"حصاد القهر" في ذكرى ثورة يناير: 1123 انتهاكاً في سجون مصر

"حصاد القهر" في ذكرى ثورة يناير: 1123 انتهاكاً في سجون مصر عام 2023

25 يناير 2024
ما يُرصَد من انتهاكات في سجون مصر قد يكون مجرّد عيّنات من واقع الحال (كاسبار بنسون/ Getty)
+ الخط -

أصدر مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب في مصر تقريره السنوي "حصاد القهر"، الذي يوثّق فيه انتهاكات حقوق الإنسان في السجون ومقارّ الاحتجاز المصرية. وأتى ذلك، كما في كلّ عام، بالتزامن مع ذكرى ثورة 25 يناير (2011) وعيد الشرطة. وبيّن المركز، في هذا التقرير الأخير، أنّ 1123 انتهاكاً، بما في ذلك القتل والوفاة نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب والإخفاء القسري، سُجّلت في السجون في عام 2023.

وجدّد المركز، في هاتَين المناسبتَين، رفضه "التعذيب والقهر والظلم التي تمارسها الأجهزة الأمنية"، وما تهدف إليه من "امتهان للكرامة ومحاولات إذلالهم (المحتجزين) وتوصيل رسالة بأن لا حول لهم ولا قوة".

أضاف مركز النديم: "صحيح أنّ الجولة الأولى من الثورة على الظلم قد مُنيت بالهزيمة، واستعادت الدولة، بل ضاعفت من جبروتها ضدّ المواطنين واستقرّ قرارها على الحكم بسياسة الحديد والنار، لكنّ ثورة يناير كانت دليلاً على أنّ القهر مهما طال له نهاية، وأنّ المقهور وإن صمت دهراً لن يدوم صمته".

ورصد مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب في عام 2023، من أرشيف الإعلام، مقتل تسعة مواطنين برصاص رجال شرطة. ومن الظروف التي أدّت إلى سقوط هؤلاء القتلى، حملة أمنية أدّت إلى تصفية ستّة أشخاص ومشادة بين مواطن وضابط انتهت بإطلاق الرصاص على الأول ووفاته.

وعلّق المركز أنّ "مهما كانت الأسباب التي وردت في الخبر، يبقى القتل جريمة تقع مسؤوليتها على فاعلها، ناهيك عن أنّنا لن نعلم أبداً ما الذي أدّى إلى هذه الجرائم"، مبيّناً أنّ "هذه الجرائم لا تشمل من قضوا في أماكن الاحتجاز نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي المتعمّد في انتهاك للقانون الذي وضعته الدولة ذاتها التي تقوم أجهزتها بالانتهاكات".

إلى جانب ذلك، رصد المركز وفاة 38 مواطناً في أماكن الاحتجاز، إمّا بعد حرمانهم الرعاية الطبية، وإمّا نتيجة سوء معاملة.

وأشار مركز النديم إلى أنّ عام 2024 شهد في أوّل أسبوع منه وفاة أربعة معتقلين في أماكن الاحتجاز، "ما يشير إلى أنّه رغم صدور الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وتشكيل جديد للجنة العفو والحوار الوطني الذي بدأ وانتهى أو انتهت المرحلة الأولى منه - لا نعلم - إلا أنّ شيئاً لم يتغيّر في ما يتعلّق بحياة آلاف المحتجزين في السجون المصرية"، علماً أنّ "كثيرين منهم (محتجزون) في خرق للقانون المصري ذاته".

الإهمال الطبي شائع في سجون مصر

من جهة أخرى، وثّق "حصاد القهر" معاناة 106 محتجزين ومحتجزات من الإهمال الطبي المتعمّد، بحسب ما رُصد، علماً أنّ هؤلاء محرومون العلاج والفحوصات الطبية اللازمة والجراحات الضرورية. ورأى مركز النديم أنّ على الرغم من كلّ ما يُحكى عن تبنّي سياسات عقابية جديدة في مراكز تأهيل جديدة، فإنّ ذلك لم ينعكس على اختلاف المعاملة من قبل أجهزة الأمن أو إدارات السجون أو الذين تصدر التعليمات لهم.

كذلك رصد مركز النديم تعرّض 52 مواطناً ومواطنة في مصر للتعذيب الفردي في أماكن الاحتجاز، في الغالب، وفي الشارع في حالات معيّنة وفي أثناء الاعتقال أيضاً. وقد علّق: "ما كنّا نتصوّر أنّ أقسام الشرطة هي الأعلى في ممارسة التعذيب". أضاف أنّ "السجون في أرشيف 2023 تصدّرت أماكن الاحتجاز التي تشهد تعذيب المحتجزين من دون محاسبة ولا عقاب للجلادين".

