ليبيون يغامرون عبر البحر وسط صمت حكومي

ليبيون يغامرون عبر البحر وسط صمت حكومي

02 اغسطس 2022
خلال عملية إنقاذ مهاجرين سريين (الأناضول)
+ الخط -

ليس مستغرباً أن تزداد هجرة الليبيين من خلال قوارب الموت التي تنطلق من شواطئ البلاد الغربية، في ظل تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية، وغياب أي اهتمام حكومي. وفي منتصف يونيو/ حزيران الماضي، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يظهر نجاح عدد من الشباب الليبيين في الوصول إلى أحد شواطئ الدول الأوروبية. 
وعلى الرغم من التشكيك في صحته، إلا أن فيديو سبقه أظهر عدداً من الصيادين الليبيين وقد تمكنوا من إنقاذ مواطنين قذفتهم الأمواج على مقربة من الساحل بعد غرق مركبهم، ليتبين لاحقاً وفاة طفلين بعد غرق القارب". وعلى غرار الحوادث السابقة، لم يصدر عن السلطات أي تعليق. إلا أن الحادث الذي توفي فيه الطفلان لقي اهتماماً إعلامياً واسعاً. ويؤكد رئيس مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان طارق لملوم، أن "الحادثة ليست مفاجئة. فخلال السنوات الثلاث الماضية، زاد عدد الليبيين الذين يختارون الهجرة عبر البحر"، معرباً عن انزعاجه من تجاهل السلطات الليبية الاعتراف بما يحصل مع التركيز على غير الليبيين فقط". 

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

ويشير لملوم إلى أن أحد أهم الأسباب التي تدفع الأسر والشباب إلى الهجرة يرتبط بالأزمة المعيشية والبطالة وفقدان الشعور بالأمان وغيرها. ولدى سؤاله عن مدى احتمال إعلان الحكومة أية موقف أو التدخل، وخصوصاً بعد وفاة الطفلين، يقول: "الأمر مستبعد، إذ إن الأزمة تعود إلى سنوات، وتدرك الحكومات المتعاقبة لجوء الليبيين إلى الهجرة عبر البحر". 
وشهدت شواطئ ليبيا الغربية، التي تنشط فيها حركة تهريب المهاجرين السريين، العديد من حوادث الغرق. ففي يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، رست سفينة إنقاذ إيطالية في ميناء إيطالي وعلى متنها 32 مهاجراً سرياً من الجنسية الليبية، أنقذوا من الغرق بعد إطلاق نداء استغاثة قبالة شواطئ ليبيا. وفي أغسطس/ آب 2020، أعلنت منظمة "أطباء بلا حدود" إنقاذ ثلاثة شبان ليبيين تراوح أعمارهم ما بين 18 و22 عاماً، من أصل 356 مهاجراً أنقذوا من عرض البحر المتوسط ونقلوا إلى مرفأ فرنسي. 
ويقول رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أحمد حمزة، إن الحوادث المتتالية أصبحت تشكل ظاهرة حقيقية، لافتاً إلى أنها "متفاقمة بين الشباب الليبي". ولا يحصر حمزة، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، أسباب ظاهرة هجرة الليبيين السرية عبر قوارب الموت بالسعي للعلاج فقط، بل هي نتيجة "سوء الأوضاع المعيشية والوضع الأمني، وانتشار الجريمة في البلاد وغيرها".  

الصورة
تركز السلطات الليبية على غير المواطنين فقط (محمود تركية/ فرانس برس)
تركز السلطات الليبية على غير المواطنين فقط (محمود تركية/ فرانس برس)

في ما يتعلق بأعداد الضحايا، يقول حمزة إن ما لا يقل عن عشرة ليبيين لقوا حتفهم غرقاً في البحر خلال عامي 2020 و2021، في وقت تمكن ما بين 200 و300 شخص من الوصول إلى الشواطئ الأوروبية خلال الفترة نفسها، علماً أنه ما من إحصائيات رسمية. ويرى أن عدم اعتراف السلطات بهجرة الليبيين يعكس فشل الحكومات المتعاقبة في تأمين حياة كريمة وآمنة للمواطنين. 
إلى ذلك، لا تعكس الأرقام التي أعلنها حمزة واقع الحال في البلاد. ففي فبراير/ شباط الماضي، أعلنت منظمة الهجرة الدولية وصول 386 مهاجراً ليبياً إلى إيطاليا خلال عام 2020، مشيرة الى أن الرقم ضعف عدد الليبيين الواصلين إلى إيطاليا عام 2019. 
ومطلع يوليو/ تموز الماضي، أشارت إلى أن "أكثر من 9 آلاف مهاجر أعيدوا إلى ليبيا ما بين يناير/ كانون الثاني ويونيو/ حزيران الماضيين، بينهم 656 امرأة و342 طفلاً، بعد إنقاذهم أو توقيفهم في البحر الأبيض المتوسط". وأكدت وفاة 156 مهاجراً سرياً وفقدان 565، كشفت السلطات الليبية أنّ أجهزتها أنقذت عدداً من المهاجرين، بينهم 114 من جنسيات مختلفة شمال مدينة صبراتة (غرب)، كانوا على متن قاربين في طريقهم نحو الشواطئ الأوروبية.
وكانت المتحدثة باسم المنظمة الدولية للهجرة صفاء مشلهي، قد أشارت إلى أن الزيادة في أعداد المهاجرين السريين "غيرت النظرة إلى هذا البلد المتوسطي الذي عرف سابقاً بكونه نقطة عبور للمهاجرين الأفارقة والعرب فقط، قبل أن ينضم إليهم الليبيون الذين باتوا يرغبون في الهجرة، وخصوصاً مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية السيئة". وترى المنظمة أن أعداد المهاجرين الليبيين ترتبط بالأوضاع المعيشية الصعبة وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب.  

إلى ذلك، لا يرتبط التقصير الحكومي بمعالجة أوضاع المواطنين وتحسين ظروفهم المعيشية أو تأمين الخدمات الصحية ومعالجة الأوضاع الأمنية وغيرها فحسب، إذ إن نقاط تهريب البشر عبر قوارب الموت تمتد على شواطئ مدن قريبة من العاصمة شرقاً وغرباً، وخصوصاً القربولي التي لا يفصلها سوى 40 كيلومتراً شرق العاصمة، والزاوية وصبراتة (50 كيلومتراً غرب العاصمة). وعلى مدى السنوات الماضية، لم تتمكن الحكومات في الحد من نشاطها.  

المساهمون