صناعة الملابس... تأثيرات كارثية على البيئة والمناخ

صناعة الملابس... تأثيرات كارثية على البيئة والمناخ

21 يونيو 2023
تعتمد صناعة الملابس الفخمة على عمال فقراء (رحمن ألفي/Getty)
+ الخط -

عادة ما تقترن صناعة الملابس بخطوط الأزياء الشهيرة التي تجتذب الملايين من الأشخاص حول العالم، فضلاً عن أهميتها كنموذج حضاري وثقافي يعبر عن تاريخ ومستقبل الشعوب. لكن تلك الصناعة لها وجه آخر شديد السوء، إذ إنها تشكل قدراً كبيراً من أزمة المناخ العالمية، ما دفع نشطاء البيئة إلى المطالبة بضرورة أن تكون صناعة الموضة أكثر استدامة، وأن يراعي منتجو الملابس معايير الحفاظ على الطبيعة.
تستهلك صناعة الثياب العالمية كميات هائلة من الطاقة والمياه وغيرها من الموارد، ويولد كل كيلوغرام واحد من القماش نحو 23 كجم من غازات الاحتباس الحراري، حسب تقديرات شركة ماكينزي الاستشارية. رغم تلك الأرقام المفزعة، تضاعف إنتاج الملابس عالمياً بين عامي 2000 و2014، ووصلت مبيعات الأزياء العالمية إلى 1.8 تريليون دولار في عام 2015، وفقًا لمنظمة "غرينبيس"، بعد أن كانت 1 تريليون دولار في عام 2002.
ويسعى مبتكرو الملابس إلى زيادة عدد خطوط الإنتاج بهدف خفض التكاليف وزيادة الأرباح، وبدأ الكثير منهم إنتاج ما يعرف بـ"الملابس الرخيصة"، التي تعتمد على المنسوجات الصناعية أكثر من الطبيعية، وبحسب شبكة "بلومبيرغ" الأميركية، فإن خطوط إنتاج الملابس الرخيصة أدت إلى زيادة انبعاثات الكربون وغيره من الغازات المدمرة للبيئية، كما أنها تُخلف كميات نفايات هائلة.
وفي حين يفضل بعض المستهلكين شراء ملابس مصنوعة بأقل ضرر للبيئة، وبدأت عدد من العلامات التجارية الالتزام بإنتاج ما يسمى "الموضة المستدامة"، تستمر موضة الأزياء الملوثة في النمو، إذ يشكل إنتاج الملابس نحو 10 في المائة من انبعاثات الكربون البشرية، بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أي أكثر من جميع الرحلات الجوية الدولية والشحن البحري مجتمعة، وإذا استمر قطاع الموضة في مساره الحالي، فقد تقفز هذه النسبة إلى 26 في المائة بحلول عام 2050، كما يسهم في تجفيف مصادر المياه، وفي تلوث الأنهار، في حين يذهب نحو 85 في المائة من المنسوجات المنتجة إلى مكبات النفايات سنوياً، وتخلف 20 في المائة من مياه الصرف الصحي عالمياً، كما أنها تستهلك طاقة تتجاوز تلك المستخدمة في قطاعي الطيران والشحن مجتمعين.

الصورة
تستهلك مصانع الملابس كميات هائلة من الماء والطاقة (رحمن ألفي/ Getty)
تستهلك مصانع الملابس كميات هائلة من الماء والطاقة (رحمن ألفي/ Getty)

وتختلف تأثيرات صناعة الملابس على المجتمعات، وعلى الموارد الطبيعية، لكن أبرزها التأثير على الماء، إذ تستهلك صناعة الأزياء العالمية 93 مليار طن متري من المياه النظيفة كل عام، وهذا يعادل نحو نصف ما يشربه الأميركيون سنوياً، فالقطن كمثال من المحاصيل التي تتطلب الكثير من الماء، ويمكن أن يستهلك كيلوغرام واحد من القطن المستخدم في إنتاج بنطلون جينز ما بين 7500 إلى 10000 ليتر من الماء، وهي الكمية التي قد يشربها الشخص على مدار 10 سنوات. كما تتطلب زراعة القطن استخدام مبيدات حشرية تلوث التربة، وتستخدم في عملية صباغة الأقمشة مواد كيميائية سامة، وهي مسؤولة عن أكثر من 17 في المائة من تلوث المياه الصناعي عالمياً.
ولتلبية حاجة صناعة الأزياء، تحتاج المصانع إلى الأقمشة والمواد الخام، مثل الحرير الصناعي، الذي عادة ما يُستخرج من لب الخشب، وتشير تقديرات جامعة كولومبيا الأميركية إلى أنه يجرى قطع 70 مليون طن من الأشجار في كل عام من أجل صناعة الأقمشة، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2034، ما يسرع إزالة بعض الغابات المهددة بالانقراض. وتنتج صناعة الأزياء 1.2 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون كل عام، وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة "ماك آرثر" الأميركية في عام 2018، وينتج عن ذلك انبعاث غازات الاحتباس الحراري بقيمة أكبر من الكربون الذي تنتجه فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة مجتمعة.

