دمج المسلحين... ليبيون يخشون فقدان رواتبهم

دمج المسلحين... ليبيون يخشون فقدان رواتبهم

12 فبراير 2022
هكذا كانوا قبل سنوات... ماذا عن اليوم؟ (عبد الله دوما/ فرانس برس)
+ الخط -

ما زال مئات من الشبان الليبيين المنخرطين في عشرات المجموعات المسلحة بمختلف مناطق البلاد يواجهون مصيراً مجهولاً في ما يتعلق بوظائفهم التي توفّر لهم رواتبهم بعدما عجزوا عن العثور على خيار آخر غير الانخراط في العمل من ضمن التشكيلات المسلحة المستهدَفة بالحسم وإعادة التنظيم في إطار السعي إلى توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا.
وتتناقض الإجراءات والمواقف الرسمية بشأن التشكيلات المسلحة. ففي حين أُعلن عن "خطة شاملة لتنظيم واستيعاب التشكيلات المسلحة"، ما زال رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة يشارك في تخريج دفعات من الكليات العسكرية، آخرها الدفعة الأولى من منتسبي تشكيل مسلّح في طرابلس تابع للحكومة.
وفتحت الصراعات المسلحة الباب أمام انخراط آلاف المدنيين الشباب في دورات تدريب مؤقتة من تنظيم معسكرات التدريب في شرقي البلاد وغربها، في مقابل منح مالية "على أمل أن تتحوّل إلى رواتب ثابتة"، بحسب تعبير الخبير الأمني الليبي الصيد عبد الحفيظ. ولا تُعرف تحديداً أعداد المدنيين المنتسبين إلى التشكيلات المسلحة، لكنّ التقديرات تشير إلى أنّهم بالآلاف، على خلفية تفكيك مؤسسة الجيش في البلاد منذ عقود طويلة على يد النظام السابق. ويؤكد عبد الحفيظ لـ"العربي الجديد" أنّ "انخراط أعداد كبيرة من الشبان في التشكيلات المسلحة أتى بداية انطلاقاً من التعصب المناطقي في أتون الحروب التي شهدتها ليبيا"، مشيراً إلى أنّه "تحوّل في غضون ذلك إلى الملجأ الوحيد للشباب الباحث عن وظيفة في ظلّ الركود الاقتصادي الذي عانته البلاد لأعوام".

قضايا وناس
التحديثات الحية

صالح بوخمادة من الذين انخرطوا في أعمال التشكيلات المسلحة في إجدابيا شرقي البلاد، قبل أنّ ينضم إلى كتيبة تُعرَف باسم "192 مشاة" حالياً، وقد أتاحت له دراسته برمجة الحاسوب العمل في الإدارة منظّماً إدارياً على الحواسيب مع عدد آخر من الشبان. لكنّ الطلب المتزايد على المقاتلين، إثر الخسائر الكبيرة على جبهات القتال، اضطرت بوخمادة إلى "الاستجابة للنداء والانخراط في جبهات القتال في بنغازي (شمال شرق) في نهاية عام 2017"، بحسب ما يقول. ويذكر بوخمادة أنّه وعناصر الكتيبة بمعظمهم يتلقون منحاً مالية مقطوعة من دون أن يحملوا أرقاماً عسكرية ثابتة.
ويشبه ربيع العتيري من الزنتان أقصى غربي البلاد صالح بوخمادة. هو حاصل على شهادة إجازة في الاقتصاد، ويعبّر عن رضاه عن عدم امتلاكه رقماً عسكرياً ثابتاً، ولا يخفي رغبته في العودة إلى الحياة المدنية. ويعلّق العتيري آماله على إمكانية أن تستوعبه برامج إعادة توطين المقاتلين في البرامج المدنية والتدريبات الخاصة بها، قائلاً لـ"العربي الجديد": "سمعنا كثيراً عن خطط إعادة التنظيم، من بينها منح المسلحين غير الرسميين قروضاً لإدارة مشاريع اقتصادية صغرى". لكنّه في الوقت نفسه يتشارك مع بوخمادة هاجس أن تهملهما تلك الخطط ويعودا إلى البطالة.

