قاصرات بريطانيات ضحايا "الرجال الآسيويين" بمعرفة الشرطة

قاصرات بريطانيات ضحايا "الرجال الآسيويين" بمعرفة الشرطة

31 يوليو 2022
مطالبة بإنهاء ثقافة الاغتصاب (هولي آدامز/ Getty)
+ الخط -

تظهر نتائج عمل لجنة تحكيم في بلدة تيلفورد البريطانية، المعنية بالتحقيق في الاستغلال الجنسي للقصر، التي صدرت في الـ 12 من الشهر الجاري، أن المخاوف من اتهام الشرطة والحكومة بالعنصرية جعلتها تتردد خلال السنوات الماضية في التدخل في الوقت المناسب لوضع حد لجرائم منظمة استهدفت الفتيات البريطانيات القاصرات في معظم الأحيان، من خلال استغلالهن واغتصابهن والاتجار بهنّ على أيدي عصابات أطلق عليها "الرجال الآسيويون" تارة و"الرجال الباكستانيون" تارة أخرى.  
وهذه الممارسات لا تقتصر على السنوات القليلة الماضية، إذ مارستها العصابات على مدى عقود في مدن بريطانية عدة.  ويشير التقرير إلى أنه "إذا قامت الشرطة بعملها خلال العقود الماضية، كان من الممكن تجنب معاناة الفتيات وموت بعضهن". وتحدث شهود للجنة التحقيق عن "تحويل الفتيات إلى سلعة وأداة جنسية من خلال اعتماد أساليب لا رحمة فيها لاستدراجهن وكسب ثقتهن قبل استغلالهن لكسب المال". 

وبحسب الموقع الرسمي للجنة التحقيق، فقد أسف المحامي ورئيس اللجنة توم كروثر لطول مدة التحقيق الذي استمر ثلاث سنوات، عازياً السبب إلى شموليته وعمقه وطبيعة الجرائم المرتكبة. 
ويوضح معدو التقرير أن تيلفورد شهدت نحو 1000 قضية، حيث يعيش حوالى 150 ألف نسمة، وقد رُوِّعَت الفتيات بشكل منهجي من قبل ما يُسمى عصابات "الاستمالة". وعرف الأهالي والشرطة والسلطات الاجتماعية بما يجري لفترة طويلة. وليست تيلفورد وحدها التي عاشت مأساة استغلال عصابات الجريمة المنظمة للفتيات، إذ أظهرت الاعتقالات السابقة والشهادات الواردة في التقرير أن شرطة غرب مرسيا لم تتصرف كما ينبغي، خشية اتهامها بالعنصرية أو اعتبار التدخل "غير صحيح سياسياً"، وخصوصاً أن معظم العصابات من أصول آسيوية. 
وعلى الرغم من الشعور بالتقصير لسنوات، تشير السلطات إلى أهمية التقرير الذي عمل على تفصيل كيفية عمل الجناة أو "الرجال الآسيويين بين 20 و40 عاماً" (تشير الصحف البريطانية إلى أن غالبيتهم يتحدرون من باكستان) وقد استهدفوا البريطانيات ذوات البشرة البيضاء اللواتي غالباً ما تقلّ أعمارهن عن 18 عاماً وينتمين إلى عائلات فقيرة ومحرومة. وكان من السهل على الجناة إظهار المساعدة والحب والعطف والهدايا للضحايا اللواتي لم تتجاوز أعمارهن 12 عاماً. 
ويشير مصطلح "Child Grooming" إلى بناء المعتدي علاقة مع طفل أو قاصر تمهيداً للاعتداء عليه واستغلاله جنسياً بحسب منظمة "أنقذوا الطفولة". وعمد الجناة إلى استدراج القاصرات بتأنٍّ لكسب ثقتهن من خلال التلاعب بهنّ ودفعهن نحو اجتياز الحدود والأعراف. ويحصل التلاعب عبر شبكة الإنترنت وفي الحياة اليومية، بحسب تقرير اللجنة، ومن بينها إظهار الوقوع في حب الضحية، ثم اللقاء بهن وكسب ثقتهن وتقديم هدايا كثيرة وتناول وجبات سريعة معاً.  
ويوضح كروثر أنه بمجرد بناء الثقة تتغير العلاقة والمعاملة تماماً، مشيراً إلى أن "الضحايا والناجيات أبلغن الباحثين مراراً كيف أن هؤلاء الرجال كانوا يعملون بشكل دؤوب لكسب ثقتهن وهنّ صغيرات، قبل أن يظهروا وجوههم الحقيقية ويخونوا تلك الثقة ويعاملوهن كأدوات وسلع جنسية ويتاجروا بهن". ويشير إلى أنّ من أكثر الأمور الصادمة، بدء معاملة الضحايا أنفسهن كعاهرات بالفعل، وقد عملن في تجارة الجنس لمصلحة مشغليهن في أحد المواخير الذي ظل مفتوحاً لسنوات طويلة في بلدة ويلينغتون على بعد بضعة كيلومترات من تيلفورد. ولم تكن الفتيات ينظرن إلى أنفسهن كضحايا، وقد أُقنِعن على مدى سنوات بأن ما يقمن به أمر عادي. وحين اكتشفت بعض الفتيات ما يجري وأردن الخروج من الجحيم، تعرضن للتهديد، وذُكِّرنَ بمصير لوسي لوي". 

