احتياجات نازحي جنوب لبنان إلى تزايد وسط الاعتداءات الإسرائيلية

احتياجات نازحي جنوب لبنان إلى تزايد وسط الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة

23 مارس 2024
عائلة لبنانية نازحة من جنوب لبنان وجدت لها مأوى في إحدى المدارس (وائل حمزة/ EPA)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في الثامن من أكتوبر 2023، اندلعت الحرب على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل، مما أدى إلى نزوح عشرات آلاف اللبنانيين وتسبب في مئات الوفيات واضطرابات كبيرة في حياة السكان.
- تقرير "أطباء بلا حدود" يسلط الضوء على الزيادة في احتياجات النازحين، مع التأكيد على معاناة العائلات التي تعيش في ظروف صعبة، مثل عائلة علي حمود، وتوسع إسرائيل في استهدافاتها لتشمل شرق لبنان.
- المنظمة تقدم الإسعافات النفسية والرعاية الطبية للنازحين، محذرة من الأثر النفسي للتهجير المطوّل ومؤكدة على الأثر الشديد للنزاع على الأطفال والشباب، مع قصة مناهل رمّال كمثال.

في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعد يوم واحد من عملية "طوفان الأقصى" وشنّ الاحتلال الإسرائيلي حربه المدمّرة على قطاع غزة، راحت جبهة لبنان الجنوبية تشتعل وسط مخاوف من التوسّع إلى حرب شاملة.

ومع اعتداءات الاحتلال المتواصلة على القرى الحدودية في جنوب لبنان المستهدف، إلى جانب أخرى محدودة على مناطق داخلية، رأى عشرات آلاف اللبنانيين أنفسهم نازحين وقد هجّرتهم آلة الحرب الإسرائيلية.

في هذا الإطار، أصدرت منظمة "أطباء بلا حدود" تقريراً حمل عنوان "لبنان: خمسة أشهر من التصعيد على الحدود الجنوبية وازدياد في احتياجات النازحين"، جاء فيه أنّ الاشتباكات على طول الحدود الجنوبية من لبنان "أسفرت عن مئات الوفيات وتسبّبت في اضطرابات هائلة في حياة السكان، الأمر الذي أجبر أكثر من 91 ألف شخص على إخلاء منازلهم"، مبيّنة أنّ ذلك أثقل الجنوبيين بـ"أعباء مادية كبيرة وأثّر بصورة كبيرة على استقرارهم المالي وسلامتهم النفسية".

وإذ رأت المنظمة أنّ "لا مؤشّرات إلى وقف مرتقب لإطلاق النار" في الوقت الراهن، لفتت إلى أنّ إسرائيل وسّعت نطاق استهدافاتها مع قصف شرق لبنان في أكثر من مرّة، وتحديداً محافظة بعلبك - الهرمل.

وأكدت منظمة "أطباء بلا حدود" أنّ الجنوبيين الذين هُجّروا من منازلهم ومناطقهم، منذ الثامن من أكتوبر الماضي، لم يتمكّنوا بمعظمهم من حمل أساسيات كثيرة، وبالتالي "هم يعانون الآن" من أجل توفير "الاحتياجات الأساسية مثل الطعام والبطانيات (الأغطية)".

وتناولت المنظمة، في تقريرها الصادر أخيراً، وضع أكثر من 60 عائلة تعيش اليوم في "فندق مهجور حُوِّل إلى مركز إيواء في المروانية التي تقع على بعد نحو 60 كيلومتراً من الحدود".

الصورة
من الدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي في جنوب لبنان (وائل حمزة/ EPA)
من الدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي في جنوب لبنان (وائل حمزة/ EPA)

ونقلت المنظمة معاناة عائلة علي حمود التي لا تختلف عن معاناة العائلات الأخرى، وإن تمايزت بتفصيل أو بآخر. وقد تحدّث حمود فيما "يغالب دموعه عن مأساة عائلته"، وهو "حلاق وأب لثلاثة أطفال من بلدة رب الثلاثين". وعبّر حمود عن خشية من أن "يعاني أطفالنا من مشكلات نفسية بسبب هذا الوضع"، مشيراً إلى أنّ ما يعيشونه يمثّل "عبئاً أثقل على الصغار من الكبار". ولم يخفِ حمود تعرّض ابنه الأكبر لثلاث أزمات نفسية في الفترة الماضية.

