عبودية حديثة في المملكة المتحدة

عبودية حديثة في المملكة المتحدة

18 يوليو 2022
رفض للعبودية الحديثة (فوك فالسيس/ Getty)
+ الخط -

في 12 يوليو/ تموز الجاري، تصدرت قصّة اللاعب الأولمبي مو فرح (39 عاماً)، عناوين الصحف البريطانية، إذ كشف بعد نحو ثلاثين عاماً أنّه كان ضحية للعبودية الحديثة. مو قال إنه وصل إلى بريطانيا تحت اسم مستعار بعد هروبه من الحرب في الصومال، مشيراً إلى أن امرأة لا يعرفها اختطفته وأجبرته على الخدمة المنزلية. وقالت شرطة العاصمة لندن إنها بدأت تحقيقاً في ما كشفه مو عن تهريبه إلى المملكة المتحدة. وتشير التقديرات إلى أنّ هناك أكثر من 40 مليون شخص في العالم يعيشون العبودية أو يعملون في ظروف قسرية أو بالإجبار. وفي المملكة المتحدة، يتم الإبلاغ عن آلاف الحالات كل عام، وتقدر السلطات أن هناك أكثر من مائة ألف ضحية يعيشون في البلاد.
وتقول جسيكا روبرت، من مكتب إعلام "المفوض المستقل لمكافحة العبودية" (The Independent Anti-Slavery Commissioner)، وهي هيئة مراقبة مستقلة تابعة لوزارة الداخلية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "إحصائيات ملخص نهاية عام 2021 للعبودية الحديثة في المملكة المتحدة، الذي نشر في 3 مارس/ آذار 2022، حول آلية الإحالة الوطنية وواجب الإخطار" (National Referral Mechanism and Duty to Notify) هو الأفضل للمساعدة في فهم هذه القضية". 
وتبيّن الإحصائيات أنّه في عام 2021 "أحيل 12 ألفاً و727 ضحية محتملة للعبودية الحديثة إلى وزارة الداخلية، ما يمثل زيادة بنسبة 20 في المائة مقارنة بالعام السابق (10601). واحتلت ألبانيا وفيتنام والمملكة المتحدة الصدارة عام 2021 لناحية عدد الضحايا الذين عثر عليهم في المملكة المتحدة.
وتتخذ العبودية الحديثة في المملكة المتحدة أشكالاً عدة، منها الاستغلال الجنسي القسري أو العبودية المنزلية أو العمل القسري. ونادرة هي القصص التي تصل إلى الإعلام، لكنّ ما يصل منها يكفي ليسلّط الضوء على ظاهرة العبودية الحديثة.
ففي أوائل يوليو/ تموز الجاري، أثار الإعلام البريطاني قضية جوزفين وونغ، وهي عاملة منزلية مهاجرة تقدمت بشكوى ضدّ الدبلوماسي السعودي في المملكة المتحدة خالد بصفر أمام القضاء البريطاني، قائلة إنها احتجزت في المنزل. وبناءً على الحقائق المفترضة، تبيّن أنّ معاملة وونغ ترقى إلى شكل من أشكال العبودية الحديثة. وقضت المحكمة العليا في المملكة المتحدة بأنه لا يمكن للدبلوماسيين الاختباء وراء الحصانة لاستغلال العمال، وقال محامون إنّ هذا أول حكم من نوعه في العالم.
واليوم صدم مو فرح العالم حين تحدث لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في فيلم وثائقي بثته في 13 يوليو/ تموز الجاري، عن كيفية تهريبه من بلده الصومال إلى المملكة المتحدة وإجباره على العبودية المنزلية وهو لم يتجاوز التاسعة من العمر، ويقول: "القصة الحقيقية هي أنني ولدت في أرض الصومال واسمي حسين عبدي كاهين"، يتابع أنّه حين وصل إلى بريطانيا، أقام مع زوجين وكانا يعاملانه معاملة سيئة. لكنّ مدرس التربية البدنية في المدرسة آلان واتكينسون أنقذه. 