الصورة
تطلق مصانع الملابس كميات كبيرة من غازات الدفيئة (زاو هايبنغ/Getty)
تطلق مصانع الملابس كميات كبيرة من غازات الدفيئة (زاو هايبنغ/Getty)

ويشكل البوليستر والقطن 85 في المائة من إنتاج الملابس، ومعظم البوليستر مصنوع من النفط الخام، وغالبًا ما تُضاف الأصباغ الكيميائية إلى القماش، ما يؤدي إلى زيادة التلوث، وبحسب الأمم المتحدة، فإن ما يقارب 60 في المائة من المواد المستخدمة في صناعة الأزياء مصنوعة من البوليستر، وهو بلاستيك مصنوع من الوقود الأحفوري، ويستهلك نحو 70 مليون برميل من النفط سنوياً في إنتاجه، بالإضافة إلى استخدام كميات كبيرة من البلاستيك القائم على الوقود الأحفوري للتغليف والشماعات، ما يجعل قطاع النسيج مساهماً كبيراً في أزمة المناخ.
كما يعد القطاع مصدراً مهماً لتسرب البلاستيك إلى البيئة، مع دخول ما بين 200 ألف إلى نصف مليون طن من اللدائن الدقيقة من المنسوجات إلى البيئة البحرية في كل عام، كما أن صناعة النسيج تمثل 35 في المائة من التلوث بالجسيمات البلاستيكية الدقيقة في المحيطات، بحسب دراسة لجامعة كولومبيا.
وتتطلب صناعة الملابس توفير طاقة كهربائية هائلة، وغالبيتها تُولّد من وقود ملوث مثل الفحم، وفي كثير من الأحيان، يجرى تصنيع الملابس في بلدان أو مناطق مختلفة، ما يزيد من البصمة الكربونية للقطعة الواحدة، كما أن عملية غسل الملابس تزيد من حدة البصمة الكربونية، فعلى سبيل المثال، يُطلق، كل عام، في المحيط، نصف مليون طن من الألياف الدقيقة الناتجة عن غسل الملابس، ما يعادل 50 مليار زجاجة بلاستيكية.
لا تقف حدود البصمة الكربونية عند هذا الحد، إذ تشير تقارير صادرة عن textileexchange.org، وهي مؤسسة تعنى بالأقمشة، إلى أنه خلال العقدين الماضيين، وبعد تضاعف إنتاج الملابس، بدأت تظهر مشكلة تتعلق بكيفية التخلص منها بعد الانتهاء من استخدامها. 
ووفق تقارير تلك المؤسسة، لا تتعلق المشكلة فقط بكيفية إدارة الثياب المستعملة لدى المستهلكين، بل أيضاً لدى بائعي الأزياء الذين يحتاجون إلى تصريف بضائعهم بسرعة لإنتاج المزيد، وعادة لا يجرى جمع معظم الملابس المستعملة لإعادة التدوير أو إعادة الاستخدام، ما يترك الكثير منها ليُرسل إلى مكبات النفايات أو حرقها، ما يؤدي إلى إطلاق مزيد من الكربون. 

ووفق تقديرات جامعة كولومبيا، فإنه تُحرق 53 مليون طن متري من الملابس المهملة كل عام،  إذ تتحلل الملابس المصنوعة من الأقمشة الطبيعية مثل القطن والكتان في غضون أسابيع إلى أشهر، في حين تستغرق الأقمشة الصناعية ما يصل إلى 200 عام للتحلل.
وفي عام 2017، أحرقت شركة "بربري" البريطانية ما قيمته 37 مليون دولار من الحقائب والملابس والعطور غير المباعة بدلاً من إرسالها إلى مكب للنفايات، وبالتالي، ينتج عن عملية الحرق إنتاج كميات كبيرة من غاز الميثان ، وهو أحد غازات الدفيئة القوية التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري.
وبحسب شبكة بلومبيرغ، ترمي الولايات المتحدة ما يصل إلى 11.3 مليون طن من نفايات النسيج كل عام، بمعنى أن نحو 2150 قطعة ملابس ترمى كل ثانية، ونظراِ لأن الملابس مصبوغة ومعالجة كيميائياً، فإنها تمثل ما يقدر بنحو 22 في المائة من النفايات الخطرة على مستوى العالم.
وبينما تنسب خطوط الأزياء الكبرى إلى المدن والعواصم الكبرى مثل باريس ولندن وميلانو، إلا أن صناعة الملابس الفاخرة يقف وراءها ملايين من الفقراء الذين يعملون لساعات طويلة ويتقاضون أجوراً زهيدة في مناطق جنوب أسيا، وتحديداً نيبال وبنغلادش، وحتى الصين والهند، وتخلق ظروف العمل انتهاكات لحقوق الإنسان، خاصة أن بعض المصانع يُشيّد تحت الأرض، كما يثير استخدام المواد الكيميائية مخاوف صحية خطيرة على الملايين من العمال، ناهيك عن التأثيرات الخاصة بالمناخ والبيئة.

المساهمون