العراق: عنف أسري "بلا رادع"

12 يونيو 2021
متظاهرات ضد الاغتصاب في بغداد (حسين فالح/ فرانس برس)
+ الخط -

قتلت شابة في الخامسة والعشرين، زوجها، خنقاً، أخيراً، بسبب مشاكل عائلية، في بلدة سوق الشيوخ، بمحافظة ذي قار، جنوبيّ العراق. جاء ذلك بعد أيام على إقدام سيدة على حرق غرفة كان زوجها نائماً فيها، بعدما دسّت له مخدراً في شراب، بحسب اعترافات أدلت بها للشرطة. وكذلك ارتُكبت جريمة مماثلة في محافظة بابل، إذ قتلت امرأة زوجها وابنتها. وقبل أكثر من أسبوعين، كشفت السلطات الأمنية في العاصمة بغداد، أنّ رجلاً قتل زوجته وأخفى جثتها في حديقة المنزل.
جرائم تتكرر، في تطور لافت للعنف الأسري الذي يتنامى في العراق، بلا رادع أو قانون يحاسب الجناة، أو يهتم بمعالجة الأسباب. وتؤكد مصادر في وزارة الداخلية العراقية، تسجيل حالات قتل شهرياً في المنازل. وتوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "عمليات القتل والحرق والتعذيب هي جرائم متعمدة بكلّ معنى الكلمة، علماً أنّ العنف الأسري الذي يقتصر على الضرب والإهانة وأحياناً الطرد من المنزل، يمثل ظاهرة متفشية منذ فترة طويلة في العراق، لكنّ الحالات المتزايدة الحالية أكثر خطورة، لكونها تمثل جرائم قتل بطرق بشعة مع سبق الإصرار والترصد، إذ يعمل الجاني على درس جريمته قبل تنفيذها مع مراعاة الأجواء العامة والأخذ بالاعتبار طرق التملص من المساءلة القانونية". تضيف المصادر: "على سبيل المثال، اتفقت امرأة مع أخيها على تنفيذ جريمة قتل زوجها، وهربت إلى خارج العراق. لذلك، هناك حاجة ملحّة لتشريع قانون العنف الأسري في البلاد".
وبحلول نهاية الشهر الماضي، سجلت وزارة الداخلية 15 ألف حالة عنف منزلي في العراق خلال عام 2020، فيما يرى ناشطون وناشطات عراقيات بمجال حقوق الإنسان والحريات المدنية، أنّ الأعداد أكثر بكثير مما يُعلن رسمياً، وخصوصاً أنّ حالات كثيرة لا تُسجَّل لأسباب تتعلق بالعادات الاجتماعية والتقاليد العشائرية والقبلية في بعض المحافظات.

وفي هذا الشأن، تقول الناشطة في بغداد، تبارك عاصم، لـ"العربي الجديد" إنّ "مئات من حالات العنف المنزلي والأسري تنتهي بالصلح بين الزوج والزوجة، أو بين الأخ والأخت، لذا لا تسجل في دوائر وزارة الداخلية". وعن حالات القتل الجديدة، تشير عاصم إلى أنّها "في زيادة متواصلة. ومعظم أسبابها الخيانة الزوجية، إضافة إلى عوامل نفسية كثيرة، مثل الكبت والشعور بالقهر والفقر والبطالة والأوضاع الاقتصادية الصعبة. والحالات تزداد من دون أيّ توجيهات حكومية أو قوانين تحمي الأسرة العراقية". تتابع: "قبل أيام، شهد حيّ الكاظمية في بغداد واقعة بشعة، حين قتل رجل زوجته، ثم قطّع جسدها ورمى الأجزاء في مكان بعيد عن منزله. ثم زعم أنّها خرجت صباحاً إلى وظيفتها ولم ترجع إلى المنزل، لكنّ كاميرات المراقبة المنتشرة في الحيّ الذي يسكن فيه أثبتت أنّها رجعت إلى المنزل ولم تخرج. لكن هناك للأسف أكثر من عذر للرجل الذي يقتل زوجته أو أخته، ولا سيما مع وجود حاضنة ذكورية تحميه أكثر من المرأة. ويحتمي الرجل المدان عادة بقتل زوجته أو أخواته بجلباب العشيرة التي تعمل على إنهاء الملف بالتراضي، أو عبر الفصل، وهي دفعة مالية تعطى لأهل المجنيّ عليها".
ولا يملك العراق قانوناً للعنف الأسري، ويعتمد على مواد تشريعية تسمح للزوج والأب بـ"تأديب الأبناء أو الزوجة ضرباً ما دام لم يتجاوز حدود الشرع". وتورد المادة الـ41 من قانون العقوبات أنّه "لا جريمة إذا وقع فعل الضرب استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون. ويعتبر استعمالاً للحق تأديب الزوج لزوجته، وتأديب الآباء والمعلمين للأولاد القصر" فيما تلجأ الشرطة عادة إلى فرض تعهدات على المسبب للضرر إن كان والداً أو والدة أو زوجاً، وتكتفي بإجراء "مصالحة" بين الطرفين في بعض الأحيان. وإن كان الطرف المسبّب هو الأب، تُلزم الأطفال بالعودة إلى المنزل.

