تهجير في عدن... "المجلس الانتقالي الجنوبي" يشرّد أهالي كريتر

تهجير في عدن... "المجلس الانتقالي الجنوبي" يشرّد أهالي كريتر

20 أكتوبر 2021
مقاتل من "المجلس الانتقالي الجنوبي" (صالح العبيدي/ فرانس برس)
+ الخط -

هجّرت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي عشرات العائلات من منازلها في العاصمة المؤقتة عدن، جنوبي اليمن، وأحرقت وهدمت منازل بالقوة، على خلفية الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة كريتر بين قوات تابعة للمجلس الانتقالي، وأخرى تمردت عليه بسبب خلافات أجنحة عسكرية وأمنية داخله، انتهت بهزيمة القيادي إمام النوبي. أحداث التهجير هذه تحدث على مقربة من قصر المعاشيق، حيث الحكومة الشرعية اليمنية، التي لم تبد أي ردة فعل حيال التهجير القسري للمواطنين. في المقابل، تطالب منظمات حقوقية بوقف الانتهاكات
ويقول حقوقيون وناشطون وبعض أهالي مدينة كريتر في عدن، لـ"العربي الجديد"، إن أكثر من مائتين وخمسين شخصاً هجروا من منازلهم قسراً خلال الأيام القليلة الماضية في جبل الفرس في المدينة، فضلاً عن حرق وتدمير وإخلاء نحو خمسين منزلاً في جبل الفرس بشكل خاص وكريتر بشكل عام، بواسطة قوات تابعة للمجلس الانتقالي، تحت ذريعة البناء العشوائي. لكن الأهالي يشيرون إلى أن السبب الحقيقي للتهجير هو تأييد شباب من المدينة للنوبي.  
يقول أحد المهجرين ويدعى لؤي محمود، لـ"العربي الجديد": "أخرجونا من منزلنا في جبل الفرس بحجة أنه غير شرعي وبناء عشوائي. ثم اتهموا سكان المنطقة بدعم إمام النوبي، وإخفاء مطلوبين للأمن لمساعدتهم النوبي في الأحداث الأخيرة. كما اعتبروا أننا خلايا نائمة معادية للجنوب". يضيف: "عندما رفضنا مغادرة منزلنا وطلبنا منهم عدم طردنا، هددنا أفراد تلك القوات بإحراق المنزل بمن فيه، وأجبرونا على المغادرة، وأصبحنا مشردين نبحث عن مكان نسكن فيه. تفرق أفراد العائلة بين بيوت الأقارب والأصدقاء بانتظار استئجار منزل جديد".  
من جهتها، تقول أماني سعيد لـ"العربي الجديد" إن قوات تابعة للمجلس الانتقالي جاءت إلى منزلهم وطلبت منهم المغادرة وهدمت جزءاً من البيت وأحرقت جزءاً آخر منه. وتؤكد "تهجير الكثير من الناس في جبل الفرس والمنطقة المحيطة، وقطع الطريق المؤدية إلى منازلنا التي كنا نعيش فيها منذ ما قبل انقلاب جماعة أنصار الله الحوثيين واندلاع الحرب".
من جهته، يقول عبد الله علي لـ"العربي الجديد" إنه غادر منزله مع عائلته بالقوة حاله حال جيرانه من أبناء عدن، علماً أن عائلات في المنطقة نفسها لم تهجر كونها تنتمي إلى مناطق قوات المجلس الانتقالي. ويؤكد أن هناك تحيزاً واستهدافاَ لأشخاص دون غيرهم، لا سيما أن بعض العائلات أمهلت يومين لمغادرة منازلها، عدا عن رفض دفع تعويضات للمهجرين من منازلهم. 

ويشير علي إلى أن تلك القوات تسعى إلى "إنشاء معسكر خاص فيها في المكان نفسه الذي يتم تهجير المواطنين فيه من منازلهم، وذلك على حساب المدنيين". وتبرر السلطات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن ما يحدث قائلة إن هناك توجيهات من قيادة الانتقالي وقيادة محافظة عدن بإزالة كل البناء المستحدث والبناء العشوائي في كريتر، لا سيما في جبل شمسان، المطل على المدينة والذي شهد انتشاراً واسعاً للبناء العشوائي.

مقاتل من "المجلس الانتقالي الجنوبي" (صالح العبيدي/ فرانس برس)
قوات الانتقالي في عدن تسعى لإنشاء المزيد من المعسكرات (صالح العبيدي/ فرانس برس)

