اليمن: معلمون في قلب "الدمار الشامل"

اليمن: معلمون في قلب "الدمار الشامل"

07 أكتوبر 2021
التعليم في عهدة مدرسين غير مؤهلين ( خالد زياد/ فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن إعدام جماعة الحوثيين ثلاثة معلمين في نهاية سبتمبر/ أيلول المنصرم الانتهاك الأوّل من نوعه في حقّ عاملين في حقل التعليم باليمن. فعلى مدى أعوام من الحرب الدائرة، كان المعلمون في قلب المعاناة وتعرّضوا إلى ممارسات مروعة وسط تجاهل تام من المجتمع الدولي. واللافت أنّ إعدام المعلمين محمد يحيى نوح وإبراهيم محمد عاقل ومحمد محمد المشخري على أثر محاكمة سياسية شهدت تنديداً أممياً وكذلك دولياً واسعَين، أتى قبيل الاحتفال بيوم المعلم العالمي في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. ويدفع ذلك المسؤول الإعلامي لنقابة المعلمين اليمنيين يحيى اليناعي إلى التعبير عن شعوره بمرارة بالتزامن مع هذا اليوم، فالمعلمون فُجعوا بإعدام ثلاثة من زملائهم "تنفيذاً لأحكام سياسية ظالمة استُخدمت كسلاح لسفك دماء ناشطين في سبيل الحرية والعدالة في اليمن".
ويقول اليناعي لـ"العربي الجديد": "كنّا نأمل بألا يحلّ يوم المعلم العالمي مترافقاً مع مزيد من الانتهاكات، لكنّ المجتمع الدولي خذلنا، مع العلم بأنّ رئيس نقابة المعلمين اليمنيين في العاصمة صنعاء سعد النزيلي وأكثر من 600 معلم آخرين ما زالوا في سجون الحوثيين". ويؤكد اليناعي أنّ "معلمي اليمن في صنعاء يعيشون منذ سبتمبر/ أيلول من عام 2014 تاريخ سيطرة الحوثيين على المنطقة، أسوأ أيامهم وأشدّها فقراً، بعدما انفتحت أبواب الجحيم عليهم". ويشير اليناعي إلى "مقتل 22 معلماً في المعتقلات بعد تعرّضهم إلى التعذيب، فيما فُجّر 44 منزلاً يملكها معلمون في عمليات ترافقت مع تهديدهم بتنفيذ تصفيات جسدية في حقهم. كذلك تعرّض قسم كبير إلى اضطهاد وصرف تعسفي من الوظيفة".

وتفيد بيانات نقابة المعلمين اليمنيين بمقتل أكثر من 1500 معلم وجرح نحو 2400 آخرين وتشرّد أكثر من 20 ألفاً من منازلهم في الأعوام السبعة الماضية، ما يؤكد دفعهم ثمناً باهظاً للحرب. كذلك يجد عشرات الآلاف أنفسهم في حال فقر بعد قطع رواتب عن مناطق نفوذ جماعة الحوثيين منذ نحو خمسة أعوام، ويقدّر تقرير حديث للأمم المتحدة عدد هؤلاء بنحو 172 ألفاً يشكلون ثلثَي العاملين في القطاع التربوي. كذلك تتهم نقابة المعلمين الحكومة المعترف بها دولياً في عدن بالتنصّل عن مسؤوليتها في صرف رواتب معلمين نازحين.
وفي إطار المعاناة النفسية من جرّاء التأثيرات السلبية للنزاع والفقر، واجه معلمون في عدد من المحافظات ملاحقات وتهديدات بسبب مواقف سياسية، فيما تعرّض إلى التهديد آلاف في صنعاء والمدن الأخرى الخاضعة لنفوذ الحوثيين، بالإضافة إلى محاولات مستمرة لتحويل تعليمهم بحسب التوجهات الحوثية. وقد جعل ذلك آلاف المعلمين يتوقفون عن ممارسة المهنة، ويبحثون عن أخرى تسمح بإعالة أسرهم. أحمد القدسي واحد من هؤلاء وهو مدرّس مادة الكيمياء في مديرية الثورة بصنعاء، يخبر "العربي الجديد" أنّه أنهى مسيرة 25 عاماً في عالم التعليم ليزاول مهناً بعيدة عن تخصصه من أجل ضمان رزقه اليومي، من بينها بيع القات في الأسواق الشعبية ومعجنات تصنعها زوجته.
من جهة أخرى، ترك مئات من المعلمين المدارس الحكومية بعد وقف سداد رواتبهم وطرقوا أبواب المدارس الأهلية التي لم تمنحهم إلا أجوراً زهيدة لا تكفيهم لمواجهة أعباء الحياة. ويقول أحد هؤلاء لـ"العربي الجديد" إنّ "المدارس الأهلية تستغل ظروف المعلمين والمعلمات فتعاملهم كعمّال سخرة، إذ تدفع لهم أجوراً تتراوح ما بين 50 و60 دولاراً شهرياً فقط".

الصورة
أساليب تدريس حوثية من نوع آخر (محمد حمود/ Getty)
أساليب تدريس حوثية من نوع آخر (محمد حمود/ Getty)

وبسبب تسرّب المعلمين من المدارس الحكومية، واجه نحو أربعة ملايين تلميذ خطر فقدان فرص الحصول على تعليم، ما استدعى سدّ السلطات الحوثية الفراغ بواسطة معلمين غير مؤهلين ما زالوا بمعظمهم طلاباً جامعيين في أعوامهم الأولى أو هم خرّيجو ثانوية عامة.
وقد حاولت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) الحفاظ على عملية التعليم في اليمن ومنع انهيارها، من خلال توفير حوافز نقدية شهرية لمعلمين وموظفين عاملين في مدارس بمناطق شمالي اليمن. لكنّ مصادر تربوية توضح لـ"العربي الجديد" أنّ "المنحة المؤقتة التي صرفتها يونيسف وشملت نحو 135 ألف معلم ومعلمة لمدة تسعة أشهر في خلال عامَين دراسيَّين مهددة بالتوقف بسبب انخفاض أموال المانحين للمهمات الإنسانية المختلفة في اليمن". كذلك ثمّة خشية من استمرار انقطاع رواتب المعلمين لأعوام، وتحذير من أنّ هذا الأمر "سوف يؤثر على ملايين الأطفال ويجعلهم عرضة إلى العمالة القسرية والتجنيد للقتال أو إلى اتّجار بالبشر وسوء معاملة وزواج مبكر يطاول الفتيات".

في سياق آخر، تبيّن التحاق معلمين يمنيين بصفوف كلّ أطراف النزاع على جبهات القتال. وقد ظهر عدد منهم مرتدين بزّات عسكرية بعد نيلهم رتباً صورية منحتها الأطراف المتحاربة لمنتسبيها من دون أيّ معايير.

المساهمون