نفايات لبنان... عودة الحرق أسهل الحلول وأخطرها

نفايات لبنان... عودة الحرق أسهل الحلول وأخطرها

05 ديسمبر 2021
تتكدس النفايات في شوارع لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -

عاد حرق النفايات إلى الواجهة مجدداً في لبنان كوسيلةٍ للتخلص منها، بعدما عجز المسؤولون حتى الساعة عن إيجاد الحلول السريعة لإزالتها من الطرقات والشوارع والأحياء.

تقول السبعينية سهام إنها اضطرّت إلى مغادرة منزلها الكائن في منطقة الجديدة (قضاء المتن في محافظة جبل لبنان)، وانتقلت للعيش في قريتها البقاعية بسبب تكدّس النفايات منذ فترةٍ وانتشار الروائح الكريهة والحشرات، وأخيراً حرقها، الأمر الذي دفعها إلى إبقاء النوافذ مغلقة. وفي حال خروجها من المنزل، كانت تشعر بالاختناق وتعاني من آلام في الرأس وصعوبة في التنفّس، فكان لا بدّ من الخروج، أقلّه حتى حلّ الأزمة.
حال سهام هو حال الكثير من أبناء منطقة الجديدة والمتن وبيروت وغيرها من المناطق اللبنانية التي تعاني من أزمة النفايات. وبدأت الأصوات ترتفع مطالبة بالتدخل وحلّ المشكلة، نظراً لخطورة تكدس النفايات بيئياً وصحياً، وخطورة حرقها، مع الإشارة إلى أن الكثير من المواطنين في لبنان عاجزون عن شراء الأدوية، في ظل ارتفاع أسعارها، أو عدم توافرها.
في هذا السياق، يوضح رئيس بلدية الجديدة أنطوان جبارة لـ "العربي الجديد" أن "النفايات متراكمة في غالبية المناطق اللبنانية وخصوصاً في المتن وقضاء كسروان (محافظة جبل لبنان) وبيروت لأسباب باتت معروفة متّصلة بشركة رامكو، وتوقف موظفيها عن العمل نتيجة أزمة الدولار. وقد غادر كثيرون البلاد، الأمر الذي أثر بأعمال إزالة النفايات". 
وينفي جبارة أن يكون للبلدية يد في حرق النفايات، لافتاً إلى أنها تعمل على حلّ الأزمة مع المعنيين ومعالجة الأمر بالوسائل الممكنة، مشيراً إلى أن "الحرائق التي طاولت النفايات مفتعلة، وكنا قد ألقينا القبض على أحد الأشخاص الذين عمدوا إلى حرقها وعملنا على تسليمه للمخفر".

قديح: الحرق وسيلة البلدان المتخلفة للتخلص من النفايات

ويؤكد الخبير البيئي ناجي قديح، لـ"العربي الجديد"، خطورة حرق النفايات بسبب تداعياته الصحية والبيئية، لافتاً إلى أنها "وسيلة تلجأ إليها عادةً البلدان المتخلفة التي تعاني من مشاكل في إدارة النفايات، وفي الوقت الحالي بعض الجهات في لبنان للتخلص من الكميات المكدسة أو تخفيف حجمها لاستيعاب دفعات جديدة".

ويقول: "الغاية من حرق النفايات تخفيف الحجم والكمية المراد التخلّص منها، إذ يعتبر الذين يقدمون على حرق أنها وسيلة ملائمة ومقبولة في وقت يرتكبون فيه خطأ كبيراً أكلافه مرتفعة بيئياً وعلى الصحة العامة مهما كانت المبررات والدوافع والأهداف. كذلك إن حرق النفايات بطريقة غير تقنية تلقائياً وفي الهواء الطلق ليس ملائماً من الناحيتين التقنية أو البيئية، إذ لن يكون كافياً لتحقيق التفكيك الكامل والآمن للمواد المكوّنة منها النفايات".

