أموال البرجوازية... شبان صينيون يتمنون وظائف رعاية مسنين

09 نوفمبر 2023
لا تنحصر وظائف رعاية المسنين في الصين بمراكز التأهيل (Getty)
+ الخط -

أثار إعلان توظيف نشرته صحيفة صينية، وطلب أن تعمل شابة في رعاية مسنّة، ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي. وطلب الإعلان مدبرة منزل للعمل في مدينة شنغهاي لمدة 12 ساعة يومياً مقابل أجر مقداره 5 آلاف دولار شهرياً، وحدد مواصفات الموظفة بأن طولها يجب أن يتجاوز 165 سنتيمتراً ويقل وزنها عن 55 كيلوغراماً، وأن تكون حاصلة على شهادة الثانوية العامة أو أعلى، وتتمتع بمظهر جميل، وأن تستطيع الغناء والرقص بشكل جيد. كما أشار إلى أن المهمات تشمل خدمة سيدة كبيرة في السن، وإعداد الطعام لها، وتغيير ملابسها، ومساعدتها على الاستحمام وارتداء وخلع الملابس، وتوفير جلسات تدليك ورقص وغناء. 
ونشرت الإعلان شركة لخدمات التنظيف مقرها شنغهاي تتعامل غالباً مع عملاء من الطبقة البرجوازية، وواجه انتقادات شديدة من نشطاء قالوا إنه "يُعيد البلاد إلى فترة العبودية قبل تأسيس جمهورية الصين الشعبية"، بينما رحب آخرون بمضمون الإعلان، معتبرين أن "كراماتهم تهدر في أماكن العمل مقابل أجور شهرية أقل بكثير من المبلغ المعروض". 
وأبدى عدد من مؤيدي نشر الإعلان استعدادهم للتقدم للوظيفة في حال توفرت الشروط لديهم، علماً أن هذا النوع من الإعلانات يستهدف المناطق ذات الناتج المحلي الأعلى في الصين، مثل مدن شنغهاي وبكين وشينزن.

شروط وحوافز

توضح فو ين، وهي مديرة قسم الإعلان في صحيفة محلية بمدينة شينزن، في حديثها  لـ"العربي الجديد"، أن إعلانات الوظائف الخاصة بتوفير رعاية لمسنين تشكل نسبة تصل إلى 25 في المائة من إجمالي إعلانات الصحيفة، وأن هذا النوع من الإعلانات يشمل الطبقة المخملية من المجتمع والقادرة على دفع أجورعالية ومغرية مقابل شروط خاصة، مثل السن والمظهر والدرجة العلمية. 
وتذكر أن إعلانات الرعاية لا تستمر أكثر من يومين بسبب الإقبال الكبير للشباب على شغلها سريعاً، حيث تستقبل الصحيفة في اليوم نفسه أو في اليوم التالي كحد أقصى إشعاراً من المعلن بأنه عثر على ما يريده، وأن لا حاجة بالتالي لاستمرار النشر. 
وتقول فو إن "المعلنين من أصحاب الشركات الكبيرة ورؤوس الأموال يسعون إلى تأمين خدمات الرعاية لذويهم من كبار السن بسبب انشغالهم وانهماكهم في أعمالهم. أما بالنسبة إلى الشباب فيُعلن بعضهم بأنفسهم استعدادهم لتقديم خدمات لرعاية مسنين، وأنهم يحملون شهادات جامعية ويتمتعون بمظهر جيد وكفاءة عالية". 
تضيف: "حصل مرة أن طلب أحد المعلنين أن تملك الموظفة القدرة على تمثيل أدوار لشخصيات الأوبرا الصينية، وهي شخصيات تراثية تلبس أقنعة وتؤدي حركات مسرحية. كما اشترط آخر أن يُجيد من يتقدم إلى الوظيفة تقليد الأصوات وقراءة الأخبار على طريقة المذيعين". 
وبشأن الأجور المعروضة، تشير فو إلى أنها تراوح بين 3 و7 آلاف دولار شهرياً، بحسب طبيعة العمل والمهمات المطلوبة من الموظفين.

أجور مرتفعة لرعاية كبار في السن (غريغ بايكر/ فرانس برس)
أجور مرتفعة لرعاية كبار في السن (غريغ بايكر/ فرانس برس)

إقبال الشباب

وتقول جين خه، وهي طالبة في جامعة شينزن للعلوم والتكنولوجيا، لـ"العربي الجديد": "لا أمانع قبول وظيفة خدمة مسنين بسبب توفيرها حوافز كبيرة وامتيازات يصعب الحصول عليها في سوق العمل. والحديث عن راتب يصل إلى 5 آلاف دولار شهرياً مع تأمين طعام ومكان للنوم أمر مغر حقاً. وفي مدينة شينزن يبلغ متوسط إيجار الشقة السكنية 5 آلاف يوان (700 دولار)، عدا تكاليف المواصلات والطعام. وفي حال الحصول على وظيفة براتب عالٍ يمكن ادخار راتب كامل، وهذه فرصة لا يتردد عاقل في قبولها".
من جهته، يقول تشون يي، وهو موظف في شركة بريد بمدينة كوانجو، لـ"العربي الجديد": "أحصل على راتب شهري يناهز 10 آلاف يوان (1500 دولار)، يكفي بالكاد لسدّ احتياجاتي اليومية، وأنا شاب أعزب، فكيف الحال لو كنت متزوجاً؟ من هنا آمل في أن أحصل على وظيفة من هذا النوع بسبب أجرها العالي، لكنني أواجه مشكلة عدم امتلاكي شهادة جامعية، وتفضيل غالبية المعلنين الإناث". 

أما لي جيانغ شو، وهو مدرب لياقة بدينة في مركز رياضي بالعاصمة بكين، فيقول لـ"العربي الجديد": "أتابع منذ أن رأيت للمرة الأولى إعلاناً عن رعاية مسنين هذا النوع من الإعلانات بأمل الحصول على فرصة مناسبة للعمل، ويطلب معلنون كثيرون شباناً ذوي قوة بدنية خصوصاً حين يتعلق الأمر بخدمة أشخاص معوقين يحتاجون إلى رعاية خاصة في الحمل والنقل من مكان إلى آخر. ويعمل صديق لي في هذا المجال، ويحصل على أجر كبير ويحدثني دائماً عن امتيازات العمل في خدمة العائلات البرجوازية".
في المقابل، انتشرت حملات على منصات التواصل الاجتماعي الصينية ترفض، باسم شبان من الطبقات المتوسطة والفقيرة، هذا النوع من الخدمات، وتقول إن "الصين الحديثة تجاوزت منذ عقود حقبة الإقطاع والعبودية، وأنها لا يجب أن تعود إلى الوراء"، وهم يتساءلون عن موقف الحزب الشيوعي الحاكم من الظاهرة، وطالبوا الحكومة بأن تضرب بيد من حديد لحماية وصيانة النسيج الاجتماعي في البلاد.

المساهمون