الصورة
ترفض نساء الصمت حيال ما يتعرضن إليه (هولي آدامز/ Getty)
ترفض نساء الصمت حيال ما يتعرضن له (هولي آدامز/ Getty)

وتعود قضية لوسي لوي إلى نحو 22 عاماً خلت، وقد هزّت قضيتها تيلفورد حين عمد سائق سيارة أجرة يُدعى أزهر محمود علي إلى استغلالها جنسياً، علماً أن عمرها لم يتجاوز 12 عاماً. وبعدما اعتدى عليها مراراً، حملت في الرابعة عشرة من عمرها ثم في السادسة عشرة عام 2000. بعدها، أشعل حريقاً في منزلها فتوفيت هي وشقيقتها وأمها وجنينها، وحكم عليه بالسجن المؤبد 4 مرات، من دون أن يحاكم على جرائمه الجنسية.
ويُعَدّ ما خلص إليه المحققون مهماً، إذ إن آخر ملاحقة قضائية بحق المعتدين على القاصرات جرت عام 2013، وقد حكم على سبعة رجال بالسجن لمدة تصل إلى 26 عاماً عن 59 جريمة، بما في ذلك الاغتصاب والاتجار بالبشر. ثم توقفت متابعة الشرطة والسلطات لما يجري في تيلفورد لنحو عشر سنوات خشية اتهامات بالعنصرية بحق الرجال المتهمين، لكون معظمهم من أصول آسيوية. والجرائم المشار إليها تحت عنوان "الاستمالة المنهجية من الرجال الآسيويين" لاستهداف القاصرات في بريطانيا لم تنحصر في مدينة واحدة.  
عام 2014، تبين أن 1400 فتاة على الأقل تعرضن للاعتداء والإيذاء، بالإضافة إلى ظهور حالات في كل من أوكسفورد وروتشديل وديربي ونيوكاسل، كما نشرت كل من هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" وصحيفتي "ذا غادريان" "وذا تايمز". 
ويذكر التقرير الجديد أن الخوف من تهمة العنصرية لدى السلطات والسياسيين المحليين والعاملين في المجال الاجتماعي والشرطة جعل الأمور تتعقد على مدى 16 عاماً. وأطلقت وسائل الإعلام على فضيحة روثيرهام اسم "الرجال الباكستانيون"، مشيرة إلى أن العصابات الإجرامية تختار الفتيات الإنكليزيات من ذوات البشرة البيضاء، واللواتي تراوح أعمارهن ما بين 11 و16 عاماً، وتسعى لكسب ثقتهن قبل استغلالهن جنسياً بعد اغتصابهن.  
وبقي الخوف لدى السياسيين المحليين والشرطة في روثيرهام، ما جعلهم يتجاهلون ما تعرضت له فتيات بين عامي 1997 و2013، بحسب ما كشفت لجنة تحقيق عام 2014 التي أعدت دراسة برئاسة البروفيسور أليكسيس جاي، واعتبرت أن عدد الضحايا أعلى من الرقم 1400.
وكشفت اللجنة أن الفتيات الضحايا في روثيرهام كنّ يتعرضن للتوقيف من قبل الشرطة بسبب الإفراط في تناول الكحول، في وقت كان الجناة يواصلون حياتهم واعتداءاتهم على أخريات. وكانت شهادات الضحايا، بحسب اللجنة قاسية جداً، إذ أشرن إلى تعرضهن لاغتصاب جماعي في السيارات والحدائق العامة، وتشغيلهن في البغاء لمصلحة من عملوا على استمالتهن وكسب ثقتهن بواسطة المخدرات والهدايا، كذلك نقلت فتيات إلى مدن أخرى لتشغيلهن.  

قضايا وناس
التحديثات الحية

ومنذ عام 2001، كانت السلطات تصمّ آذانها عن الاستماع إلى شكاوى الأهل، وقد اتهمن الفتيات بأنهن "شقيات يتسكعن مع رجال آسيويين" بحسب تقرير 2014. وشكلت تلك الفضيحة في وقت رئاسة دافيد كاميرون للحكومة هزة في البلاد، واضطر مدير الشرطة شاون رايت إلى الاستقالة. 
ويكشف التقرير الأخير أن ما واجهته الفتيات في تيلفورد انسحب على مدن روتشديل وأوكسفورد وبلاكبيرن وغيرها. وأخيراً، قدمت شرطة منطقة غرب ميرسيا "اعتذاراً لا لبس فيه للضحايا والناجين من تيلفورد". واعتذر مجلسا مدينتي تيلفورد وريكين عن عدم التدخل خلال كل تلك السنوات الماضية. في هذا الإطار، يؤكد كروثر أن لجنته ستراجع بعد عامين عمل السلطات والشرطة للتأكد من أنها تقوم بمهامها بعيداً عن الخوف من تهمة العنصرية. 

المساهمون