التطبب بالغابات... احضن شجرة للشفاء في الصين

التطبب بالغابات... احضن شجرة للشفاء في الصين

16 نوفمبر 2023
الصينيون أكثر اهتماماً بعلاجات الغابات (مينغ ديلونغ/ Getty)
+ الخط -

لا يستغرب شخص في الصين إذا نصحه طبيب، خلال معاينة صحية، بالذهاب إلى غابة لاحتضان شجرة، فما علاقة الأشجار وهذا التصرف تحديداً بصحة الإنسان؟  
أظهرت دراسات طبية حديثة أن بيئة الغابات توفر فوائد عدة، مثل خفض ضغط الدم ومعدل النبض ونشاط الأعصاب وتقليل تركيز هرمونات التوتر في الغدد اللعابية، كما أن مشي الإنسان في الغابات أو المساحات الخضراء يساعده على استعادة انتباهه وتركيزه الذهني، وتحسين حالته النفسية والشعور بالحرية والاسترخاء.  

وفي أحدث هذه التجارب، اختار مركز "تيان شين" بمقاطعة سيشوان (جنوب غرب) مجموعة طلاب للخضوع لجلسة علاج بالغابات لمدة ليلتين. وتبين أن بقاء الطلاب في منطقة دائمة الخضار وتتضمن أشجاراً ذات أوراق عريضة قلل الإجهاد التأكسدي، وحفّز مستويات الكورتيزول في الدم. ومع إطالة مدة الإقامة إلى ست ليالٍ في ظل الظروف البيئية نفسها انخفض ضغط الدم بشكل ملحوظ، وأيضاً المشاعر السلبية. 
ووجدت الدراسة أيضاً أن التعرض للغابات يخفف من المخاوف المتعلقة بالصعوبات المالية وضغوط الامتحانات والعلاقات الاجتماعية، كما يخفض التوتر ويعزز التركيز ومستوى الانتباه. 
ووصف القائمون على الدراسة التجربة بأنها ممارسة تستخدم موارد الغابات والمناظر الطبيعية لتوجيه الناس إلى استشعار وفهم العلاقة بين الطبيعة والإنسان من خلال اختبارات حسيّة تمهيداً لتعزيز الصحة البدنية والعقلية، وإلهام الناس إلى حماية الغابات من خلال الالتزام بتنفيذ نشاطات محددة من أجل تحقيق تنمية صحية وطبيعية مستدامة. 
وانطلاقاً من نتائج هذه الأبحاث والدراسات، بات أشخاص كثيرون في الصين يهتمون بتأثير الغابات في الوقاية من الأمراض، وظهر التطبب بالغابات باعتباره علاجاً وقائياً يشكل بديلاً مناسباً للتعامل مع التوتر وتحسين الصحة العامة عن طريق تعزيز التفاعل، وقضاء وقت أطول في ظلال البيئة الخضراء والصحية.

تحفيز الحواس

تقول شين شين التي خاضت تجربة السياحة العلاجية بالغابات مع مجموعة من الطلاب في إبريل/ نيسان الماضي، لـ"العربي الجديد": "كانت التجربة شبيهة بنشاط كشفي شمل مكوث الطلاب في واحة طبيعية لمدة ثلاثة أيام، والاحتكاك مباشرة بالطبيعة عبر احتضان الجذوع والالتحاف بأوراق الشجر. ولم يُسمح لنا بنصب خيام إذ اشترط منظمو التجربة عدم وجود أي عازل بين المشاركين والطبيعة". 
تضيف: "تخللت التجربة أنشطة رياضية مثل تسلّق الأشجار وقطف الثمار وشدّ الحبال، وأخرى ترفيهية هدفت إلى إبقاء الجسم في حركة دائمة". 
وعن تأثير هذه الأنشطة على صحتها تقول شين: "شعرت بان ضغط دمي انخفض، وبت أكثر قدرة على مواكبة نشاطات المجموعة رغم أنني خجولة وأعاني من الرهاب الاجتماعي".
من جهته، يقول لونغ يانغ، وهو أحد المشرفين على برامج السياحة العلاجية في مدينة شنغهاي لـ"العربي الجديد": "تهدف الرحلات إلى تعزيز الصحة العامة من خلال استخدام موارد الغابات والطبيعة في تحفيز الحواس الخمس للإنسان. وهذه الأنشطة تحصل بإشراف طبي وليست مجرد نشاطات ترفيهية. وقد دفع إقبال الناس على هذه النوع من السياحة العلاجية الحكومة إلى تطوير بنى تحتية في المناطق الخضراء تسمح للزوار بالاستجمام والاستمتاع بالغابات، عبر توفير المرافق العامة والخرائط الإلكترونية للتعرف إلى الغابات وتجربة جمالها".

