قمة المناخ... وعود وأمنيات لن تحمي الأرض من كارثة

11 نوفمبر 2021
متظاهرة ضد الوقود الأحفوري (جيف ج. ميتشيل/ Getty)
+ الخط -

عوّل كثيرون على خروج قمّة "كوب 26" المناخية في غلاسكو الاسكتلندية (انطلقت في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وتختتم رسمياً يوم غد الجمعة) بخطط تنفيذية للحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة وتخفيض درجة حرارة الأرض، خصوصاً أنها اعتبرت "النداء والفرصة الأخيرة" لإنقاذ كوكب الأرض من نتائج كارثية. إلا أنّ النتائج التي كانت عبارة عن مجموعة من التمنيات، أثارت غضب الناشطين في مجال البيئة والمناخ على صناّع القرار. ووصفت الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ بياناتهم بـ "الكلام الهراء والثرثرة"، في وقت اعتبر خبراء أن ما ورد في مسودة البيان الختامي يستند إلى "الواقعية السياسية" وتحقيق الأهداف الكبرى.
الثابت في قمة غلاسكو أن الأرض تشهد ارتفاعاً في درجة حرارتها الذي سيؤدي، في حال عدم التصدي له، إلى نتائج كارثية على الدول، وخصوصاً الأكثر فقراً، وعدم قدرة على مواجهة تلك الآثار. في كواليس اجتماعات القمة التي شاركت فيها آلاف الوفود الرسمية وغير الرسمية تحت مظلة الأمم المتحدة، قرعت أجراس الإنذار. فنتائج التغير المناخي المدمرة باتت ملموسة أكثر من ذي قبل، وتتجلى في موجات الحر والجفاف وذوبان الجليد والفيضانات وغيرها من الكوارث البيئية، ما ينذر بتغير في مستقبل البشرية مع نهاية القرن الحالي.

فيل ولد فأراً
قبل القمّة التي استضافها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، طغت لغة "الفرصة الأخيرة" و"الالتزام" على النقاشات، في وقت أظهر جوهر المحادثات ثم التمنيات التي أعقبت المفاوضات أن الجبل "تمخض فولد فأراً"، بحسب تعليقات بعض الخبراء للصحافة الغربية، وإن استبدلوا الجبل بـ"الفيل الذي ولد فأراً"، كما فعلت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسن، التي اعتبرت في تصريح إلى هيئة الإذاعة الوطنية الدنماركية "دي آر" أن الجهود "لا تثير الإعجاب. عندما ننظر إلى الهدف الجديد، فكأننا أمام فيل ولد فأراً".
وراح قادة الدول الصناعية التي تتحمل المسؤولية الأكبر عن زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة يسوقون لإنجاز على مستوى اتفاقية "باريس للمناخ" عام 2015، وحصر درجة حرارة الأرض بـ 1.5 درجة مئوية، قبل أن تتكرر كلمات "ينبغي" و"يجب" و"على البشرية" فعل كذا وكذا، وبالتالي صياغة قرارات بالتسويف ورمي المسؤوليات لحماية "المصالح"، وخصوصاً في ما خص "تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري"، من دون أن تحمل التوصيات خفضاً حقيقياً للاعتماد على النفط والغاز والفحم. فالصين التي أعلنت أنها في صدد إطلاق مشاريع للتحوّل الأخضر، كشفت خلال القمة عن مشاريع تعتمد على الفحم، واتهمت كل من روسيا والسعودية وأميركا اتهامات مبطنة بعرقلة الحد من الاحتباس الحراري من خلال الاكتفاء بإطلاق تعهدات.

والواقع الذي ينذر بعواقب وخيمة من كوارث سبقت القمة أنتج ما يشبه نسخة تمنيات في الختام. الحديث عن حصر درجة حرارة الأرض بـ 1.5 درجة مئوية كان أساس قمة باريس 2015. ويرى مراقبون أن غلاسكو أظهرت تراخياً وعدم جدية في القيام بما يتوجب فعله لتحقيق الأهداف التي تخدم المناخ خلال السنوات المقبلة وحتى نهاية القرن الحالي.

المصالح أولاً
في قاعات "كوب 26"، وبعد الكلام المعسول من الزعماء، تولى البيروقراطيون والخبراء في العلاقات العامة البحث في قواميس اللغة عن صياغة جديدة في ختام القمة، تتضمن كلمات تستشعر الخطر المقبل. في المقابل، دارت مشادات ومناشدات بين أكبر منتجي الوقود الأحفوري لتجنيب بلادهم، وشركاتهم، الالتزام بأي خطط لصالح المناخ.
وعلى الرغم من أن "كوب 26"، بعد قمم كثيرة سابقة بدأت منذ عام 1995، هي المنتدى العالمي الوحيد الذي تستطيع الأمم من خلاله الخروج من نمطية "الكلام الفارغ" (بحسب وصف الناشطين) إلى الكلام الجاد والملزم، إلا أن الدول لم تبد توافقاً على قراءة حقيقية لمخاطر الاحتباس الحراري، ونتائجه الكارثية على مستقبل مليارات البشر.
وحدثت خلافات كبيرة واتهامات مبطنة، منها ما وجه إلى الصين وروسيا والسعودية، وأخرى إلى دول الشمال الأكثر غنى، لعدم التزامها بتمويل ومساعدة دول الجنوب، إذ لم تحمل صيغ "ينبغي" و"يجب" تفاصيل حول كيفية تمويل مشاريع "التحوّل الأخضر" جنوباً.