من جهته، يقول مصدر خاص في قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إن "المناطق العشوائية تؤوي الكثير من المطلوبين الذين ساعدوا القيادي إمام النوبي على التمرد في مدينة كريتر، وإن نازحين من محافظات شمالية واقعة تحت سيطرة الحوثيين يسكنون في هذه المناطق المزدحمة، وقد تكون بينهم خلايا نائمة". وترفض قيادة الانتقالي دعوات حقوقية لوقف عمليات التهجير والحرق وتدمير منازل المواطنين في كريتر، فضلاً عن وقف المداهمات والاعتقالات المستمرة منذ انتهاء المواجهات بين قوات الانتقالي ومسلحي القيادي إمام النوبي، في الوقت الذي ترفض تعويض هذه العائلات المهجرة من مناطقها.
وكان لهذه الانتهاكات صداها بين المواطنين في عدن، لا سيما أن قوات الانتقالي في عدن تسعى لإنشاء المزيد من المعسكرات في أجزاء عدة من المدينة التي تعتبرها قوات الانتقالي معارضة. لذلك، تسعى إلى عسكرة المدينة وفرض المزيد من الانتشار وملاحقة المعارضين، على الرغم من كل المطالبات بوقف عمليات التهجير القسري وإحراق وهدم المنازل في ضواحي المدينة، فضلاً عن منازل داخل المدينة يعود عمرها إلى عقود خلت، بالإضافة إلى اتهام سكان هؤلاء المنازل بالانتماء للقيادي إمام النوبي.
إلى ذلك، يقول رئيس منظمة الراصد لحقوق الإنسان أنيس الشريك في بيان: "قلنا قبل أيام أن تعدد الأطراف الأمنية التي تنفذ الاعتقالات والمداهمات في كريتر أدى إلى سقوط ضحايا، عدا عن الإخفاء والتعذيب بطريقه انتقامية لا يمكن لأي طرف  أمني أن يمارسه"، مشيراً إلى "رصد وتوثيق أكثر من واقعه إحراق منازل لأشخاص من كريتر بتهمة الانتماء إلى إمام النوبي. وأُخرحت الأسر والأطفال من داخل المنازل، كما أُحرقت بيوت بأكملها". يضيف: "لا أتحدث عن جبل الفرس وملف النازحين وما حصل من إحراق لبيوت النازحين ومنازلهم في جبل الفرس. أتحدث عن كريتر فقط وإحراق منازل لأشخاص من أبناء كريتر بتهمة الانتماء لإمام النوبي".

ويؤكد الشريك أن هناك "إحراقاً للمنازل. هذه الثقافة الدخيلة على عدن تعد بادرة خطيرة. وإن لم يتم وقف العبث والانتهاكات التي تحصل في كريتر، فسنصحو قريباً على انتهاكات وجرائم حرب، وليس حملة أمنية"، داعياً "المحافظ ورئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الاهتمام بهذا الملف ووضع كريتر، محملاً إياهم المسؤولية كاملة". 
في المقابل، يبرر أنصار الانتقالي ما يحدث باعتباره ضرورة لضبط الأمن ووقف البناء العشوائي، متهمين الأهالي في تلك المناطق من جبل شمسان بالإنتماء إلى مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين. وتعليقاً على عمليات الانتقالي في جبل الفرس، يقول رئيس تحرير صحيفة "يافع نيوز" المقرّب من الانتقالي ياسر اليافعي على صفحته على "فيسبوك": "النازحون في العالم كله، حتى مأرب، تقام لهم مخيمات نزوح خارج المدينة وعند أطرافها، بينما في عدن أسكنوهم قمم الجبال المطلة على كل الأماكن الحيوية، بما فيها المطار والميناء والمعسكرات. تخيل أن مدناً سكنية تظهر لك فجأة على قمم الجبال! كيف سيكون وضع المدينة المستقبلي؟ السؤال لمن يتغنى بحب عدن ليحقق مصلحة سياسية أو مادية".

مقاتل من "المجلس الانتقالي الجنوبي" (صالح العبيدي/ فرانس برس)
لم تبد الحكومة أي ردة فعل حيال التهجير القسري التي ترتكبها قوات تابعة للمجلس الانتقالي (صالح العبيدي/ فرانس برس)

يضيف: "قبل شهر تقريباً، اطلعت على ملف فيه أكثر من 700 اسم لنازحين بنوا بيوتاً وسكنوا في جبال كريتر والمعلا والتواهي، وجميعهم من صنعاء وذمار وتعز والحديدة. وأمام كل اسم عدد أفراد الأسرة ورقم الهاتف. وقد أعدت منظمة حقوقية الكشف ويجرى التواصل مع منظمات دولية لإخلاء مواقعهم"، مضيفاً: "المهم ألا يبني نازح بيتاً على قمة جبل مطل على قلب مدينة تعيش صراعات ومؤامرات وحروباً". يتابع: "أتحدى الذين يدعون أنهم حقوقيون بهدف كسب المال أن ينظموا رحلة إلى جبل نقم أو النهدين أو الجبال المطلة على مذبح. على الحقوقيين والمنظمات رفع التقارير للحكومة ومنظمة الهجرة الدولية والأمم المتحدة لتوفير مخيمات نزوح تضمن حياة كريمة لهؤلاء النازحين، وتحفظ كرامتهم ومستقبل أطفالهم، بدلاً من التشرد في الجبال. الجميع سيكون معهم وداعماً لهم". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ولم تبد الحكومة أي ردة فعل حيال عمليات التهجير القسري التي ترتكبها قوات تابعة للمجلس الانتقالي في أحياء قريبة من قصر المعاشيق، مقر الحكومة ورئيسها. ومنذ بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، شنت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي حملة اعتقالات واسعة في مدينة كريتر. وقالت مصادر حقوقية إن المداهمات طاولت العشرات من المنازل، وتجاوزت حتى اللحظة 40 منزلاً في المدينة، وشوهد عشرات الناس ممن اعتقلتهم قوات المجلس الانتقالي وهم ينقلون إلى جهات غير معروفة، بتهمة مساعدة القيادي إمام النوبي الذي خاض المواجهات ضد الانتقالي.

المساهمون