أزمة النفايات في صيدا اللبنانية تتفاقم

06 يناير 2023
أزمة النفايات قديمة وتتجدّد في صيدا (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

ما زالت أزمة النفايات في مدينة صيدا، جنوبي لبنان، والقرى الواقعة شرقها تتفاقم، وسط الظروف الصعبة في البلاد، وذلك بعدما تراكمت في شوارع المدينة والقرى وأحيائها وأزقّتها، الأمر الذي سوف يؤدّي بالضرورة إلى أزمة صحية كبرى مع انتشار الجراثيم. وبينما لا تظهر بوادر للحلّ في الوقت القريب، وسط وعود لا يلمس الأهالي جديّتها، تأجّج غضب هؤلاء.
تقول نبيلة، من سكان منطقة الفوار في مدينة صيدا، لـ"العربي الجديد"، إنّه "منذ أكثر من عام ونحن نعيش أزمة النفايات التي لا تنتهي. ومع كلّ تراكم للنفايات، يعلو صوتنا ونتواصل مع رئيس بلدية صيدا ورئيس بلدية الميّة وميّة (بلدة تقع بمحاذاة صيدا)، لكنّ الأمر على حاله". تضيف نبيلة، التي تحفّظت عن ذكر اسمها كاملاً، أنّه "في بعض المرّات، يستجيب متطوّعون للمطالبات، ويوفّرون المازوت للآليات الخاصة برفع النفايات. لكنّنا نعود إلى المشكلة نفسها بعد بضعة أيام. ويترافق ذلك مع انتشار للروائح الكريهة، خصوصاً في فصل الصيف، وانتشار للحشرات والقوارض. وبالإضافة إلى ذلك، تُغلق الطرقات من جرّاء تراكم النفايات، وما نريده ونطالب به هو أن تعمل البلديات على حلّ هذه الأزمة نهائياً".

من جهته، يقول وفيق هواري، وهو ناشط في تجمّع "علّي صوتك" الذي يضمّ مجموعة من ناشطي مدينة صيدا المستقلين الذين يهتمّون بأوضاع المدينة ومشكلاتها، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أزمة النفايات في مدينة صيدا هي أزمة بنيوية، ولم يُصر إلى التعامل معها من وجهة نظر استراتيجية خاصة بكيفية معالجة النفايات التي تأتي بأربع خطوات؛ فرز النفايات ونقلها ومعالجتها وطبخها". ويلفت هواري إلى "تراجع دور البلديات. فعندما نتحدّث عن موضوع النفايات في مدينة صيدا، لا نستطيع التحدّث فقط عن صيدا، إذ إنّ الأمر يرتبط باتحاد بلديات صيدا، فهي كلّها تشكّل وحدة اجتماعية وجغرافية متداخلة بعضها ببعض، وبالتالي فإنّ الأزمة تطاول اتحاد البلديات".
يضيف هواري أنّه "في ما يخصّ عملية الفرز في المصنع الواقع بمدينة صيدا، فإنّ الأمر لا يلقى تجاوباً بسبب التدخّلات السياسية التي تمنع هذه العملية. أمّا عملية الجمع والنقل التي كانت تقوم بها شركة خاصة مع اتحاد بلديات صيدا، بناءً على دفتر شروط بين الطرفَين، فلا البلدية التزمت بالشروط ولا الشركة التي كانت تستخدم آليات لضغط النفايات، الأمر الذي كان يؤثّر على عملية الفرز ويجعلها أكثر صعوبة". ويتابع هواري أنّ "تأخيراً حصل في دفع المال للشركة التي تنقل النفايات، بدءاً من شهر مارس/ آذار من عام 2019، وهو ما دفع الموظفين والعمّال إلى الإضراب عن العمل، علماً أنّه من المفترض أن يحصلوا على المال من صندوق اتحاد البلديات".
ويوضح هواري أنّه "في العقد المبرم بينهما والمتّفق عليه لمدّة ستّة أشهر، حُدّد المبلغ بـ43 مليار ليرة لبنانية (نحو 28 مليوناً و550 دولاراً أميركياً بحسب سعر الصرف الرسمي، ونحو مليون و50 ألف دولار بحسب سعر صرف السوق الموازي). وهذا المبلغ ضخم جداً، ولا تستطيع بلدية صيدا سداده. وقد تمّ تأمين خمسة مليارات ليرة، علماً أنّ المبلغ هو من التبرّعات. وفي الوقت نفسه، لم تلتزم الشركة بالشروط، فكانت تأتي بمخالفات، وكانت تبيع كلّ ما هو قابل للتدوير بحجّة أنّ البلديات سمحت لها بذلك، فيما البلديات نفت ذلك".

