رحى الزيتون الجزائرية.. مشاعر جميلة في موسم المحاصيل والمعاصر

16 ديسمبر 2023
زيت نقي ومذاق عالي الجودة (العربي الجديد)
+ الخط -

في قرية تامولة شرقي الجزائر تعيش أشجار الزيتون مع العائلات عشرات السنين، حتى تغدو كل منها فرداً من أفراد الأسرة. ورث المكي بوفجيج عن أبيه وجده أرضاً تتضمن أشجار زيتون، وهو يبدأ الاحتفاء البهيج بمجرد بروز حبات الزيتون الخضراء والسوداء على الأشجار، وينقل غالبيتها بعد الحصاد إلى معصرة قريبة من بيته لتحويلها إلى زيت صافٍ عذري من النوعية الجيدة.

يقول المكي (52 سنة) لـ"العربي الجديد": "أعدّ الأيام حتى الوصول إلى موسم الحصاد، وأقطف ثمار الأشجار المباركة برفقة زوجتي وأبنائي الأربعة من دون أن نلحق أي أذى بأغصانها. يمتد موسم الحصاد من نوفمبر/ تشرين الثاني إلى نهاية ديسمبر/ كانون الأول، وهي أيام احتفال متواصلة بجني الزيتون وجمعه تمهيداً لعصره ثم عرضه للبيع".
بعد جني الزيتون يتوجه المكي بمحصوله إلى معصرة يعرفها منذ عقود في منطقة "مينار زارزة" التي تشتهر بزراعة الزيتون والقمح والشعير والعنب والبطاطا. يقصد غالبية سكان المنطقة هذه المعصرة التي تواصل العمل بالطريقة الحديثة التي تعتمد على المكابس الكهربائية، مع الطريقة التقليدية التي تعتمد على الرحى الحجرية الكبيرة.
تزرع أشجار الزيتون في مختلف المناطق الجزائرية، وقد ورث الأبناء تلك المهمة عن أجدادهم، وباتت من مصادر رزقهم، فهي توفر مدخولاً سنوياً من عصر الزيتون، وبيعه الزيت في الأسواق.
وتنتشر المعاصر في المناطق الفلاحية الجزائرية، والغالبية باتت تعمل على الكهرباء، وتستخدم أدوات متطورة في العصر، ما يسهّل حصول الفلاحين على منتجاتهم من الزيت في وقت قصير. وهم ينقلون المحاصيل في الصباح الباكر، في أكياس كتبت عليها أسماؤهم مع تسجيل كميات الزيتون الموجودة فيها قبل العصر، وينتظر كل فلاح دوره في عملية العصر للحصول على الزيت.

معصرة "كنوز الزيتون"

في منطقة رجاص التي تبعد 490 كيلومتراً شرقي العاصمة الجزائرية، اشتهرت معصرة "كنوز الزيتون" التي تملكها عائلة بو الطمين التي ورثت أراضي زيتون عن الأجداد. وباتت هذه المعصرة التي تتواجد في قلب هكتارات من أراضي الزيتون والعنب والقمح قبلة لعشرات الفلاحين في مناطق عدة شرق البلاد.
ويقول مالك المعصرة عز الدين بو الطمين، لـ"العربي الجديد": "يُفضّل مالكو حقول الزيتون المعاصر العصرية للحصول على الزيت لأنها تتميز باستعمال التقنيات الأكثر حداثة التي تجعل الإنتاج ذا خصائص جيدة، ومعصرتنا تحافظ على عذرية الزيتون كي يحصل صاحبه على زيت نقي بمذاق عالي الجودة".
وفي شأن آلية عمل معصرة "كنوز الزيتون"، يقول عز الدين: "تفصل أولاً الحبوب عن الشوائب من أغصان وأوراق بطريقة سريعة حديثة تستخدم آلات تحدث ارتجاجات لتنظيف الزيتون بالماء، ثم تنقل الحبات النظيفة إلى مطحنة تخرج العجينة التي يجري تسخينها للحصول على سائل يتكون من ماء وزيت. وفي النهاية يُفصل الماء عن الزيت بواسطة آلة الكثافة أو آلة التصفية التي تسمح بالحصول على زيت صافٍ يمكن تعبئته في عبوات زجاجية".

