العمالة المنزلية... لقاحات كورونا بعيدة المنال في مصر

العمالة المنزلية... لقاحات كورونا بعيدة المنال في مصر

01 مايو 2021
لا حماية صحية ولا اجتماعية لها (ديفيد سيلفرمان/ Getty)
+ الخط -

"كيف أحصل عليه؟ ما هو تحديداً؟ هل هو لقاء مقابل مادي؟"، أسئلة تلقائية تطرحها أمّ إبراهيم بمجرّد سؤالها عمّا إذا كانت تلقّت اللقاح المضاد لكوفيد-19 أم لا، قبل أن تضيف "لم يخبرنا عنه أحد ولم نسمع عنه حتى من خلال التلفاز". وأمّ إبراهيم هي عاملة منزلية مصرية حاصلة على شهادة تعليم متوسط، بالتالي ليست أميّة، وزوجها كذلك فهو يحمل شهادة تعليم ما قبل الجامعي. أمّا أبناؤها فيتابعون جميعهم تعليمهم في مراحل مختلفة، وعدد منهم يدرس إلكترونياً من خلال "تابلت" (جهاز لوحي) وزارة التربية والتعليم المصرية. وعلى الرغم من ذلك، لا تملك ولا معلومة واحدة عن اللقاحات الخاصة بفيروس كورونا الجديد.
وأمّ إبراهيم، التي تحرص على النظافة، تخشى على أبنائها من خطر الإصابة بعدوى كوفيد-19. وتشرح "أمسح الأرضيات والأسطح دائماً بالكلور المخفف، وأعدّ لأبنائي شراب الزنجبيل مع اليانسون والليمون لتقوية المناعة. فأنا لا أملك ثمن العلاج ولا أستطيع تحمّل تكاليف المستشفيات في حال إصابة أحدهم بالفيروس". وتؤكد المرأة العاملة، حالها حال مئات آلاف من العمالة المصرية، أنّها لا تملك في مواجهة وباء كورونا "سوى الاتكال على الله والوقاية قدر المستطاع"، في ظلّ استهتار من قبل الحكومة المصرية بالموجة الثالثة شديدة الخطورة في البلاد والتوزيع غير العادل للقاحات.
للعام الثاني على التوالي، يحلّ على العمال عيدهم وسط أزمة كورونا، لكنّ المختلف هذا العام هو أنّ القلق يتزايد في مصر فيما تبدو عمليات التحصين شبه معدومة. فكميّة اللقاحات المتوفرة في البلاد محدودة حتى الآن، والحكومة المصرية توزّع اللقاح في البلاد من دون التقيّد بمنح الأولوية للمجموعات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، في حين أنّ أيّ مسؤول لم يعلن عن توفير اللقاحات للعمال حتى في المصانع والشركات التابعة للحكومة. بالتالي، ماذا عن مئات آلاف من اليد العاملة غير المنتظمة، واقتصاد الظل البعيد تماماً عن نظر الحكومة وأولوياتها؟

قضايا وناس
التحديثات الحية

وإذ تؤكد أمّ إبراهيم أنّها مطّلعة على ماهيّة الفيروس وأعراضه وكيفية الوقاية منه منذ العام الماضي، تقول إنّها المرة الأولى التي تسمع فيها عن لقاحات واقية "مثل تطعيمات الأطفال"، على حدّ وصفها، وهي متاحة للجميع مجاناً، وفي إمكانها تسجيل أسرتها ووالدتها وحماتها على قائمة الراغبين في تلقّيها. يُذكر أنّ الحكومة المصرية كانت قد فتحت مجال التسجيل الإلكتروني للحصول على اللقاح المضاد لكوفيد-19 أمام كل الفئات العمرية، في منتصف مارس/ آذار الماضي. وحتى مطلع إبريل/ نيسان الماضي، تلقّى أقل من 150 ألف شخص، أطباء ومواطنين من كل الفئات المستحقة، جرعات من اللقاحات المتوفرة في مصر، علماً أنّها لا تضم لقاح "فايزر-بيونتيك". وهذا العدد قليل جداً مقارنة بكمية الجرعات المختلفة التي حصلت عليها مصر، ومقارنة بالوضع في بلدان عربية مجاورة.