متظاهرون في غلاسكو (جيف ج. ميتشيل/ Getty)
تظاهرة لناشطين بيئيين معنيين بأزمة المناخ في غلاسكو (جيف ج. ميتشيل/ Getty)

ويرى خبراء المناخ أن غياب العمل الجماعي لن يساهم، ولو التزمت الهند وحدها في التحوّل الأخضر، في خفض درجة حرارة الأرض. صحيح أن التحذير من ارتفاع درجة حرارة الأرض يقف عند مستويات التزام بأقل من 1.8 درجة مئوية، بيد أن الحقيقة تقول إن دولاً عدة باتت تعيش كابوس ارتفاع درجات الحرارة بأكثر من 2.7 درجة، كما في روسيا، و2.3 درجة في الدول الاسكندنافية في ظل ذوبان الجليد.
الأمم المتحدة نفسها الراعية للقمة، تعترف أن الوعود بعيدة عن تحقيق الأهداف الأساسية. فبينما كانت الآمال معقودة على أن يكون عام 2030 حداً فاصلاً لمستوى انبعاثات الغازات الدفيئة، راحت الدول تقدم مشاريع تسوقها كـ"التزام" يتجاوز ذلك التاريخ بكثير، ما يهدد أصلاً أهداف "باريس للمناخ" والقمة الحالية. فأستراليا أعلنت التزامها بأن تصير محايدة مناخياً عام 2050، والصين عام 2060، والهند عام 2070، وهي تواريخ لن تترك برأي خبراء الأمم المتحدة ارتفاع درجات الحرارة دون الـ 1.5 درجة، كما يهدف المؤتمر، من بين بقية الأهداف.
الوعود أعلاه وغيرها تعتبر بالنسبة للمراقبين بعيدة المدى، وبالتالي ليست مناسبة للحد من الاحترار. وينظر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (Unep) بقلق إلى غياب الالتزام العالمي، وخصوصاً أن القمة معنية بمراجعة ما تحقق في مؤتمر باريس، كما أن التوقعات العلمية تتحدث عن ارتفاع درجة الحرارة 2.7 درجات، وخصوصاً مع عدم وجود ما يبشر بتغيير بعد "مسودة غلاسكو" التي صدرت أمس.

وعود "غامضة"
ويرى مستشار برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومدير مؤسسة الأبحاث الخضراء، جون كريستنسن، أن "الوصول إلى أهداف باريس يستغرق عملاً مضاعفاً يتراوح ما بين 3 و7 أضعاف الجهود الحالية". والخشية هي من استمرار انبعاث الغازات الدفيئة كما في السابق بدلاً من الحد منه، ما يجعل البعض يحذر ويطالب بخطوات عملية وصارمة في هذا الإطار وعدم الاعتماد على الوقود الأحفوري وغير ذلك والتحول إلى الطاقة المستدامة بحلول 2050.

وحضرت بعض الدول مع خطط غير مكتملة إلى القمة، فيما افتقدت الغالبية لأي أهداف أو أبدت جهوزية للقيام بخطوات عملية. على سبيل المثال، جهزت الدنمارك خطة طموحة ومتكاملة لتحقيق هدف خفض الانبعاثات بنسبة 70 في المائة بحلول عام 2030، في وقت تحدثت دول أخرى عن أهداف تتجاوز هذا التاريخ بـ 30 أو 40 عاماً، الأمر الذي يؤدي إلى اختلال في التوازن والالتزام بالتعهدات والأهداف الحقيقية العالمية، وبالتالي عدم الالتزام بما حددته اتفاقية باريس للمناخ.
وبحسب خبراء بيئيين في الأمم المتحدة، فإن التأجيل يعني أن الحسابات، وإن بدت واعدة في بعض الدول، إلا أنها تعني استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض.
وتطلق أندرسن على "وعود غلاسكو" صفة "غير مؤكدة وغامضة لدرجة يصعب الوثوق بها"، وهو ما اتفق معه كريستنسن الذي قال: "من السهل جداً وضع هدف طموح بعيد للمستقبل، لكنه هدف لا يجعلك كسياسي تتمسك به"، في انتقاد مبطن لمسودة الاتفاق في ظل غياب الالتزام الصارم وسط الكثير من الأمنيات.

تحذير من آثار تغير المناخ في النيبال (براكاش كاثيما/ فرانس برس)
تحذير من آثار تغير المناخ في النيبال (براكاش كاثيما/ فرانس برس)

إيجابيات 
على الرغم من السلبيات الكثيرة لقمة "كوب 26"، إلا أن العديد من الوفود حضرت وفي جعبتها خطط حقيقية لخفض الانبعاثات بحلول عام 2030، في ظل سعيها إلى التحول الأخضر.
وعلى الرغم من تحذير خبراء من تحول قضية المناخ إلى سبب للكثير من الاحتجاجات مستقبلاً، وخصوصاً في دول الشمال حيث يزداد الوعي بالتغيرات المناخية، يتحدث البعض عن مجموعة من الإيجابيات، من بينها:
1 - انضمام نحو 100 دولة إلى هدف تقليل انبعاث غاز الميثان، المسؤول عن نحو 30 في المائة من الاحترار منذ حقبة ما قبل العصر الصناعي وذلك بحلول عام 2030، رغم غياب الوضوح التام في النسب التي تلتزم فيها تلك الدول.
2 - توقيع أكثر من 100 دولة على اتفاقية منع إزالة الغابات.
في كل الأحوال، يبدو أن كلمة جونسون الافتتاحية لمؤتمر غلاسكو والتي ركزت على الهدف الرئيسي وحصر درجة حرارة الأرض بـ 1.5 درجة مئوية سيتم تجاوزه إلى سقف آخر قد يكون أكثر كارثية، مع توقع ارتفاع درجة حرارة الأرض بنحو 2.7 درجات وعدم الالتزام بالتعهدات، واختيار التسويف والتمنيات بديلاً.