مشاعر جميلة في فترة جني محصول الزيتون (العربي الجديد)
مشاركة واسعة في أعمال جني المحصول (العربي الجديد)

يضيف: "بخلاف مطاحن الزيتون التقليدية، لا يتدخل العنصر البشري في المعاصر الحديثة إلا في تسيير الآلات وضبط حرارتها التي يجب ألا تتجاوز 27 درجة مئوية. ومن إيجابيات هذه التقنيات أنها توفر الجهد والوقت في الحصول على الزيت الذي يصبح جاهزاً في وقت وجيز أقل خمس مرات من استعمال الطريقة التقليدية في طحن الزيتون. كما تحافظ هذه التقنيات على القيمة الغذائية للزيت المعصور، وتوفر كميات من الزيت أكبر بثلاثة ليترات في القنطار الواحد، أي أكثر مما تقدمه المطاحن التقليدية".
وخلال الفترة بين سبتمبر وديسمبر اعتادت عشرات العائلات في منطقة تسدان التي تقع بين ولايتي جيجل وميلة شرقي البلاد جني محاصيل الزيتون، فهكتارات الأراضي المترامية الأطراف في قرية أقارو جعلت الزيتون علامة مسجلة لدى السكان بسبب جودة مذاقه، سواء إذا جرى بيعه للأكل أو عصره ليكون زيتاً يُستعمل في الطعام والعلاج.

فخار وحجارة وخشب

ويشرح عبد الباقي الذي يعمل في معصرة "سباحة" لـ"العربي الجديد" أن الفلاحين يحملون محاصيلهم من الزيتون الغني بالفوائد الغذائية إلى المعصرة، وينتظر كل فلاح دوره في العصر، إذ يجري تحويل القنطار الواحد إلى 15 ليتراً من الزيت.

واللافت أن المعاصر التقليدية التي تستخدم الطرق البدائية في انتاج زيت الزيتون لا تزال تقاوم في الجزائر، وتستخدم بعض العائلات آلات من الفخار والحجارة والخشب لاستخلاص الزيت.
ويختلف توقيت الطحن والعصر بين عائلة وأخرى، إذ يفضل البعض تنفيذهما مباشرة بعد جني المحصول وعصره بطريقة تقليدية، بينما تترك بعض العائلات العملية حتى حلول فصل الربيع.

وفي منطقتي تسالة والبرجة (شرق) تتواجد هكتارات من أراضي الزيتون التي تملكها عائلات أو "عروش". وتلجأ بعض هذه العائلات إلى طحن الزيتون بطريقة بدائية، باستعمال أسطوانة حجرية تحرك برافعة يدوية، ثم تنفذ عملية العصر عبر وضع عجينة الزيتون بحوضين فخاريين من أجل طهيها تحت النار لمدة تصل إلى ست ساعات، ثم توضع في سلة مسطحة تتضمن فتحات، وتحصل عملية العصر بالضغط باليد كي ينساب الزيت الناتج من العصر ويتجمع في دلو.
وتلعب المعاصر دوراً كبيراً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الجزائر، لأنها عمل يشترك فيه أفراد الأسر من رجال ونساء وأطفال. كما جعلت عائلات الزيتون مادة استثمار رئيسية ومصدر رزق، واهتمت بزراعة الأشجار وجني المحاصيل ثم استخلاص الزيوت وبيعها بأسعار مختلفة بحسب النوعية والجودة، ويصل سعر الليتر الواحد من زيت الزيتون إلى 1300 دينار جزائري (6 دولارات).
ويمثل الزيتون 15 في المائة من المنتجات الفلاحية في الجزائر، في حين يشكل الزيت نسبة 50 في المائة من الإنتاج الفلاحي في المناطق الجبلية و5.5 في المائة من الصادرات الفلاحية العامة للبلاد. ويعمل في قطاع زراعة الزيتون وصناعة الزيت أكثر من مليون شخص، ما يعادل نسبة 20 في المائة من التشغيل في القطاع الفلاحي.

المساهمون