أضاف المركز في تقرير حصاده لعام 2023 أنّ 213 محتجزاً ومحتجزة تعرّضوا للتكدير الفردي في سجون مصر ومن قبل النيابات والمحاكم، فيما رُصدت 104 استغاثات تتعلّق بالتكدير الجماعي الذي طاول مجموعات كاملة من المعتقلين، "لتكتمل دائرة القهر فتشمل ليس فقط الأجهزة الأمنية التنفيذية بل أيضاً جهات من المفترض أن يلجأ إليها المواطنون بحثاً عن العدالة". وأكّد المركز أنّ "في الحالات كلها يُحرم المواطنون والمواطنات حريتهم في زنازين مغلقة تتحكّم فيهم إدارة وسجانون وجلادون لا يحكمهم قانون ولا لوائح ولا إشراف ولا حساب ولا عقاب"، فيما يُحرَم آخرون "حقوق الدفاع والحماية المنوط بالجهات القضائية توفيرها".

قضايا وناس
التحديثات الحية

الإخفاء القسري من الجرائم المرصودة في مصر رغم التكتّم

وفي ما يتعلّق بالإخفاء القسري، رأى مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب أنّ "هذه الجريمة صارت حدثاً روتينياً لكلّ من يُلقى القبض عليه، رغم إصرار الدولة على إنكارها". ولفت إلى أنّ "حتى لو نصّت تعديلات القوانين الجديدة على حقّ قوات الأمن الاحتفاظ بالمقبوض عليهم لمدّة 28 يوماً من دون عرضهم على النيابة، فإنّ سؤالاً يبقى من دون إجابة: لماذا؟. لماذا هذا الحجب عن النيابة إن لم يكن للترويع والترهيب وانتزاع الاعترافات بعيداً عن المحامين والعائلات".

وقد بيّن المركز في تقريره رصد 424 خبراً عن إخفاء قسري في مصر نُشرت في عام 2023 وتخصّ 274 فرداً، مع العلم أنّ عدداً من الضحايا مخفيّ منذ عام 2013، مع الإشارة إلى أنّ عائلات كثيرة لا تعلن حالات الإخفاء القسري لئلا يتعرّض أبناؤها المخفيّون لمزيد من الأذى.

أضاف المركز أنّ "المئات، إن لم يكن الآلاف، ممّن أُلقي القبض عليهم من منازلهم أمام أطفالهم ثمّ جرى إخفاؤهم لأيام أو أسابيع أو شهور أو سنين، ورغم البلاغات والوساطات والالتماسات، هم رهن الإخفاء القسري"، في حين أنّ الدولة وإعلامُها يدّعيان أنّ حالات الإخفاء القسري مجرّد "أخبار كاذبة".

بدعة تدوير المحتجزين في الحبس الاحتياطي

كذلك رصد مركز النديم في أرشيفه الإعلامي لعام 2023 ظهور 1668 مواطناً ومواطنة أمام نيابة أمن الدولة للمرّة الأولى بعد فترات متباينة من الإخفاء القسري. وعلّق بأنّ "المؤكد أنّ ظهورهم ليس انتهاكاً، بل أمر مرحّب به، إذ إنّه يضع حداً لقلق الأسر على مصير أبنائها وبناتها". أضاف المركز: "لكنّ هذا الرقم يشير إلى أنّ ظاهرة الإخفاء القسري تتجاوز الأرقام الواردة في البلاغات والأخبار، خصوصاً أنّ جميعهم - من دون استثناء - ظهروا في أماكن تابعة للدولة، سواء نيابات أو أقسام شرطة، وجميعهم قرّرت النيابة حبسهم 15 يوماً، وجميعهم تقريباً بالاتهامات نفسها".

وتابع مركز النديم، في الإطار نفسه، أنّ تلك الاتهامات هي التي يُصار من خلالها "تدوير محتجزين رهن الحبس الاحتياطي، بلغ عددهم 163 فرداً، قبل أن يحين أوان إطلاق سراحهم بموجب القانون الذي وضع حداً أقصى للحبس الاحتياطي بعامَين. وحتى بعد قضاء فترة الحكم عليهم وبدلاً من تمتّعهم بالحرية المستحقة"، يُحوّلون إلى "قضايا جديدة بالاتهامات نفسها، لا لسبب سوى استمرار حبسهم وحرمانهم الحرية".

وبيّن المركز أنّ ثمّة أشخاصاً "يتمّ تدويرهم منذ اعتقالهم للمرّة الأولى في عام 2013 من دون إحالة إلى المحاكمة. ثمّ تغضب الدولة حين نتحدّث عن الاعتقال"، وتساءل: "ما هو التدوير إن لم يكن اعتقالاً مقنّناً".

تجدر الإشارة إلى أنّ مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب استخدم تعبير "الحرمان" في كلّ انتهاك يطاول شخصاً "منتهكة حقوقه، سواء في داخل سجون مصر أو خارجها"، شارحاً أنّه "الحرمان من الحياة، الحرمان من الحرية، الحرمان من الصحة ومن العلاج ومن الرعاية، الحرمان من الزيارة، الحرمان من رؤية الشمس، الحرمان من العيش والكرامة الإنسانية. وبعد إخلاء السبيل أو إطلاق السراح أو البراءة أو العفو، الحرمان من العيش الكريم. إنّها سياسة تسعى إلى محو ما قامت من أجله ونادت به ثورة 25 يناير".

المساهمون