"دار المعرفة"... مبادرة لجمع وإصلاح الكتب المتضررة شمالي سورية

28 مايو 2022
تستمتعان بالقراءة (العربي الجديد)
+ الخط -

أدى طول سنوات الحرب في سورية وما رافقها من قصف ودمار إلى تراجع الاهتمام بالكتب وتضرر المكتبات العامة والخاصة وتلف وضياع آلاف الكتب. ومع بدء تحقيق الاستقرار وغياب الطائرات عن سماء محافظة إدلب الواقعة شمال غربي سورية بشكل ملحوظ، عادت الحركة الثقافية إلى الواجهة، وأنشأت مكتبات ومراكز ثقافية تتيح لمحبي القراءة والباحثين والراغبين باستعارة الكتب الحصول على ما يرغبون بشكل مجاني.
من بين هذه المشاريع التي شهدها الشمال السوري في الآونة الاخيرة مبادرة "دار المعرفة" في بلدة أرمناز القريبة من الحدود السورية - التركية، وعمد القائمون على جمع أكثر من ألف كتاب في شتى المجالات، وإجراء صيانة بسيطة للمتضررة منها، وعرضها في مكان عام كي يتسنى للباحثين والقراء الحصول على ما يحتاجون منها من دون عناء.
ويقول رئيس المجلس المحلي التابع للمعارضة في بلدة أرمناز فراس دنون لـ "العربي الجديد" إن الفكرة جاءت انطلاقاً من الرغبة بتأهيل المركز الثقافي في البلدة الذي تعرّض للقصف والتخريب وجمع وصيانة الكتب التي كانت موجودة فيه بمكان واحد من أجل إتاحتها للقراء والباحثين. كما أن الإعلان عن المشروع دعا كثيرين للتبرع بما لديهم من كتب لا يحتاجونها، وهي موجهة لفئة الشباب من أجل ترغيبهم بالقراءة وإبعادهم عن وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تأخذ جلّ وقتهم من دون فائدة.
يضيف أن القائمين على المبادرة أجروا صيانة للكتب المتضررة وأعادوا فرزها على رفوف مخصصة لكل قسم، فهناك الكتب الأدبية والعلمية والقصص والروايات. وبلغ عدد الكتب التي تمّ جمعها وترتيبها حتى الآن أكثر من 1200 كتاب في شتى المجالات. كما عمد المشرفون على الدار إلى حفظ وتنسيق الكتب المتضررة بشكل كبير وغير الصالحة للاستخدام في مكان حتى يصار إلى ترميمها في وقت لاحق.

بدوره، يقول الميسّر في لجنة حماية الطفل ببلدة أرمناز التي كان لها دور بتجهيز الدار خالد محمد سالم لـ "العربي الجديد": "اللجنة وفّرت بمساعدة المجلس المحلي جميع اللوجستيات وكان لها دور بتجهيز المكان والخزانات والرفوف ومد مركز الدار بالكهرباء والمياه وخدمات النظافة، وشارك متطوعوها بجميع أعمال الصيانة والتجهيز حتى الافتتاح إلى جانب مسؤولين في المجلس المحلي".
وبحسب سالم، فإن الافتتاح شهد مشاركة معظم الفاعليات التعليمية والثقافية في البلدة. ونظمت زيارات عدة من قبل تلاميذ المدارس برفقة مدرسيهم للتعرف على الكتب الموجودة وترغيب التلاميذ بالقراءة وشرح كيفية العودة إلى المصادر ومراجع العلوم والمعاجم المفهرسة في الدار، وأبلغ جميع الراغبين بزيارتها والقراءة وخصوصاً من تلاميذ المدارس من أبناء البلدة والبلدات المجاورة.

دار المعرفة 2 (العربي الجديد)
يبقى الكتاب الورقي بالنسبة للباحثين ذا قيمة وأهمية (العربي الجديد)

وعن عودة الحركة الثقافية في الشمال السوري، يقول الباحث المهتم بالمكتبات عمر حاج يوسف لـ "العربي الجديد" إن الشمال السوري كان غنياً بالمكتبات قبل اندلاع الثورة عام 2011، لكن ظروف الحرب أدت إلى دمار واندثار كثير منها وتراجع الاهتمام باقتناء الكتب الورقية، وخصوصاً مع ظهور الأجهزة الإلكترونية التي توفر كتباً أكثر وأرخص ثمناً، لكن يبقى الكتاب الورقي بالنسبة للباحثين ذا قيمة وأهمية، على حد قوله.
ويشير إلى أنه منذ عام 2020، بدأت حركة تداول الكتب تعود إلى الشمال السوري، وبتنا نرى العديد من المكتبات التي تبيع الكتب وهناك مكتبة حكومية في مدينة إدلب. كما شهدت المدينة إقامة معرض للكتاب العام الماضي. وبالنسبة لريف حلب الشمالي، أنشأت المجالس المحلية العديد من المكتبات التي تضم آلاف الكتب الثقافية والعلمية والأدبية منذ تراجع العمليات العسكرية وابتعاد جبهات القتال عن المدن والبلدات.

ويقول حاج يوسف إن أبرز المشاكل التي تواجه الباحثين في الشمال السوري، هي غياب أهم المراجع التي كانت تأتي من دمشق وحلب الخاضعتين لسيطرة النظام، وصعوبة طلبها عبر الإنترنت، وعدم وجود الكثير منها في تركيا حيث يسهل طلبها عبر الأقارب والأصدقاء.

دار المعرفة 1 (العربي الجديد)
نظمت زيارات عدة من قبل تلاميذ المدارس (العربي الجديد)

وافتتحت منظمة تركية العام الماضي نحو 400 مكتبة مجانية كل واحدة منها نحو 100 كتاب في مدارس مدن الباب وجرابلس وعفرين وأعزاز بريف حلب، كما أقامت عدد من المكتبات المحلية معرضاً للكتاب في مدينة إدلب، شاركت فيه دور نشر محلية استقدمت كتباً بنسخها الأصلية من مدن إسطنبول والقاهرة وبيروت.
كما انتشرت في المنطقة العديد من النوادي الثقافية، وخصوصاً في مدينة أعزاز قرب الحدود التركية، وتضم وحدها أكثر من ثلاث مكتبات منها مكتبة جامعة حلب ومكتبة المركز الثقافي التي تضم مئات الكتب والروايات، وأخرى تتولى إعارة وتأجير الكتب بأسعار رمزية.

المساهمون