نفايات لبنان (حسين بيضون)
يتزايد تراكم النفايات بالشوارع (حسين بيضون)

يضيف قديح: "في هذه الظروف، تكون عملية الحرق غير كاملة وتترافق مع انبعاث عدد كبير من الغازات الضارّة، بما فيها غازات عالية السميّة تؤدي إلى تلويث خطير للهواء، وبالتالي تهدد الصحة العامة للمواطنين. العديد من هذه الملوثات والمواد السامة تسبّب أمراضاً خطيرة ومزمنة ومستعصية وسرطانية".
ويؤكد "أهمية نشر التوعية وعدم القيام بخطوة كهذه، وخصوصاً في الشوارع والمكبات العشوائية التي للأسف يُلجأ إليها لإتاحة المكان فيها للمزيد من النفايات"، لافتاً إلى أنها "ممارسات تنمّ عن جهلٍ فظيعٍ وتترافق مع مخاطر صحية وبيئة، ولا تنمّ عن إدارة سليمة، لأن حرقها إهدار للقيمة الكاملة فيها، باعتبار أنّ المواد التي تتكوّن منها ذات قيمة، والكثير منها قادرون على إعادة تدويره واستعماله واسترداد قيمته".
ويوضح قديح أن "الملوثات التي تنتشر في الهواء ستعاود النزول إلى الأرض من جديد بعد فترةٍ زمنية، ما سيؤدي إلى تلوث التربة والمنتجات الزراعية والمياه السطحية. وإن كانت المواد قادرة على الثبات، أي عدم التفكك بسهولة، وبالتالي العيش فترة طويلة في البيئة وتحمّل الشمس والبرد وما إلى ذلك، تكون عالية السمية وقادرة على تلويث أكثر من وسطٍ بيئيٍّ والانتقال من وسطٍ إلى آخر، أي من الهواء إلى التربة والمنتجات الزراعية والمياه وتسرب للمياه الجوفية بشكلٍ خطيرٍ".

ويحذر من تكدس النفايات في الشوارع: "النفايات خليطٌ من المواد التي تحتوي على عددٍ كبير من المكونات، بعضها يتغيّر مع الوقت ويتفكّك ويتحمّر ويتعفّن، ولا سيما العضوية، وتترافق مع انبعاثات لروائح بشعة وغازات وتلوث للهواء، وخصوصاً عندما تبدأ بالتفاعل. وهذه المتغيرات قادرة على التفاعل مع مكونات أخرى موجودة في النفايات، منها المعادن التي يتكوّن منها سائل لزج يحتوي على كمية كبيرة وتراكيز عالية من مكونات خطيرة وسامة للبيئة والصحة العامة".
ويشير إلى أنّ "النفايات يجب أن تنقل إلى مواقع للمعالجة والفرز واسترداد المكوّنات ذات القيمة المادية والطاقوية بطرق لا تلوث البيئة أو تهدد الصحة العامة بمخاطر إضافية"، لافتاً إلى أنّ "إعادة التدوير وإعادة الاستعمال، وبشكل خاص استرداد القيمة، لها فوائد حتى على صعيد تخفيف كلفة إدارة النفايات. وفي بعض الحالات تغطي كل تكاليف إدارة النفايات بطريقة سليمة بيئياً، وهذا ما نحتاج إليه في لبنان".
وفي وقتٍ سابقٍ، قال رئيس بلدية بيروت، جمال عيتاني، لـ"العربي الجديد، إنّ "العقود مع شركة رامكو وقعت بالليرة اللبنانية، بينما تكاليف الشركة بالدولار الأميركي، سواء على صعيد شراء المازوت أو قطع غيار الآليات وغير ذلك. والدولار يتجاوز اليوم 23 ألف ليرة لبنانية، في وقت ارتفعت فيه كلفة اليد العاملة كثيراً، ما انعكس على المقاول الذي ما عاد بإمكانه الاستمرار بالسعر ذاته وارتفعت خسائره".

