تحرك أو حتى اهتمام حكومي"، ويضيف أنه منذ انتهاء المعارك في محافظة نينوى عموما انتشلت أكثر من 8 آلاف جثة، منها 6 آلاف في الموصل وحدها، لكن نحن الآن بصدد الضحايا الآخرين ويقدرون بأكثر من 3 آلاف جثة، المعلوم منه والذي تم الإبلاغ عنه يصل إلى ألف والبقية منتشرة في مواقع المنازل والمباني المدمرة للأسف".

ويبين السنجري أنه رغم إنسانية الملف وبعده الأخلاقي، لكن الحكومات المتعاقبة ليست لديها مشكلة في عظم لساق طفل هنا أو جمجمة لسيدة هناك وأضلاع قصف صدري لرجل، وهذا ما يؤكد أن الحكومة والأحزاب السياسية المشاركة فيها عموما تعاني من أزمة خلاقية وإنسانية كبيرة".

وحول ذلك، علق الصحافي العراقي رياض الحمداني وهو من سكان الموصل بالقول: "بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على تحرير الموصل، هذه الجثث أصبحت مشهدا طبيعيا لأهل تلك المناطق، وهي سبب لانتشار الأمراض الجلدية المعدية التي يشكو منها الناس".

فيما قالت أغرودة موصلية: "إكرام الميت دفنه ثلاث سنوات ومازالت الحكومة غير قادرة على انتشال الجثث من تحت الأنقاض عار وعيب وخزي، والله الأهالي من حقها تدفن موتاها وتعرف مصير أبنائها يكفيكم حقد لانريد إعمارا منكم ستبنى الموصل من خيرات أهلها".

المساهمون