وكان حمود قد توجّه في البداية إلى بيروت حيث بقي لمدّة شهرَين، لكنّ مدخراته نفدت فانتقل إلى مركز الإيواء في المروانية. وقال: "تركنا منازلنا بلا شيء، فقط القمصان التي كنّا نرتديها". أضاف أنّه في خلال أيام الهدنة التي استمرّت أربعة أيام في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، "عدنا (إلى المنزل) لأخذ بعض الضروريات والملابس فقط لندفأ (...) كانت لديّ مدخرات قليلة، لكنّها نفدت كلها".

في سياق متصل، تقدّم فرق من "أطباء بلا حدود" الإسعافات النفسية الأولية للنازحين من المنطقة الحدودية الجنوبية. وقد حذّرت مديرة أنشطة الصحة النفسية لدى "أطباء بلا حدود" فيليسيتاس شتاينهوف من "الأثر النفسي للتهجير المطوّل". وأوضحت: "نحن نشهد زيادة في حالات الاكتئاب واضطرابات القلق".

أضافت شتاينهوف أنّ في ما يتعلّق بالصحة النفسية عموماً، "الناس قادرون على التعامل بطريقة جيدة مع الضغوطات لفترة قصيرة من الزمن. لكنّنا نرى هنا عائلات هُجِّرت من بيوتها منذ أكثر من خمسة أشهر وهي تقاسي كثيراً من عدم اليقين في ما يتعلّق بموعد عودتها أو حتى إمكانيتها".

كذلك يقدّم فريق متنقّل من "أطباء بلا حدود" الرعاية الطبية للأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، ويقوم بزيارات منتظمة إلى عيادة في محافظة النبطية الجنوبية، القريبة من الحدود، علماً أنّ الفريق قدّم 373 استشارة منذ بداية عام 2024 الجاري.

من جهتها، نزحت مناهل رمّال من بلدة عديسة الحدودية في الثامن من أكتوبر الماضي، وقد أشارت إلى أنّ معاناة الأطفال والشباب هي "الأشدّ". وتحدّثت رمّال، التي لجأت إلى مركز الإيواء في المروانية، عن "شبّان، تتراوح أعمارهم بين 18 و20 عاماً، يجلسون بيننا من دون أيّ فكرة عمّا سوف يفعلونه"، مشدّدةً على أنّ "مستقبلهم ضاع". وكرّرت: "ضاع مستقبل الشباب".

يُذكر أنّ ابنة رمّال تتابع، "لحسن حظها"، دراستها في بيروت. لكنّها غير قادرة على زيارتها بسبب تكاليف النقل المرتفعة. فالمرأة اللبنانية "تعاني أساساً لتأمين قوت يومها، قبل الأزمة الحالية، شأنها شأن كثيرين في كلّ أنحاء لبنان، إلا أنّ التهجير فاقم مشكلاتها المالية.

وأكدت منظمة "أطباء بلا حدود"، في هذا الإطار، أنّ لبنان يرزح تحت "أزمة اقتصادية حادة"، وذلك منذ أكثر من أربعة أعوام، الأمر الذي "دفع ثلثَي سكانه إلى الفقر". وتابعت أنّ الأوضاع الحالية في جنوب لبنان أثّرت بصورة كبيرة على سبل عيش كثيرين أو قد تسبّبت حتى في شلّها، وهو ما جعلهم غير قادرين حتى على تلبية الاحتياجات الأساسية".

في الفندق المهجور الذي تحوّل إلى مركز إيواء للنازحين في المروانية والذي زارته منظمة "أطباء بلا حدود"، ثمّة "دفء وأمان للعائلات التي لجأت إليه". لكنّ المهجّرين هنا، كما هي حال سواهم من النازحين، "في حاجة إلى مساعدة شاملة ومستدامة فيما يواجهون مستقبلاً غامضاً"، بحسب ما شدّدت المنظمة.

وقد علّق حمود قائلاً: "إذا التقيت بالجنّي المارد في هذه اللحظة، لتمنيت أن أعود إلى قريتي. ليس في متناولنا أيّ حلّ، والله وحده يعلم إلى أين نحن متوجّهون".

المساهمون