الصورة
المساحات الخضراء تحسّن الصحة (فريد دوفور/ فرانس برس)
المساحات الخضراء تحسّن الصحة (فريد دوفور/ فرانس برس)

راحة روحية

وتعلّق الباحثة الاجتماعية لان جو يان على هذه الظاهرة، بالقول لـ"العربي الجديد": "العلاج بالغابات نظام استشفاء يعتمد على العلاقة بين الإنسان والطبيعة، والاعتقاد الصيني القديم المتمثل في اتباع قانون الطبيعة وتحقيق الانسجام بين الإنسان والطبيعة دعم إلى حدّ كبير فكرة مساهمة الغابات في تحقيق التوازن بين جسم الإنسان وروحه".
تضيف: "نصح الصينيون القدماء الناس بدمج أجسامهم بالطبيعة لتحقيق الراحة الروحية، وساعد ذلك في انسجام الإنسان مع البيئة التي تحيط به. ومنذ ذلك الحين شاع استخدام تجربة الغابات كمصطلح عام للأنشطة الشعبية التي تركز على إدراك الغابة وبيئتها، وبات يُنظر إلى الغابات بأنها فرصة لفهم الطبيعة، ما وسع مفهوم السياحة العلاجية نحو نشاط تشاركي وتفاعلي يجعل الناس أقرب وأكثر التصاقاً بالأرض، وما يتواجد عليها".
وتندرج السياحة العلاجية في الصين أيضاً ضمن محاولة السلطات الصينية تعزيز السياحة الداخلية باعتبارها رافعة للاقتصاد الوطني الذي تأثر خلال فترة الإغلاق المرتبطة بوباء كورونا تنفيذاً لسياسة "صفر كوفيد" التي استمرت لثلاث سنوات. 
وسجلت الصين 106 ملايين رحلة سياحة داخلية خلال عطلة مهرجان قوارب التنين التي استمرت ثلاثة أيام في شهر يونيو/ حزيران الماضي، بزيادة 32 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، بينما بلغ إجمالي عائدات السياحة خلال تلك العطلة 37 مليار يوان (نحو 5.2 مليارات دولار أميركي)، بزيادة 44 في المائة على أساس سنوي.
في المقابل، يشكك وو جيانغ بفاعلية الغابات في علاج الإنسان وتحقيق التوازن النفسي، باعتبار أن "حاجة الإنسان إلى الصحة تفوق بكثير الخدمات التي يمكن أن تقدمها الغابات". ويضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "ربما تتوفر في الغابات بعض العوامل الصحية للإنسان، لكن لا يمكن الاستغناء عن التدخلات الطبية في توفير العلاج. وهناك تناقض كبير بين الدعوة إلى اللجوء إلى الطبيعة وما يقترفه الإنسان في حق المساحات الخضراء لتلبية احتياجاته، فنحن نتوق إلى الطبيعة، لكن أفعالنا تعكس غير ذلك من خلال اقتلاع الأشجار واستخدامها في اتجاهات سلبية، مثل صناعة عيدان الطعام التي تستنزف مساحات شاسعة من الغابات في الصين". ويقترح وضع خطة عمل لتحديد العلاقة المتبادلة بين صحة الإنسان والطبيعة، ومعالجة ظاهرة حمل معاول لجرف الأشجار من أجل تحقيق أهداف صناعية".
والعام الماضي أنشأت الصين المركز الوطني لإعادة تأهيل الغابات، والذي يعتبر الأول من نوعه في البلاد ويهدف إلى توفير خدمات علاجية عالية الجودة على مستويات مختلفة لتلبية احتياجات الناس المتزايدة إلى أسلوب حياة صحي.

المساهمون