العنف الأسري 2
زوجان يستريحان في البصرة (حسين فالح/ فرانس برس)

لكنّ الضرب يسبب أحياناً وفاة نساء، وفقاً للناشطة المدنية نور عبد الله العزاوي، التي تشير في حديثها لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "القانون العراقي يسمح بضرب المرأة وتعنيفها. وقد حدث أن تمادى رجل بضرب زوجته بدوافع تأديبية، لكنّها ماتت من تأثير الكدمات القوية، والقانون لم يحاسب الرجل لأنّ دوافعه لم تكن القتل، بل التأديب، وهذه الجرائم تقع بعلم الدولة".
توضح العزاوي أنّ "حالات قتل الأزواج على يد الزوجات تزداد، وتحديداً لدى المتزوجين حديثاً الذي يتمتعون بخبرة قليلة في الحياة. كذلك إنّ الغزو الثقافي الناتج من المسلسلات الأجنبية والأفلام التي تدعو إلى الانتقام تؤثر في النساء أحياناً".
والعام الماضي، أبدى رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، عزمه على تمرير قانون "العنف الأسري" بعدما أقرّه مجلس الوزراء ورفعه إلى مجلس النواب، علماً أنّ بنود القانون تحمي "الشرائح الضعيفة في المجتمع" مثل الأطفال والنساء، ويعاقب أيضاً الرجال الذين يمارسون العنف والضرب والقتل. 
وكان القانون قد أقرّ بعد سنوات من مطالبات منظمات محلية ودولية في ظلّ ارتفاع معدلات العنف الأسري، وصولاً إلى فترات الحجر المنزلي الذي فُرض لأشهر من أجل الوقاية من فيروس كورونا.
وقالت وزيرة الهجرة والمهجرين، إيفان جابرو، وهي ناشطة نسوية سابقة، لـ"العربي الجديد": "نأمل تصويت مجلس النواب (البرلمان) على القانون في أسرع وقت، لوقف العنف الذي تتعرض له أسر كثيرة. لهذا القانون أهمية كبيرة، لكونه سيشكّل نقلة نوعية في حماية حقوق الأسرة العراقية أسوة بالقوانين والأنظمة المعمول بها في غالبية دول العالم". 
وقد أوصى بيان مشترك أصدرته ممثلات للمرأة في البرلمان والحكومة، بتسريع تشريع قانون الحماية من العنف الأسري، وجعله من أولويات عمل مجلس النواب، عبر وضعه على جدول أعمال أولى جلساته. 
ويورد البيان أنّ "المجتمعات أصدرت توصية أخرى تتعلق بمناشدة السلطة القضائية إيلاء جرائم العنف الأسري أهمية قصوى، والعمل على عدم إفلات مرتكبيها من القصاص العادل" فيما طالبت الحكومة ووزارة الداخلية بـ"تقديم الدعم اللازم لمديرية حماية الأسرة والشرطة المجتمعية لتمكينها من تنفيذ واجباتها في الشكل الأكثر مثالية، وبما يتلاءم مع التحديات الكبيرة".

من جهته، رأى الخبير القانوني علي التميمي في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّ "جرائم الحرق وتقطيع الجثث واستخدام أساليب وحشية في ارتكاب الجريمة تؤكد وجود نزعة عالية لارتكاب الجريمة وتخطيطها، يجب أن تعاقب بالإعدام وفق قانون العقوبات العراقي". وأرجع سبب ارتكاب معظم هذه الجرائم إلى "تعاطي المخدرات والبطالة، والسلاح المتفلت وضعف الرادع الديني، إضافة إلى تأثير المسلسلات المدبلجة. وهذه الجرائم طارئة على العراق وتحتاج إلى حلول سريعة". وختم قائلاً: "شيوع الجرائم البشعة المحبكة وليست الكاملة، أسبابه ليست مادية فقط، فهناك جرائم انتقامية تكون أسبابها تافهة أحياناً".

المساهمون