وأعلن فرح في الفيلم الوثائقي عن قلقه على وضعه كمهاجر. لكن وزارة الداخلية أكدت، مساء 11 يوليو، أنه لن يواجه أي مساءلة قانونية.
في هذا السياق، تقول رئيسة خدمات الخطوط الأمامية في مؤسسة "آنسين" (Unseen)، التي تدعم الناجين من الاتجار والعبودية الحديثة راشيل كولينز وايت، لـ"العربي الجديد": "صدر قانون العبودية الحديثة عام 2015، وكان هذا أول تشريع قائم بذاته يهدف إلى دعم الضحايا وسجن تجار بسبب جرائم العبودية الحديثة. وبعد مرور سبع سنوات عليه، أصبحت الثغرات الموجودة في القانون واضحة. فما زالت معدلات الإدانة منخفضة على الرغم من ارتفاع عدد الضحايا. والأهم أنّ الإجراء الخاص بحماية الضحايا المحتملين ما زال ضعيفاً، ونرى باستمرار الناجين يتعرضون للاحتجاز أو التهديد بالترحيل".

إحدى ضحايا العبودية (ليون نيل/ Getty)
أحد ضحايا العبودية (ليون نيل/ Getty)

وبهدف توفير حماية أفضل لضحايا العبودية الحديثة، تقول وايت: "يجب زيادة الوعي حول الأسباب التي تشجّع على الاتجار بالبشر، من بينها التهافت على العمالة والخدمات الرخيصة والسلع". وفي تعليقها على نسبة العبودية الحديثة في بريطانيا، توضح وايت أنّ القضية أكبر بكثير من الأرقام المتداولة. ففي عام 2021، تم تحديد نحو 13000 ضحية. إلّا أنّ هذا الرقم لا يشمل أولئك الذين برفضون الدعم الحكومي أو الذين يفضلون عدم كشف هوياتهم، بالإضافة إلى آخرين ما زالوا قيد الاستغلال". وتشير تقديرات الخبراء إلى أنّ العدد الفعلي للمتضررين في المملكة المتحدة يبلغ 136 ألفاً، موضحة أنّ العبودية الحديثة تتقاطع مع العديد من القضايا الاجتماعية.
وفي تعليقها على قضية مو فرح، تقول وايت إنها "قصة مروعة. من الأهمية بمكان أن نعترف بما حمله مو منذ صغره وأهمية تدخل أستاذه. إلا أن قصته ليست فريدة من نوعها. فما زال الاتجار بالأطفال لأغراض العمل والاستغلال الجنسي والجنائي والمنزلي مستمراً، وآمل أن تؤدي شجاعة مو في مشاركة قصته إلى زيادة الوعي حول الاتجار والعبودية".

بدوره، يقول ستيفان بيدلوزنيغ، من مكتب إعلام وكالة التحقيق الأولى لاستغلال العمال في المملكة المتحدة (GLAA)، إنّه في ما يتعلّق بقانون المملكة المتحدة لحماية ضحايا العبودية الحديثة، فإنّ الوكالة تتبع تشريعات قانون العبودية الحديثة لعام 2015 في إنكلترا وويلز، الذي نص على جرائم الاتجار بالبشر والعمل القسري أو الإجباري، ويشير إلى أنّ للوكالة قوانينها أيضاً التي تحمي العمّال من الاستغلال، أبرزها قانون الترخيص لعام 2004 الذي يجرّم أي شخص يوظّف العمال بقطاعات الزراعة وجمع المحار والمعالجة والتعبئة المرتبطة بها من دون ترخيص الوكالة. وأحد الأمثلة المتعلقة بارتكاب جرائم بموجب هذا التشريع هو ألكسندر غوران، الذي وظّف عمالاً من رومانيا ووعدهم بالعمل والسكن. لكن، بمجرد وصولهم إلى المملكة المتحدة، تحكّم بأجورهم ووضعهم في مساكن ضيقة، حتى أنه أعطى بعضهم هويات مزيفة حتى يتمكنوا من العمل في دوامين منفصلين في مصنع لتجهيز الأغذية في مانشستر الكبرى. وكانت تدعمه زوجته آنا ماري غوران، التي حُكم عليها بدورها في الاستغلال.

المساهمون