لم تنظر الحكومة إلى ملايين العمال وكيفية حمايتهم من الإصابة

وعلى الرغم من تضرر قطاعات العمل بشكل مباشر من جرّاء أزمة كورونا، لم تنظر الحكومة إلى ملايين العمال المصريين وكيفية حمايتهم من خطر الإصابة، بعدما فشلت في حمايتهم من أخطار فقدان العمل والبطالة على مدى أكثر من عام كامل. فهذه الأزمة أدّت إلى زيادات كبيرة في معدلات الفقر والجوع، وإلى تدهور في مستويات المعيشة لدى الأغلبية العظمى من السكان، في ظل تخوف عالمي من تفشي البطالة وتعميق فقر العمال في العالم نتيجة الجائحة.
وقد أفادت دراسة صادرة عن منظمة العمل الدولية، في ديسمبر/ كانون الأول 2020، بأنّ جائحة كورونا أدّت إلى انخفاض الأجور الشهرية أو ازديادها ببطء أكبر في خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2020 في ثلثَي البلدان التي توفّرت فيها معلومات رسمية، مرجّحة أن تفرض الأزمة ضغطاً هائلاً في اتجاه انخفاض الأجور في المستقبل القريب. وأشارت الدراسة نفسها إلى أنّ تداعيات الجائحة على اقتصاديات العالم تُعَدّ الأسوأ منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، فهي تدفع الاقتصاد العالمي إلى الركود. من جهته، توقع صندوق النقد الدولي انكماشاً كبيراً في الناتج العالمي نتيجة تعطيل سلاسل التوريد وغلق الشركات أو تقليص أعمالها.

وتوقعت دراسة منظمة العمل الدولية أن تعمّق الجائحة الأزمات الاقتصادية التي واجهتها بلدان عربية عديدة في خلال الأعوام الأخيرة، خصوصاً البلدان ذات الدخل المنخفض، مع توقّع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة العربية. كذلك سوف تزيد استجابة الدول العربية لأزمة كورونا العجز الذي من المرجّح تمويله من الاقتراض، ما يعني تعميق المديونية. يُذكر أنّ الأزمة أثّرت على 6.1 مليارات عامل في القطاع غير المنظم في العالم، وخُفضت مداخيلهم بنسبة 60 في المائة.
وبينما تمثّل أمّ إبراهيم وهؤلاء اللواتي يُصنّفنَ من اليد العاملة غير المنتظمة رقماً في معادلة التأثر الاقتصادي بالوباء العالمي، إلا أنّهنّ سقطنَ من حسبات اللقاحات. وتبلغ نسبة العاملات غير النظاميات في القطاعات التي تأثّرت بشدة من تداعيات أزمة كورونا 33 في المائة في البلدان العربية، ونحو 30 في المائة في بلدان شمال أفريقيا. ويشمل الأمر الخدمة المنزلية والخدمات في الحضانات والمدارس والفنادق والمطاعم والقطاعات التجارية (جملة وتجزئة)، بالإضافة إلى الأنشطة العقارية والإدارية والتجارية وبعض أنشطة التصنيع.

تبلغ نسبة العاملات غير النظاميات في القطاعات التي تأثّرت بشدة من تداعيات أزمة كورونا 33 في المائة في البلدان العربية

وقد كشفت أزمة كورونا عن مدى هشاشة أوضاع العاملات في القطاع غير المنظم في معظم بلدان العالم وفي بلداننا العربية، نتيجة عدم الاستقرار الوظيفي والبطالة وملازمة المنازل لفترة طويلة. وتواجه هذه الفئة معضلة الخوف إمّا من الموت جوعاً وإمّا من الفيروس.
وعن تأثير الجائحة على العاملات والعاملين في مجال الخدمة المنزلية، أشارت الدراسة المذكورة آنفاً إلى أنّ أعداد هؤلاء كبيرة وقد قُدّرت في الرابع من يونيو/ حزيران 2020 بـ55 مليون عاملة وعامل حول العالم، وهو ما يعني أنّ ما نسبته 72.3 في المائة من مجموع العمال المنزليين مهددون بفقدان وظائفهم وأجورهم من جرّاء الحجر الصحي الشامل والجزئي، بالإضافة إلى افتقار 38 في المائة منهم إلى شروط العمل اللائق من تأمين وحماية اجتماعية، مع العلم أنّ 37 مليون عاملة منزلية في العالم يعانينَ الهشاشة.

المساهمون