معمل معالجة النفايات في صيدا (راتب الصفدي/ الأناضول)
معمل معالجة النفايات في صيدا قبل وقف نشاطه (راتب الصفدي/ الأناضول)

ويلفت هواري إلى أنّه "في كلّ الاجتماعات التي عقدها المسؤولون السياسيون في المدينة، طالبوا بدفع المستحقات للعمّال من دون تقديم حلّ فعلي. والحلّ هو أن تقوم البلدية بالجمع والفرز، إذ هي المسؤولة عن ذلك بموجب القانون. وقد طُرح هذا الأمر في آخر اجتماع عُقد ما بين نواب المدينة ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي، لكنّ القيادة السياسية بحسب ما يبدو تريد توفير مبلغ معيّن من أجل تسليك الحال".
ويكمل هواري: "أمّا في ما يخصّ المرحلة الثالثة، وهي مرحلة المعالجة، فهنا تكمن المصيبة، لأنّ المعمل لم يُبنَ بحسب الاتفاق المبرم في عام 2002 مع رئيس بلدية مدينة صيدا الأسبق هلال قبرصلي. ثمّ كانت ضغوط سياسية، بالإضافة إلى عدم انتظام العمل في هذا المعمل في ظلّ غياب مراقبة اتحاد بلديات صيدا. يُذكر أنّ اتحاد بلديات صيدا كان قد شكّل لجنة مؤلّفة من خمسة رؤساء بلديات يشرفون على المعمل، لكنّ هذه اللجنة اجتمعت مرّة أو مرتَين للأسف، وقد مُنع مدراء المعمل من الدخول إليه".
وفي حسبة سريعة، وفقاً لهواري، فإنّ "المعمل كما يقولون لم يتلقَّ أموالاً من الدولة منذ عام 2020، وقد عمل لمدّة ثمانية أعوام، الأمر الذي يعني أنّه حقّق أرباحاً. أين ذهب المال إذاً؟ ونحن كنّا قد أصدرنا بياناً في هذا الخصوص، علماً أنّ ذلك يدلّ على أنّ المعمل يعاني من سوء إدارة ومن غياب الرقابة".

وبينما يؤكد أنّ المعمل معطّل اليوم، يشرح هواري أنّ تجمّع "علّي صوتك" طرح مشاريع حلول في هذا الإطار، ويقول "إمّا أن تتولّى البلدية عملية إدارة المعمل وتشغيله من جديد، بالإضافة إلى عملية الجمع والنقل، وإمّا عقد اتفاق مع شركة من أجل النقل والجمع، وهذا الأمر يؤمّن المال لاتحاد بلديات صيدا، شريطة التزام البلدية والعمل على تنفيذ الاتفاق. كذلك يأتي موضوع الحرص على سلامة المطمر، علماً أنّ ما يحصل اليوم هو أنّ النفايات التي تُجمَع تُرمى بالقرب من المعمل، بسبب عدم قدرته على العمل، الأمر الذي يجعل المطمر غير صحي".
تجدر الإشارة إلى أنّ بلدية بقسطا الواقعة إلى شرق مدينة صيدا، أبدت في خلال اجتماع لها استعدادها لتوفير أرض في البلدة لتأمين مطمر صحي، لكنّها تلقّت تهديداً في هذا السياق، وبالتالي لم يُسمَح لها بإقامة المطمر. وهذا ما يؤدّي بطبيعة الحال إلى استمرار أزمة النفايات.

المساهمون