الصورة
شبان مسلحون في ليبيا 2 (محمود تركية/ فرانس برس)
لا تُعرف تحديداً أعداد المدنيين المنتسبين إلى التشكيلات المسلحة (محمود تركية/ فرانس برس)

ولم تفلح الحكومة الليبية المؤقتة التي تولّت الحكم في عام 2012 إثر سقوط النظام السابق، في تنفيذ برامجها الخاصة بدمج المقاتلين في مؤسسات الدولة المدنية، بسبب تزايد مستويات العنف وانتشار السلاح الذي أدّى إلى عسكرة الدولة وتحكّم أمراء الحرب في مفاصل البلاد. ويقول المسؤول السابق في هيئة شؤون المحاربين عبد المنعم صويد لـ"العربي الجديد" إنّه على الرغم من أنّ هيئة شؤون المحاربين التي أسّستها الحكومة المؤقتة في ذلك العام، بهدف إعادة دمج المسلحين في المجتمع، أطلقت برامج عدّة، منها برنامج "إيفاد" لإرسال 150 ألف شاب للدراسة في الخارج وبرنامج "طموح" لتوفير فرص عمل من خلال دعمه مشروعات صغرى ومتوسطة للمقاتلين وغيرهما، فإنّها فشلت في تحقيق ما أعلنت عنه بسبب الانقسامات بين المسلحين وانحياز كل مجموعة منها إلى طرف سياسي في ظل تجاذبات برزت منذ عام 2013.
وممّا يدلّ على أنّ المسلحين مدنيون بمعظمهم ولا يملكون أيّ إثباتات عسكرية، من بينها الرقم العسكري، تجميد الحكومة صرف رواتب مسلحي معسكر شرق ليبيا حتى توفير الأرقام العسكرية الخاصة بهم. وهو القرار الذي أثار جدالاً واسعاً وساهم في خلاف حكومي ما بين رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ونائبه حسين القطراني، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
من جهته، لم يتقاضَ قيس القمي راتبه منذ خمسة أشهر، وهو كان قد حصل على مؤهل جامعي في هندسة النفط قبل الانخراط في التشكيلات المسلحة في جنزور غربي طرابلس. لكنّه يصرّ على البقاء في تشكيله المسلح، إذ إنّه على الرغم من أنّه مدني ولا يملك أيّ أوراق ثبوتية عسكرية فهو يعدّ نفسه "ابن مؤسسة الجيش"، بحسب ما يؤكد لـ"العربي الجديد". لكنّه يلفت في الوقت ذاته إلى أن "عدم تقاضي الرواتب هاجس يقضّ مضجع كل المسلحين الذين أعرفهم".

في سياق متصل، وعلى الرغم من أهمية حل التشكيلات المسلحة ودمج المسلحين المدنيين في مشاريع مدنية، فإنّ الباحث الاجتماعي عبد العزيز الأوجلي يعبّر عن مخاوفه من إمكانية تعثّر تلك البرامج. ويقول لـ"العربي الجديد": "في كل الأحوال سوف تكون نتائجها وخيمة، والاحتمال الأوّل هو عدم تمكّن الحكومة من توفير البدائل الاقتصادية كالمشاريع الخاصة التي وإن توفّرت تحتاج إلى دعم وترشيد كبيرَين من أجل إنجاحها وإقناع الشباب المسلح بجدواها. وإن كانت تهدف إلى توظيفهم لتوفير رواتب ثابتة لهم، فإنّ آثارها على الكادر الوظيفي للدولة كبيرة وسوف يفاقم وضعهم حجم البطالة المقنعة". ويحذّر الأوجلي من أنّ "ارتباط الشباب بالسلاح طيلة سنوات واستفادتهم ممّا تجنيه التشكيلات المسلحة من أرباح غير مشروعة قد يدعوانهم إلى الانخراط في تنظيمات الجريمة المنظمة".

المساهمون