نفايات لبنان (حسين بيضون)
الأثر البيئي للنفايات ينافس الأثر الصحي (حسين بيضون)

وقال: "اجتمعنا مع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ومجلس الإنماء والإعمار بهدف إيجاد حلّ منصف، وقد وضعنا بعض البنود الأساسية التي يسمح العقد بتعديلها، منها خفض كمية النفايات بنسبة تسمح بتعديل السعر وبند كلفة الوقود".
ولم تحلّ بعد المشكلة مع شركتي "سيتي بلو" و"رامكو" إذ توقفتا كلياً عن كنس وجمع النفايات في بيروت وجبل لبنان اعتراضاً على عدم تسوية العقود مع مجلس الإنماء والإعمار.
وفي هذا السياق، اجتمع يوم الخميس الماضي، رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، مع وزير البيئة ناصر ياسين، والذي صرح بعد الاجتماع: "بحثنا في موضوع النفايات الصلبة، والخطة التي نعمل عليها من أجل إدارة اكثر استدامة لهذا الملف، ونعمل لتفادي أزمة إضراب عمال شركات جمع النفايات، لأن هناك مشكلة في العقود بين الشركات ومجلس الإنماء والإعمار تناقشنا في كيفية حلها، والتفكير بإدارة مستدامة لهذا القطاع". وشدد على أننا "نحاول تسيير عقود الشركات مع مجلس الإنماء والإعمار وإدخال تعديلات عليها آخذين بعين الاعتبار التضخم الحاصل، وسأتابع الموضوع مع وزير الداخلية بسام مولوي من أجل تفادي أزمة في الشارع".
ويقول ياسين لـ "العربي الجديد" إنّ "القطاع بأكمله يُدار من دون خطة مستدامة، إذ تقتصر الحلول على تلك الظرفية والمعالجات السريعة ولسنوات قليلة، وهو ما يجدّد الأزمة كل فترةٍ". ويشير إلى أنّ "كثيراً من الشركات والمتعهّدين لم تعد لديهم قدرة على تشغيل المعامل أو القيام بعمليات الجمع والكنس ورفع النفايات نتيجة الأزمة الاقتصادية وتحليق سعر صرف الدولار. من هنا، نحن في هذه المرحلة المؤقتة نعيد النظر بمعادلة العقود مع المتعهدين والشركات عبر مجلس الإنماء والإعمار. وكوزارة بيئة، نساعدهم في الأمور الفنية العملية، وفي الوقت نفسه، نطلق استراتيجية وطنية مستدامة لمعالجة النفايات في وقت قريب".

نفايات لبنان (حسين بيضون)
معاناة اللبنانيين مع النفايات مستمرة (حسين بيضون)

وإلى حين إطلاقها، يقول ياسين: "نحن في حاجة إلى موارد والانتقال من مركزية العمل في القطاع إلى اللامركزية، أي عبر اتحاد البلديات أو بلديات المدن الكبرى"، لافتاً إلى أن "هناك مرحلة انتقالية لكن لن تطبق للأسف بسرعة، باعتبار أن الموارد المطلوبة ليست متوافرة".
ويشير إلى أنّ "النفايات ترفع بوتيرة أقلّ نتيجة تدهور قيمة العملة الوطنية والغلاء الفاحش وارتفاع سعر صرف الدولار، والمتعهدون لهم مطالبهم المادية، وهناك مناقشات تحصل خصوصاً على مستوى مجلس الإنماء والإعمار والحكومة لإيجاد حلّ على معادلة الليرة اللبنانية لتكون الزيادة بالعملة الوطنية، وليس بالدولار، مع اخذ التضخم بالاعتبار".

ويوضح وزير البيئة أنّ "هذا الحلّ يبقى في دائرة الحلول السريعة، لكننا نتطلع إلى معالجة بطريقة أكبر، انطلاقاً من طرح دور أوسع للبلديات واتحادات البلديات بعملية المعالجة السليمة بيئياً وصحياً عبر الفرز من المصدر لتكون تحت إشرافها بعيداً عن الأرباح التي تتطلع إليها الشركات، على أن تبقى نسبة مثلاً من 20 إلى 25 في المائة لمعالجة نهائية عبر مطامر صحية كبيرة أو طرق أخرى نبحثها".

المساهمون